عن المرأة النموذج!.. تكتب خديجة المحميد

زاوية الكتاب

كتب 851 مشاهدات 0


الأنباء

مبدئيات  /  المرأة النموذج

د. خديجة المحميد

 

تمر على الحياة الإنسانية محطات هي أحوج ما تكون إلى التوقف عندها للاستمداد من معين نماذجها الفذة، ما يجدد فيها روح المكرمات العالية، وها هي كربلاء تطل علينا ذكراها لنتزود بالمدد الغني من مبادئ وتضحيات أبطالها المخلصين.

من أبرز الشخصيات الكربلائية زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شقيقة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.

إنها عنصر إنساني فذ في حلقة من سلسلة رسالية عميقة الجذور، تبدأ ببداية المشروع الرباني من أبينا آدم عليه السلام في توجيه المجتمع البشري إلى كماله.

وتمتد سلسلة الهداية هذه بامتداد الإرادة الإلهية في ترشيد سلوك الإنسان الذي هو خليفته في أرضه، (هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره- فاطر: 39).

لا يكاد يخلو زمان من نبي هاد أو رسول مرشد أو وصي رسول مرب (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير- فاطر: 24)، وحيث إن المجتمع بشقيه من الذكور والإناث يحتاج إلى التمثل العملي للمنهج والمسار الرباني في مختلف شؤون الحياة من خلال القدوات الرجالية والنسائية من الأنبياء والأوصياء والأولياء الصالحين والصالحات، نجد أن مهام الأنبياء والأوصياء قد تكاملت في مجتمعاتهم عبر التاريخ مع أدوار الصالحات النجيبات من أمهاتهم أو زوجاتهم أو أخواتهم أو بناتهم.

لقد تكاملت أدوار زينب عليها السلام مع أدوار أبيها أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بعد وفاة أمها فاطمة الزهراء عليها السلام لتربية مجتمعها بالعلوم الإسلامية، فكانت لها مجالس نسائية في تفسير القرآن الكريم والحديث الشريف، وامتد هذا الدور في التواصل العلمي والإرشادي مع المجتمع في عهد إمامة أخيها الحسن عليه السلام.

وقد بلغ هذا التكامل الرسالي ذروته من حيث مستوى الحراك والتضحية مع أخيها الحسين عليه السلام في حركته إلى كربلاء، لقد كان حراكا جهاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا من أجل الإصلاح في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

الأدوار الزينبية الكبيرة كانت أدوارا متميزة، وهي بلا شك تحتاج إلى مواصفات ومؤهلات شخصية خاصة للقيام بها.

أولها: العلم بالرسالة الإلهية التي نذرت لها حياتها كلها، وقد قال في حقها الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام إنها: «عالمة غير معلمة وفاهمة غير مفهمة»، أي إنها بالإضافة للعلوم التحصيلية التي تؤخذ بطرق التحصيل العادية كالسماع من معلم والشرح والمذاكرة، فإنها تملك العلم اللدني الذي يفاض على عقلها وقلبها من الله سبحانه كما كان يفاض على مريم عليها السلام التي تكامل دورها الرسالي مع أدوار نبي الله عيسى عليه السلام.

وثانيها: العلاقة الإيمانية العميقة بالله عز وجل ومعرفته سبحانه المعرفة التي سلحتها بالصبر العظيم، والرضا الذي كانت ترى به جمال الله وجلاله في كل شيء حتى دماء وأشلاء الحسين المقطعة عليه السلام، فوضعت يديها تحت جسده المبضع ليلة الحادي عشر مناجية معشوقها الله تبارك وتقدس بقولها «اللهم تقبل منا هذا القربان».

وثالثها: حملها رسالة الإصلاح الكربلائية لقومها في الكوفة وفي الشام والمدينة بعاطفة غزيرة معقلة بعزم ويقين وبتوظيف ذكي للفكرة والكلمة والعبارة لإيصال حقيقة المأساة بلغة الجمهور وبيان ما ينبغي للانتصار للحق.

إنها حقا المرأة النموذج لكل من شاء أن يسلك لربه طريق النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك