هوية المجتمعات العربية أزمة متجددة في كل مكان!.. هكذا يعتقد خليل حيدر
زاوية الكتابكتب أكتوبر 2, 2014, 1:19 ص 918 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / 'حزب الله' و'الإخوان'.. وضياع مصر ولبنان
خليل علي حيدر
من النادر ان تجد على الساحة الدولية نحو عشرين دولة مثل الدول العربية، متجاورة حدوداً، متقاربة او متحدة في اللغة والتاريخ والتراث والدين، متخبطة حائرة شبه يائسة رغم ذلك، بسبب التجارب المريرة للخروج من متاهة الوطن، القومية، الدين، والرسو الكامل قلبا وقالبا في احد هذه الموانئ، وحل مشكلة الهوية المشتركة الى الابد.
ازمة هوية مجتمعات العالم العربي اليوم تتجدد في كل مكان من المحيط الى الخليج، بعد قرابة قرن من ثورة الشريف حسين في الحجاز لبناء اول مملكة عربية حديثة. وبعد اجتياح شامل للمد القومي العروبي انحسرت المشاعر الجياشة، وعادت نخب وجماهير العالم العربي، تكاد تردد ما قاله د.شفيق ناظم الغبرا، استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت، عندما تساءل حائرا عن «معنى ان نكون عربا؟» وملاحظا، مثل الكثيرين منا، ان «في الشخصية العربية اليوم تداخلات كبيرة، وعوامل قلق متواصلة يشعر بها كل عربي، كما ويعيشها كل مسلم، فمن نحن في بلداننا العربية؟ في المرحلة القومية، تبين مع الوقت ان وحدة العرب السياسية ليست ممكنة في المدى المنظور، وان ما يفرقهم هو الآخر كبير، بغض النظر عن اسبابه المحلية والخارجية، بل تبين ان الوحدة التي تقوم على العصبية ورفض الآخرين من سكان المنطقة، سواء أكانوا اكرادا ام بربرا ام ايرانيين ام شركساً ام آشوريين، هو الآخر يضعف القومية العربية بصفتها الجامعة».
وأضاف د.الغبرا منتقدا المسيرة القومية: «في اوج تطورها تصادمت القومية العربية مع المشاعر الوطنية والقطرية والمحلية. وقع التيار القومي العربي في اخطاء الفرز، ووجد نفسه يسبح في بحر لا يستطيع ان يوحد كل مياهه وسط تداخلات دولية واقليمية. لكن منذ الثورة الاسلامية في ايران العام 1979، بدأ يحل الاسلام السياسي مكان التوجهات السابقة. لكن الحركات الاسلامية هي الاخرى حملت معها تناقضات جديدة، واثارت اسئلة جديدة حول الهوية والانتماء والوطنية.
ففي بعض ابعادها عمقت الحس الطائفي بين العرب وبين المسلمين، وفي ابعاد اخرى ادت الى حالة من الانغلاق على الذات والابتعاد عن الآخر، وقد سارت التيارات الاسلامية في طرق مختلفة ومتناقضة احيانا». عايش العالم العربي اذن بموجب هذا التحليل نوعان من المسارات العقائدية، او «التيارات العابرة للاوطان»، كما يصفها د.الغبرا، وقد تكون «مهمِّشة» او «مهشمة» للاوطان!
ان خطورة هذه التيارات لم تختف، بل إنها، يقول «في صعود مستمر»، وبذلك تعيق في الواقع نضج الدولة الوطنية والتجربة القطرية والأسوأ ان الدولة العربية، وهي تحاول القيام بالحد الادنى من مستلزماتها المحلية والدولية، «لا تستطيع الحفاظ على وجودها خارج سياق التوازن مع العمقين الاقليمي والعربي، وخارج التوازن مع التيارات الاقليمية بصورتها القومية والوطنية والاسلامية. وبات واضحا ان الدولة الوطنية هي الاخرى لا تستطيع ان تسبح خارج النسقين الانساني والعالمي في كل ما يتعلق بقيم الانسان والحقوق والعمالة والعولمة والاقتصاد». مثل هذه الضغوط، يعتقد د.الغبرا، ربما هي المسؤولة عن «فشل الدولة في اليمن والسودان والجزائر، وآفاق امتداد هذا الفشل لدول عربية عدة.. وذلك كله يعبر عن ازمة الدولة الوطنية العربية. هل يعني هذا ان العالم العربي سيبقى ضحية ازمات تتلوها ازمات؟ الاجابة صعبة». (صحيفة اوان، 2009/10/5).
د.مروان المعشر، وزير خارجية الاردن السابق، كتب ان العالم العربي اليوم بين فكي الكماشة التي تتحكم بالمشهد السياسي «في الوطن العربي، اليوم قوتان اساسيتان، وهما: اما المؤسسة السياسية المتجذرة التي تحكم من دون نظام للضوابط والتوازنات، واما المعارضة الاسلامية التي تدعو الى الاصلاح، لكنها احيانا تكون مسلحة او متشددة، ويعد التزامها المستمر بالتنوع السياسي موضع شك في الكثير من الحالات». (الشرق الأوسط، 2010/10/30).
«طارق الحميِّد، الرئيس السابق لتحرير «الشرق الأوسط»، كتب تحت عنوان متفجع، «من يكترث بالعروبة اليوم؟»، 2010/10/26، قبل انطلاق «ثورات الربيع العربي» بقليل، يقول: «في تقرير شائق لصحيفة الواشنطن بوست، سجل المراسل ملاحظة مهمة عن ضعف تأثير كلمة «عروبة» في منطقتنا امام تنامي الحركات الاسلامية»، ويعلق الحميد قائلا: «يكفي ان تتأمل التحالفات بين اهم مكونات الاسلام السياسي، وابرز اقطاب ذلك التحالف الثورة الخمينية، ويكفي ما تفعله اليوم في العراق ولبنان، وهناك الاخوان المسلمون، وابسط رمزية هنا البيعة التي تعطى للمرشد العام، في تناقض واضح مع البيعة للحاكم»، ويضيف: «والاخوان بالطبع لا يؤمنون بالوطن، وانما بـ«الأمة الاسلامية»، ولذا قال مرشدهم ذات مرة «طز في مصر»، وهناك ايضا تنظيم القاعدة الذي لا يعترف بالدول والحدود، فعندما يريد التنظيم الاشارة الى السعودية مثلا، نجده يقول جزيرة العرب». ولعل اهم ما قام الاستاذ «الحميد»، تذكير القراء به، تصريح للشرق الاوسط، نشره السيد «حسن نصر الله» زعيم حزب الله عام 1986، بعنوان «لا نؤمن بوطن اسمه لبنان»، يقول فيه: «لا نؤمن بوطن اسمه لبنان، بل الوطن الاسلامي الكبير، ان لبنان وهذه المنطقة للاسلام والمسلمين، ويجب ان يحكمها الاسلام والمسلمون، ليس لدينا مشروع نظام بلبنان، علينا ان نزيل الحالة الاستعمارية الاسرائيلية، وحينئذ يمكن ان ننفذ مشروعنا الذي لا خيار لنا في ان نتبنى غيره، لكوننا مؤمنين عقائديين، وهو مشروع الدولة الاسلامية وحكم الاسلام، والا يكون لبنان جمهورية اسلامية واحدة، وانما يكون جزءا من الجمهورية الاسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان – اي المهدي المنتظر – ونائبه بالحق الولي الفقيه الامام الخميني، وانا لا يمكن ان أبقى لحظة في اجهزة حزب الله اذا لم يكن لدي يقين بان هذه الاجهزة تتصل عبر مراتب بالولي الفقيه».
سنة 2010، كان حزب الله قد غير شعاراته وخططه في لبنان! «وبينما كان يطالب قبل 25 عاما بإقامة دولة اسلامية على غرار الجمهورية الاسلامية الايرانية، فان حزب الله يشارك الآن في النظام السياسي الطائفي السائد، وشأنه شأن جماعة الاخوان المسلمين في مصر وحزب العدالة والتنمية في تركيا، فان الحزب يساعد في تمثيل طبقة وسطى صاعدة في المنطقة، انهم ليسوا ضد الدولة في كل شيء، الشيء الوحيد هو انهم يريدون ادارة الدولة بطريقتهم الخاصة». (مقال الائتوني شديد، الشرق الاوسط 2010/10/25).
تلاعب التيارات القومية والدينية والاقليمية والطائفية بالمصير اللبناني خاصة مزق المجتمع وعرقل مسيرته وجعل بعضه عدوا للبعض الآخر.
«ليس في العالم «وطن» تحوّل عبئا على ابنائه.. كلبنان»، كتب وليد ابي مرشد في «الشرق الاوسط»، قرابة ذلك التاريخ يوم 2010/11/18، واضاف معبرا عن آلام الكثير من اللبنانيين والعرب وهم يرون دولة بجمال لبنان وروعتها وعطائها تتمزق، ويُساق شعبها بالهجرة والعذاب الى مصير مجهول: «ليس في العالم شعب همه الاول التخلي عن هوية «وطنه» والبحث عن جنسية حضارية اخرى كالشعب اللبناني، ليس في العالم بلد يصدِّر» آباؤه الابناء الى الخارج خوفا على مصيرهم في الداخل، مثل لبنان، ليس في العالم دولة يحتاج كل تبديل حكومي فيها الى تدخل خارجي على اعلى المستويات، وكل تعديل دستوري الى قمة اقليمية، ان لم يكن الى حرب اهلية، مثل لبنان، واخيرا، ليس في العالم بلد يتباهى سياسيوه بالعمالة للخارج الى حد رفعها الى مستوى الوطنية الصادقة، مثل سياسيي لبنان واقطابه».
الصراعات السياسية والعقائدية على قضايا وشعارات لا علاقة لها بمستلزمات بناء لبنان والارتقاء بشعبه، سرقت المستقبل من شعب لبنان، كما من العراق وسورية ومصر والسودان ودول عربية أخرى، وضاع «لبنان الكبير» الذي كان يفترض فيه كشعار أن ينمي شكلاً من أشكال المواطنة مستفيداً من ديموقراطيته وتعدديته المذهبية: «تسعة عقود انقضت على قيام «لبنان الكبير» ذهبت هدراً.. عوض تحسين نظامهم وتحصينه»، يختتم «أبي مرشد»، مقاله، «حول اللبنانيون الدولة إلى «ساحة» صراع مذهبي فاضح وان بتسميات سياسية شفافية».
كل الكوارث والويلات التي عانى منها العرب واللبنانيون خاصة كانت في جزء رئيس منها باسم التصدي للمؤامرات الاستعمارية والمخططات الصهيونية وهزيمة إسرائيل وغير ذلك! غير أن الفلسطينيين كانوا أول من دفع الثمن!
في «مخيم شاتيلا» للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي غطت جدرانه ذات يوم صور ياسر عرفات وحركة فتح عام 1982، حلت الصور والشعارات الدينية وأبطال الإسلام السياسي محل الصور والشعارات القومية والوطنية. تقول الصحيفة، «تنتشر هذه الملصقات- من قبيل «أمة محمد»- في الشوارع الضيقة، حيث يلعب الأطفال الفلسطينيون في مقالب القمامة من دون أن يكون لديهم أمل في العودة إلى أرض أجدادهم، وتتشابك الأسلاك الكهربائية التي تنافس أسلاك كهرباء بغداد التي لا تحمل الكهرباء، وحيث تفوح رائحة مياه الصرف الصحي، ومن بين هذه الملصقات ملصقات تحمل عبارات مثل «الاستشهاد هو الحياة»، و«إنه جهاد: نصر أو استشهاد».
ويمضي «أنتوني شديد» في رسم ملامح ذلك المشهد الفلسطيني في مخيم بلبنان فيقول: «في محل البقالة الخاص به، جلس غسان عبدالهادي، وهو أب لأربعة أطفال في الشارع كان هناك استنكار للسلطة الفلسطينية لكونها «خادمة لأمريكا». وأشاد تاجر آخر بحزب الله، لأنه تحمل تكاليف العملية الجراحية التي كان والده بحاجة إليها. وغسان عبدالهادي الذي لا ينتمي إلى فكر معين، أعرب عن أمله في الخير، على الرغم من أنه كان في الواقع يخشى وقوع الأسوأ وقال، عندما لا يقف أحد بجانبك، عليك أن تتوكل على الله. ضع ثقتك فيه وأنت تواجه ما يخبئه لك القدر».
بدأت مع «الإسلاميين» مرحلة أخرى من الشقاء الفلسطيني والعربي!
لماذا قدمت شعوب العالم العربي كل هذه التضحيات على امتداد «العقود التسعة» الماضية، وتجشموا كل هذه الخسائر في سبيل أفكار غير واقعية وشعارات لا علاقة لها ببناء أوطان حديثة؟ هل كان من الممكن يوماً على سبيل المثال، بناء كتلة عربية موحدة عصرية، دون النهوض بأجزائها ومفرداتها وعناصرها الإقليمية كما سُميت بكل استعلاء واحتقار؟.
والآن، هل الجماهير والنخب العربية أعمق فهماً لدروس الماضي وتجاربه المضنية؟ هل التيار الإسلامي مثلا درس جيدا الحركات القومية وأسباب تعثرها؟
سأتحدث عن ظاهرة واحدة فقط، تاركاً الحكم للقارئ!
لقد نما التيار القومي وتشكلت أحزابه لتوحيد العالم العربي وبناء الدولة العربية الواحدة الكبرى. ولكن التيار انقسم إلى تيارات، والحزب تشظى إلى أحزاب حتى فشلت كل اللقاءات والاجتماعات في توحيد الحزب القومي الوحدوي!!.
وانطلق الإسلام السياسي عام 1928 ثم بعد نكسة «حزيران» 1967 ورحيل عبدالناصر، ثم بعد نجاح ثورة 1979 الإسلامية في إيران وغير ذلك من مراحل، فهل تجنب الإسلام السياسي الانقسام السياسي وتعددية الأحزاب وغموض الأهداف؟ وهل فكرته في إقامة «النظام الإسلامي» و«دولة الخلافة» والتي في سبيلها تُزلزل الأحزاب الإسلامية الدول والحكومات والتجارب العربية اليوم.. أقرب للواقع وأكثر قابلية للنجاح؟
متى، كما يقول المثل الشعبي، ينتهي تعلم «الحلاقة برؤوس اليتامى»؟!
تعليقات