عبد الله الظفيري يتساءل: لماذا نجح الغرب في تأسيس دول حقيقية وفشلنا نحن؟!

زاوية الكتاب

كتب 572 مشاهدات 0


القبس

إعادة صياغة 'الشعب' و'الدولة'

عبد الله الظفيري

 

تثبت الأحداث التي تعصف بالمنطقة حاجتنا الى إعادة صياغة مفهوم الوطن بمعناه السياسي الحديث، بصفته حيزاً مكانياً لمجموعة من الناس تشكل مجتمعاً لشعب بمعناه العميق، بغض النظر عن أصول وانتماءات أفراد هذا الشعب ومعتقداتهم وأفكارهم.

الوطن بمعناه الحديث هو حيز مكاني يتوافق فيه الناس على عقد اجتماعي لإدارته، ينبثق عن هذا العقد قانون ينظم علاقات الناس، ويتحول الجميع بموجب هذا العقد إلى «شعب» يستمد هويته من إدراكه لمصالحه ولثقافته المشتركة، بعيداً عن الطائفية والفئوية والقبلية، أي باختصار بعيداً عن كل انتماء ما قبل وطني، وبالتالي تتم إعادة تأسيس الدولة الوطنية على أسس حقيقية، بصفتها إدارة عليا لحياة الشعب بحاضره ومستقبله، تستمد وجودها من سعيها للتعبير عن المصالح الحقيقية لأبناء الشعب، وتستمد هويتها من الهوية المشتركة لشعبها.

يبدو الكلام نوعا من المسلمات، لكن ما نمر به من أحداث عاصفة تكاد تعيدنا إلى القرون الوسطى يفرض علينا إعادة طرح هذه المسلمات التي يبدو أنها لم تكن في يوم من الأيام بديهية، بل محل خلاف حقيقي وعميق.

الدولة العربية الحالية، غالبا ما تكون، إقصائية، تمارس أحياناً سياسات اضطهاد ضد شرائح معينة من أبنائها، لأنها ببساطة – حتى لو اتبعت الأساليب الديموقراطية في الحكم - دولة فئة وليست دولة شعب، بمعنى إذا كانت دولة ديموقراطية للأغلبية فهي تعبر عن انتماءات ما قبل وطنية لهذه الأغلبية، بما فيها من انتماءات قبلية وطائفية وفئوية، وإذا كانت دولة أقلية، فهي ستكون دولة استبداد بالضرورة في ظل سيطرة الأفكار والانتماءات الفئوية.

ولنسأل أنفسنا، لماذا نجحت المجتمعات الغربية في تأسيس دول حقيقية وفشلنا نحن؟ الجواب ببساطة: لأننا نصر على أن نتعامل مع الدولة بذهنية فئوية، ولذلك تتحول مؤسسة الدولة من مؤسسة عليا للإدارة، إلى مؤسسة لتصفية الحسابات التاريخية.

وإذا كانت الدولة تعرف في حقيقتها كمؤسسة تحتكر العنف وتمارسه لتطبيق القانون بمعناه الواسع، فإنها تتحول عند أصحاب الانتماءات الفئوية إلى مجرد أداة قمع وإقصاء واضطهاد، وساحة فساد وإفساد، تفتقد أي مشروعية شعبية، ولذلك تبدأ بخدمة مصالح الدول الأخرى لتستمد منها مشروعيتها، تحت مسمى «الشرعية» الدولية.

ما يحصل حولنا دمار غير مسبوق، وهو في حقيقته دمار لنوع «الدولة»، والتي هي اشبه بالهراوة، ولهذا النوع من الوطن الذي هو أشبه بالقفص، حين تحول القانون إلى نجوم على أكتاف مجموعة من السجانين، وأموال منهوبة في جيوب حفنة من اللصوص.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك