صدام لم يعلم العرب يوماً مشاعر الكرامة والعزة!.. هذا ما يراه خليل حيدر

زاوية الكتاب

كتب 1076 مشاهدات 0


الوطن

طرف الخيط  /  عابر ضمير

خليل علي حيدر

 

لا أعرف ماذا طالعت الروائية الجزائرية الشهيرة أحلام مستغانمي من كتب أو قرأت من مذكرات عن معبودها الذي ستزور قبره وتستغفر منه وتشكو له حال الأمة بعد زوال حكمه وشنقه، ولكن كل الذين رافقوا صدام حسين وعاشروه صغيرا ويافعا وناضجا قالوا في كتبهم وتقاريرهم ومذكراتهم ومقابلاتهم الكثير عن جرائمه الرهيبة وأمراضه النفسية المستعصية واستغلاله لكل إمكانات العراق لإرضاء نزواته التسلطية المنحرفة.
فالمعروف أن الرجل القائد الضرورة، شق طريقه صاعداً بالمسدس والرشاش والمؤامرات والتصفيات والقضاء المفجع على كل من يقف في دربه، وعندما هيمن على مقدرات العراق اعتبر نفسه مالكاً للبلاد والعباد وللأرض وما عليها.
أحد الذين رافقوه وكانوا في خدمته رئيس البروتوكول، د.هيثم رشيد وهيِّب الذي نفد بجلده ليفضح صدام في كتابه «في ظل صدام». يقول إن هذا الرمز الوطني المقاوم كان يملك خمسة وستين قصراً، ونحو مئة مقر «أكثر تواضعا»، ويضيف: «لم يتراجع عن ارتكاب أية حماية، فاستورد بين خمسة وعشرة آلاف ديك بري فرنسي لحدائق القصر الرئاسي وقصر الجمعية الوطنية، كل ذلك لأنه شُغف خلال رحلة صيد مع جاك شيراك بريش تلك الطيور. وبعد مرور ثلاثة أو أربعة أشهر لم يبق في تلك الحدائق إلا بعض الديوك الرومية».
امتلك صدام أيضا يختا بطول ثلاثمائة متر أطلق عليه اسم القادسية بلغت تكاليفه 350 مليون دولار تطلب بناؤه ثلاث سنوات. ولم يتسلط الرئيس وحده على الشعب العراقي المسكين بل تسلط معه إبناه «قصي» و«عدي» وأجهزه استخباراته التي لا تحصى. وكانت لنخبة بغداد الإجرامية تلك ممارسات لا توصف لبشاعتها في ممارسة ألوان الجنس والتهتك، بما فيها وضع إحدى الشابات في قفص للكلاب المتوحشة، وإلقاء أخريات إلى المخالب الحادة للنمور «المدجنة» التي يمتلكها «عدي».
كل هذا قد لا يعد شيئاً ذا بال مقارنة بما فعله الرئيس المقبور بالأكراد وعرب العراق السنة والشيعة وبالعالم العربي كله عندما اعتدى على الكويت بعد حرب طويلة دامية مدمرة للعراق.. مع إيران! هل سمعت السيدة مستغانمي ببلدة كردية اسمها «حلبجة»؟ لقد ورد اسم المدينة في آلاف الكتب والتقارير، وتكرر نشر صور القتلى وجثث النساء والأطفال الصرعى، الذين قتلوا بالسلاح الكيماوي، بيد سيف العرب وحارس البوابة الشرقية؟ فهل مثل هذا السفاح الذي كانت حياته سلسلة جرائم واعتداءات واغتيالات، يستحق أن تكتب عنه روائية مثل أحلام مستغانمي عن يوم إعدامه بأنه كان إعداماً لكل العرب وشنقاً لكل الأمة، وبأنها ستزور قبره عندما يتحرر العراق؟»
إن السيدة «مستغانمي» تطالب حتماً باحترام «نضال الجزائر» و«شهداء الجزائر»، فلماذا تتجاهل بهذه الطريقة التجربة الدامية للشعب العراقي وما حدث له في ظل معبود مستغانمي، وما زال يحدث له من موت وتفجير وقتل من انتحاريين يأتي الكثير منهم من تونس والجزائر وليبيا، ليقتلوا فقراء العراق، ويرملوا نساءه دون أي سبب سوى ما قيل للأديبة مستغانمي وبقية سذج العرب بأن ثمة مؤامرة أمريكية على العالم العربي؟
فلماذا عاد العرب يطالبون بتدخل أمريكا لإنقاذ سورية وليبيا والعراق.. وربما حتى الجزائر في المستقبل؟
لم يملأ صدام حسين أرض العراق بالمجد والفخر والمقاومة والعزة العربية، كما قد تتصور الروائية الجزائرية وعدد لا يحصى من كتاب ومثقفي شمال أفريقيا وعرب أوروبا وأمريكا وغيرها، بل ملأ روابيها بالمقابر الجماعية والمشانق، ومن لم يقتل أو يتم التخلص منه، فر بجلده إلى الخارج، إلى الأردن أو تركيا أو إيران.. أو أي مكان بما في ذلك استراليا!.
إن إعجاب المثقفين والكتاب العرب بالرئيس الكارثة صدام حسين، يعيد للأذهان إعجاب البعض في العالم العربي بهتلر، لمجرد أنه عدو لليهود ومحارب للإنجليز والفرنسيين. بل وجمع الكثير من مثقفي العرب بين التباكي على الديموقراطية نهاراً، أو التباهي بالمستبدين والزعامات الدموية.. ليلاً!.
نتمنى للسيدة أحلام مستغانمي إفاقة سريعة من هذه الغيبوبة القومية الحالمة التي تعيشها، وأن تدرك أن صدام لم يعلم العرب يوماً مشاعر الكرامة والعزة، بل أسس جمهورية للخوف والرعب والدماء، لا يزال العراق يجاهد كل يوم بسبب تراثها، لمجرد البقاء على قيد الحياة.
لقد اعتدى صدام على الكويت، وهدد المنطقة الخليجية برمتها، وإذا كان حقاً بطل العرب في وجه إيران، فإنه بغبائه السياسي وتسلطه أتاح الفرصة للخلاص منه.. بسهولة!
ثم لماذا لم يكتب أحد المثقفين العرب بالغي الحساسية إزاء الكرامة والعزة شيئاً عن إنقاذ قوات الناتو للثورة الليبية، وقصفها اليوم لفلول تنظيم داعش في سورية والعراق؟ ولماذا الكل مجمع على لوم الولايات المتحدة وتقريعها، لعدم إنقاذها الشعب السوري؟
لا أحد في الكويت والمنطقة الخليجية مستميت على كسب ود الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي، فلها أن تحب وأن تكره من تشاء، وأن تتمنى زيارة قبر صدام وربما القذافي لتذرف الدمع على «الواقع العربي»، ولكن كم هو مؤلم ومخيب للآمال أن يحرق من هو في مقامها الأدبي، البخور وأن يرتل الأدعية، في وكر مجرم سفاح.. مثل صدام حسين!.

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك