القضاء على 'داعش' يتطلب وجود أنظمة عادلة ومستنيرة في المنطقة.. برأي الصراف

زاوية الكتاب

كتب 693 مشاهدات 0


القبس

كلام الناس  /  تاريخ الحركات والدول الإسلامية

أحمد الصراف

 

كتب ديفيد موتادل، المؤرخ في جامعة كمبردج الأميركية، مقالا في النيويورك تايمز، 9/23، قال فيه ان العالم شهد في السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في نوع جديد من الحركات التي تسعى لتأسيس دولة إسلامية مستخدمة العنف المفرط مثل «بوكو حرام»، وشباب الصومال، وداعش وغيرها، وهذه الحركات لا تكتفي بالإفصاح عن نيتها إعلان «الجهاد» على الغرب، بل وتسعى لتأسيس حكومات دينية. وبالرغم من أن الحركات هذه غير مسبوقة في تطرفها ودمويتها، فإن الكثير يجمعها بالحركة الوهابية (1744). ويقول ان أولى الحركات الإسلامية التي تأسست لمحاربة الاستعمار كانت بقيادة عبد القادر «الجزائري» الذي نجح عام 1830 في محاربة الفرنسيين، وتعيين نفسه «أميرا للمؤمنين»، وأسس لذلك جيشا واتخذ لنفسه عاصمة، وطبق الشريعة فيها. ولكن الفرنسيين قضوا عليه عام 1840.

وحدث الأمر ذاته بعدها بعشر سنوات تقريبا في السودان، عندما عين محمد أحمد نفسه مهديا، وطبق الشريعة بمنع الاختلاط وشرب الخمرة والتدخين والرقص، واضطهد الأقليات. كما نادى للجهاد ضد المستعمرين المصريين والأتراك والإنكليز، ولكن «الدولة المهدية» انهارت عام 1890. ثم جاءت الدولة الإسلامية الأكثر تعقيدا في القرن 19 وهي «الإمامة القوقازية»، والتي نجحت في جمع مسلمي الشيشان وداغستان تحت راية الجهاد لثلاثين عاما ضد القياصرة الروس. ومنعوا خلال فترة حكمهم التدخين والرقص وشرب المسكرات، وفصلوا بين الجنسين! كما طبقوا قواعد صارمة في ما يتعلق بالأردية الإسلامية، ولكن القياصرة الروس سحقوا دولتهم في النهاية.

ويستطرد المؤرخ موتادل في القول إن جميع هذه الحركات الجهادية تجمعها عوامل مشتركة، فجميعها ظهرت في أوقات مضطربة، وتحت أنظمة استبدادية، وجميعها استخدمت العنف المفرط في محاربة أعدائها الداخليين والخارجيين. وجميعها ظلمت المرأة والأقليات فيها، ولكن الحركات الدينية الحالية أكثر راديكالية وتعقيدا.

من ذلك نرى أن التاريخ عرف خلال الـ250 سنة الماضية عددا من الحركات الراديكالية الإسلامية التي سعت لتأسيس دول دينية في مناطقها وتطبيق الشريعة بالعنف. وبالتالي فإن «داعش» ليس شيئا جديدا، وهو من صنع مؤامرة غربية بقدر ما كانت الحركات الوهابية والجزائرية والمهدية السودانية والقوقازية من صنع الاستعمار والصهيونية والإمبريالية، عندما لم تكن هناك لا صهيونية ولا إمبريالية أميركية!

وعليه فإن القضاء على داعش يتطلب، كما علمنا التاريخ، وجود أنظمة عادلة وإنسانية ومستنيرة في المنطقة، فبغير ذلك سيخرج لنا داعش جديد وبوكو حرام جديد وقاعدة جديدة ونصرة جديدة، هذا إن نجح التحالف الدولي في القضاء على هذه التنظيمات الحالية.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك