التطبيع مع اسرائيل ما زال خيانة!.. بنظر سعدية مفرح
زاوية الكتابكتب أكتوبر 20, 2014, 12:04 ص 1042 مشاهدات 0
القبس
أسفار / ..ومازال التطبيع خيانة!
سعدية مفرح
مع الإشاعة التي راجت في الاسبوع الماضي عن عزم الخطوط الجوية الكويتية تسيير رحلات من الكويت الى القدس، تجدد النقاش القديم حول التطبيع بين العرب وإسرائيل. ورغم نفي مسؤولي الخطوط لهذه الإشاعة لاحقا، إلا أنها نجحت في خلق جو عام من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تناولت الخبر، ساهم في تبادل الآراء مرة أخرى حول هذه القضية القديمة التي لا تنفك تتجدد بين فترة وأخرى، تساوقا مع الأحداث السياسية الإقليمية العاصفة.
والتطبيع مفردة عربية اكتسبت زخما كبيرا لأول مرة في أعقاب زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات الى اسرائيل في السبعينات، وما أعقب تلك الزيارة من توقيع لاتفاقيات الصلح المنفرد بين مصر والكيان الصهيوني. ولأن ذلك الصلح كان صلحا سياسيا بامتياز، فقد أراد القائمون عليه والمشاركون فيه أن يضفوا عليه طابعا ثقافيا أو شعبيا على الأقل، أي أن يجعلوا منها أمرا «طبيعيا»، ولكن المهمة فشلت فشلا مشهودا بفضل تصدي المثقفين المصريين لتلك المحاولات المستميتة من قبل الصهاينة تحديدا.
كان التطبيع يعني الكثير بالنسبة لكيان سياسي مصطنع كالكيان الصهيوني وسط جو عام يرفضه ويعتبره محتلا ومغتصبا لأراض عربيا إثما وعدوانا، وأن ذلك الاحتلال لا بد من إنهائه مهما طال الزمن، فقضايا الحق لا تموت بتقادم السنين ولا تضيع الحقوق!.
ورغم بعض الاختراقات الفردية لجبهة العرب الرافضة للتطبيع ثقافيا وشعبيا، فإن اسرائيل لم تيأس من المحاولات الدؤوبة على ذلك الصعيد. وهي وإن لم تنجح في تلك المحاولات، لكنها نجحت في إبقاء قضية التطبيع قضية قابلة للنقاش دائما من خلال تغيير وتبديل في التعريفات والمفاهيم المتعلقة بها. وهكذا أصبحنا نجد من يتساهل في تبني بعض المشروعات التي تشجعها اسرائيل بحجج مختلفة من دون أن يدرك هذا البعض غالبا أنه بذلك يدخل دائرة التطبيع بما يظنه أنه إرادته الحرة.
من تلك المحاولات، التي أصبحت محط اختلاف بين الرافضين للتطبيع أنفسهم، وليس فقط بين الرافضين والمؤيدين له، زيارة العرب لفلسطين بشكل عام وللقدس بشكل خاص. أما هدف «الأبرياء» من مثل تلك الزيارات فهو مساندة الشعب الفلسطيني في الداخل وتلبية التشوق الوجداني الذي يشعر به كل عربي ومسلم الى الصلاة في الأقصى.
وأنا أتحدث عمن أصفهم بالأبرياء هنا لأنهم هم موضوع هذا المقال تحديدا، فغير الأبرياء، ممن يؤيدون سياسيات التطبيع مع العدو الصهيوني، أهدافهم واضحة ومعلنة وهم يدافعون عنها ويعملون في سبيل تحقيقها غالبا بشكل علني، ورفضنا لأفكارهم وأهدافهم وما يقومون به في سبيل تحقيقها معلن وواضح أيضا.
أما الأبرياء فهم من أصبحوا وقودا لحرب التطبيع من غير أن يشعروا بذلك، وبالتأكيد من غير رغبة منهم، ولكنها اجتهادات شخصية من منطلقات سامية ونبيلة فعلا. وبالتأكيد فإن لهم كل الحق في تلك الاجتهادات ما لم تدخل في دائرة تحقيق الأهداف الصهيونية من سياسة التطبيع. ولنأخذ إشاعة تسيير رحلات من الكويت الى القدس مثالا على مثل هذه الاجتهادات البريئة وغير البريئة أيضا. فبمجرد أن انطلقت تلك الإشاعة، وكأنها خبر حقيقي، حتى سارع البعض من هؤلاء المجتهدين الأبرياء الى إعلان فرحتهم بإمكانية زيارة القدس والصلاة في الأقصى، غير مدركين ما يمكن أن يكون وراء مثل تلك الرحلات إن كانت حقيقية فعلا!.
لم يتساءل هؤلاء المجتهدون الأبرياء مثلا عن سبب موافقة بل تشجيع اسرائيل الدائم للعرب على زيارة الأقصى في الوقت الذي تمنع فيه مقدسيون من الصلاة في الاقصى الا وفقا لشروط تعجيزية غالبا.
لم يتساءلوا عن سر تهافت اسرائيل على التطبيع مع العرب بغض النظر عن توجهاتهم وسياسات بلدانهم.
اسرائيل تريد تمييع القضية الفلسطينية في الوجدان العربي بعد أن نجحت في إقصائها نسبيا عن السياسات الراهنة لكل الحكومات العربية، كما تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه احتلالا لفلسطين كلها بما فيها القدس التي عاصمتها التاريخية وبما فيها الأقصى الذي تتحكم بكل من يدخل إليه ويخرج منه. وبالتالي فإن زيارة، كالزيارة التي يحلم بها هؤلاء المجتهدون من الأبرياء العرب، الذين اندفعوا وراء حلم الصلاة في الأقصى، لن تكون سوى في خدمة اسرائيل وكيانها المحتل،. ولا يمكن اعتبارها صلاة حقيقية بقدر ما هي زيارة سياحية تصب فوائدها في خزانة الاقتصاد الاسرائيلي. لذلك فالتطبيع ما زال خيانة!
تعليقات