تحصين المصالحة الخليجية

عربي و دولي

1388 مشاهدات 0


عندما نراقب ردود الفعل المختلفة تجاه المصالحة الخليجية، نلاحظ أن هناك من هنّأ الدول المتصالحة بقرارها، إلا أن المشهد لم يخل من امتداد لموروثات قديمة، فبعض النخب تعاملت مع المصالحة بتوجس بدائي وصل مخزون أجدادهم من الأمثال اللاذعة التي منها «لا تفرحين بالعرس ترى الطلاق باكر» وذهب آخرون إلى أن ساعة انفضاض قمة المجلس القادمة هي ساعة نهاية المزاج التصالحي وعودة التوتر الصامت. حينها يغمرنا شعور بالسفه يدعو إلى الرثاء فكيف نؤمن بقيمة هذه المصالحة الخليجية ولا نملك همة النهوض لبناء الحد الأدنى من إجراءات تحصينها!

لقد احتوى بيان الديوان الملكي السعودي 19 نوفمبر 2014م كلمات لخادم الحرمين الشريفين قادرة على أن تقصي كل الانقسامات فقد جاء فيها أن الاتفاق جاء لينهي كافة أسباب الخلافات الطارئة، وهو إيذان لبدء صفحة جديدة ليس بين دول الخليج فحسب بل لنبذ الخلاف في مواجهة التحديات التي تواجه أمتنا العربية والإسلامية، فحرص على تأكيد الوقوف إلى جانب جمهورية مصر العربية. ولأن الإيجابي لا تنضب أفكاره والسلبي لا تنضب أعذاره نقترح بضع إجراءات قد تساعد في احتواء المواقف السلبية التي سيتم تسويقها بمختلف الذرائع والأعذار لنقض المصالحة ومنها:

-الحذر من الوقوع في أسر الحتمية، فباب الاختلاف سيبقى مشرعا طالما لم تتحقق الوحدة الخليجية في قرارات السياسة الخارجية التي هي جذر مآسينا. فالوحدة الخليجية لم تعد سهلة التحقيق كما كان الحال إبان الربيع العربي، فقد تراجع المزاج الوحدوي بشكل مريع وراحت الانقسامات البسيطة في التضخم حتى أغلقت الطريق إلى وحدة كنا نكاد أن نتلمسها بأيادينا.

- كما أن تحصين المصالحة الخليجية يتطلب القضاء على مفجرات النزاع التي كتبت فيها المعلقات وتكررت على لسان العدو قبل الصديق فيما نحن نتهرب بذرائعية فذة عن مهمة نزع فتيلها. ولعل في جمع وتصنيف المعلومات ونشرها ما يساعد في عملية التوعية وفي الإحاطة علما بطبيعة الفروق والاختلالات في الأوضاع القائمة، وإنهاء لنهج الإدارة بالغموض .

- ويتطلب تحصين المصالحة الخليجية أن نشهد الشعب الخليجي عليها، سواء عبر هياكل المجالس والبرلمانات أو عبر وسائل الإعلام الرسمية التي فشلت في ترجمة الإنجاز الضخم ليصبح محركا وحدويا فعالا حيث اكتفى بالاحتفال لا الاحتفاء بالحدث لمدة يومين لا ثالث لهما.

- إن القاعدة العامة في مجلس التعاون أن المشاكل تعرض على القادة ويتم تبادل وجهات النظر وطرح مقترحات الحلول تمهيدا لوضع الدول أمام مسؤولياتها. وفي غياب نظام حلول ملزمة فإن الممارسة وحدها هي التي بلورت عرف «الزعل « بين دول الخليج بسحب السفراء أو الانسحاب من المنافسات الرياضية فإلى متى والتعاون الخليجي نظام لا ينطوي على التزامات أو عقوبات.

- لقد تضمن بيان خادم الحرمين الشريفين حرص دول الخليج على أن تكون المصالحة الخليجية نهرا يصب في حوض خير يجمع أمتنا العربية والإسلامية، لكن الجهد العربي والإقليمي كان غائبا عن المصالحة الخليجية، مع أن الخليجيين كانوا يصالحون الفرقاء من كافة القارات. فهل ما مرت به العلاقات الخليجية من توتر صامت هو الخلاف الذي كان يريده الجميع، أو على الأقل سكت عنه الجميع ليستثمروا فيه ولم يبادروا بالمصالحة بذريعة تمنع الخليجيين عنها. وهل للجامعة العربية دور مستقبلي في تحصين المصالحة التي تمت. وفي نفس السياق، قد يكون من الصعب تصور مبادرة طهران لمصالحة دول الخليج مع بعضها، لكن في ذلك قصور لإدراك أن الخلافات خلقت اصطفافات رفعت نفقات مواجهة طهران لجبهة خليجية قوية أضلاعها الرياض والمنامة وأبوظبي فلا تستغربوا أن تهرع مستقبلا لمصالحة الخليجيين.

وبعيدا عن التفاؤل المحشو بالقوالب النمطية، ستبقى قضية سحب السفراء مخزنا للذكريات الخليجية الأليمة ولعل في استرجاعها بين فترة وأخرى ما يمنع تكراراها .

د.ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك