عتيج الصوف ولا يديد البريسم .. بقلم نسيبة القصار

زاوية الكتاب

كتب 2574 مشاهدات 0




مما لا شك فيه بأن العولمة اقتحمت المجتمع الكويتي وأحدثت به تغيرات لا نستطيع حصرها, وفي عدة مجالات, وقبل أن نعرض أمثلة لذلك, لابد لنا أن نعرف أولاً ما هو معنى العولمة: 'هي صياغة ثقافة كونية شاملة تغطي مختلف جوانب النشاط الإنساني وتخلق إنسانًا عالميًا مبرمجًا ذا بعد واحد مؤمن بأيدولوجية السوق العالمية والمتوحد مع مصالحها ورموزها وشعاراتها..' (1) وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا المعنى هو لأول وهلة يعطينا معنًى إيجابيًا وهو أن يكون العالم كله كأنه قرية واحدة صغيرة متعارفة على بعضها ومتشابهة, ولكنه في الوقت نفسه فإن العولمة إذا استفحلت في المجتمع تميت ثقافته وأصالته التراثية ونمطه الخاص في العيش في الحياة.

وعلى سبيل المثال, سأعرض الآن مقارنة بين مطعمين أحدهما كويتي أصيل والآخر غربي بحت, وذلك لأوضح التغيرات التي حدثت ومازالت تحدث في مجتمعنا وآثارها, المطعم الأول هو مطعم أصيل في سوق المباركية, وهو مطعم يوحي من اسمه أنه كويتي ولها طابعه التراثي, ويتميز بأكلاته الكويتية القديمة مثلاً في وجبة الإفطار (الشاي والحليب في الاستكانة, البيض مع البلاليط والقرص عقيلي ويأتي النادل بالطعام في صينية حديد دائرية مثل الصواني التي كانت تستخدم في بيوت الطين الكويتية, والخبز من التنور..., وكذلك فيه طابع البساطة حيث لا تكلف في الديكور فالطاولات والكراسي بلاستيك ومكانها في الهواء الطلق, وسعره بسيط جدًا مع أن خدمته سريعة وطعامه نظيف, وكثير من رواده الرجال الكبار المسنين والعوائل ونادرًا ما نجد الشباب فيه) , بينما في المقابل المطعم الثاني هو مطعم غربي عالمي, ويقع في أحد المجمعات التجارية الحديثة, وله طابع الوجبات السريعة لكنه يقدمها بطريقة جميلة وطعم لذيذ, لكن سرعان ما نلاحظ عليه من أول دخولنا إليه أنه يعطي الجو الغربي حيث ديكور المطعم حائط أسود, إضاءات خافتة باللون الأحمر وأغاني أجنبية صاخبة تتسم بسرعة إيقاعها, حتى أنه يشبه بهذا الديكور إحدى بارات الغرب, ورواده غالبيتهم من الشباب والشابات, ونادرًا ما نجد العوائل ترتاده, ولاشك بانه مكانه كونه في أحد المجمعات فإنه من البديهي أن يتجه له الشباب خصوصًا بانه أصبح لدى الشباب أنه أكثر مكان ممتع ويفي بكل الأغراض هو المجمعات.

ويبدو لنا من هذه المقارنة البسيطة أن تأثير العولمة بارز جلي على مجتمعنا الكويتي, فالشباب يميلون بقوة للنوع الثاني من المطاعم دون غيرهم, أنا أرى أن هذا التوجه ما أتى من فراغ, بل من تداخل العوالم ببعضها البعض, وهذا بالضبط ما أشار له المستشار الإعلامي بالسفارة المصرية بالرياض في إحدى مقالاته في جريدة الرياض: بـ 'إن تكنولوجيا الاتصال الحديثة أتاحت العديد من الوسائط والوسائل التي ألغت الحدود الجغرافية، وقربت المسافات، وسهلت امكانية الحصول على المعلومات من أي مكان، وتجميعها وتخزينها وبثها بشكل فوري متخطية قيود الوقت والمسافة' (2) ،  فما هو بالغرب يصلنا بوسائل الاتصال الحديثة وسرعان ما ينجذب له أبناءنا إله وذلك لتطوره وتميزه ولجدّيته, متناسين أن التمسك بالتراث هو الذي سيحفظ لنا تراثنا ويورثه لأجيالنا القادمة, أنا لست ضد التمدن والتطور, بل بالعكس أحب ذلك لكن أفضل أن يكون بالقدر المعقول الذي لا يُغّيب تراثنا وأصالتنا, ومن الجميل لو تم الجمع بين الاثنين كما ما يحدث في إحدى المطاعم التي تميزت بطابعها الكويتي في الطعام والديكور والموسيقى مع الدمج في الأكلات الغربية البسيطة, فأنا مع المثل الذي يقول: عتيج الصوف ولا يديد البريسم.

الطالبة: نسيبة بدر القصار

الآن - رأي: نسيبة القصار

تعليقات

اكتب تعليقك