صراع الجيوش والغرف التجارية في دول الخليج

محليات وبرلمان

برنامج' الأوفست' نموذجا

1795 مشاهدات 0



  تصنع إسرائيل وتصدر أجهزة إلكترونية لترقية الأسلحة القديمة  UpGrade، كما تخصصت ونجحت في خلق سمعة دولية لها في مجال صناعة الطائرات بدون طيار وفي صنع أجهزة الرؤية الليلية وغيرها من الأجهزة الإلكترونية العسكرية المساعدة، وعلى الرغم من عدم صنعها  أسلحة ثقيلة من  طائرات وهليكوبتر ودبابات وسفن حربية أو أسلحة دمار شامل إلا أن صادرات إسرائيل من السلاح عام 2007 م  قد وصل إلى 5 مليارات دولار، ويعد هذا حجم صادرات كبير إذا عرفنا أن صادرات روسيا من السلاح عام 2007م لم تتعد 7 مليارات دولار وهي التي تبيع سلاحها بدون الشروط والقيود الغربية القاسية. بل إن إسرائيل تحتل المرتبة الخامسة بين الدول المصدرة للسلاح في العالم، بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا، وتتقدم بذلك على ألمانيا والسويد.
 وليس من الموضوعية في شيء أن نقارن إسرائيل في هذا المجال بالدول الخليجية، فلم يذكر التاريخ في صفحاته مجتمعا عسكري البنية من بعد إسبارطة إلا إسرائيل. والحلقة الوسطى  التي تفرضها منهجية البحث هنا هي  الاطلاع على المشاريع التسليحية في الدول العربية ، حينها يصاب المتتبع لهذا الأمر بالدهشة فيما يجده من ضخامة لحجم هياكل مشاريع التسلح العربية، فهيئة التصنيع الحربي في دولة مثل السودان تضم 11 قطاعا يتمحور حولها نشاط الهيئة المقام منذ عام 1960م وتضم كل ما يريده الجندي المقاتل مثل قطاع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة والذخائر والمركبات والآليات الثقيلة والدروع والصناعات الإلكترونية ومعدات الاتصال و المواد المتفجرة و الطيران والدفاع الجوي وأخيرا قطاع صواريخ المدفعية. وبعد المضايقات الغربية والخطوة الهوجاء في محاولة إذلال دول عربية مستقلة بتهديد رئيسها بجلبه للمحاكم الأوروبية  لا نستبعد أن  يسعد بعض العرب بافتتاح قطاع جديد للصواريخ البالستية وقطاع للأسلحة غير التقليدية .
  إما في جمهورية مصر العربية التي تشغل كرسي عمادة الدول العربية، فقد وصل حجم إنتاج مصر العسكري إلى 717 مليون دولار في 2007م  وفق ما صرح به وزير الإنتاج الحربي المصري سيد مشعل. وهو رقم متواضع جدا مقارنة بالصادرات الإسرائيلية، رغم أن الكثير من دول الخليج العربي تشجع الصناعة الحربية المصرية ، ومن ذلك التشجيع شراء عربات' الفهد' وشراء منظومات الدفاع الجوي 'آمون' وغيرها .
 فأين الخلل إذا؟
 يقول سيد مشعل إن مبيعات منتجات المصانع الحربية، من السلع المدنية بلغت 280 مليون دولار .
 فلماذا عدم التركيز على الصناعات العسكرية ؟
 يقول مشعل: لخلق فرص عمل حيث إن تعداد العمالة بالمصانع الحربية ارتفع ليصل إلى 40 ألف عامل تبلغ قيمة رواتبهم 141 مليون دولار.
 وماذا يصنعون ؟
يقول التقرير:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F88C4FC5-2769-4E72-8FB8-64CBF822045C.htm
  إن وزارة الإنتاج الحربي المصرية تسهم أيضا في الصناعات والإنشاءات ذات الطابع المدني وبخاصة بناء المخابز الآلية وإنشاء  شبكات الصرف الصحي والطرق.
 
 تمثل مشتريات دول مجلس التعاون من السلاح ما يصل إلى 20% من كمية السلاح الذي تشتريه الدول العربية مجتمعة. وقد بلغت نفقات دول المجلس التسليحية حوالي 162 مليار دولار خلال الأربع سنوات الماضية. ويبدوا أن المتابعين لمعرض أيدكس للسلاح والذي يقام في دبي سنويّاً  قد لاحظوا الهوس الذي يصيب الجانبان الخليجي المشتري والأجنبي  البائع للسلاح . وقد كان الجانب الايجابي لذلك طرح سؤال هادف هو هل تستطيع  دول الخليج أن تحول إنفاقها العسكري إلى رافد للتنمية الاقتصادية  و هل يمكن أن يكون الإنفاق العسكري مدخلاً لجلب فوائد اقتصادية ؟
 
بعد عملية عاصفة الصحراء 1991م كان المزاج الخليجي غربي الهوى أو هو أمريكي بالتحديد، ولتعزية النفس وخلق المبررات لتسويق وجاهة وضرورة الإنفاق العسكري لرد العدوان لو تكرر، ولأن شراء السلاح كان في الأصل جزء من عملية التحرير أو لتعويض ما دمره أو سلبه الغزاة كما هو في حالة دولة الكويت . فقد تبنت دول خليجية عدة و بتوسع  برنامج الاوفست  . و يمكن تعريف الأوفست  Offset Program   كما يسمى في الكويت أو برنامج التبادل الاقتصادي بدولة الإمارات العربية  او برنامج التوازن بالسعودية، بأنه إلزام كافة الشركات والمؤسسات الأجنبية التي تحظى بتوقيع عقود مشتريات حكومية تساوي أو تتعدى قيمتها مليون دينار كويتي مثلا بالدخول في استثمارات ومشاريع مجدية داخل الكويت تضيف قيمة كبيرة للاقتصاد الوطني أما قيمة ما يجب إن يصرفه المورد الأجنبي داخل الكويت فتصل إلى 35% من القيمة النقدية الصافية لعقد التوريد.
 
  وإذا كانت عناصر قيام الصناعة هي رأس المال والخبرة والطاقة والأسواق وأمور أخرى اقل أهمية فإن الاوفست ظهر في مطلع التسعينات كعصا سحرية لإقامة صناعة سلاح خليجية، فنفقات دول المجلس التسليحية  كما اشرنا تصل الى حوالي 162 مليار ولنا منها 35% تستثمر داخل الخليج، والخبرة يحملها رجال مكدونالد دوغلاس ولوكهيد مارتن وتومسون  الذين تغص بهم المجمعات السكنية والفلل الخليجية، ولا حاجة لنا بالتطرق لموضوع الطاقة أو الأسواق لأننا أول من يحتاج هذه المنتجات.
 
  بعد بداية صعبة، خطى برنامج الاوفست الخليجي بمسمياته المتعددة خطواته الأولى خارجا من وزارات الدفاع الخليجية ، وكان للعسكريين حتى في المستويات العليا رأي خجول في الموضوع لقلة خبرتهم في الأمور الاقتصادية، واستبشروا بقيام صناعات عسكرية خليجية ، حيث كان منها شركة السلام  السعودية للطائرات المحدودة التي استطاعت أن تلبي احتياجات المملكة في مجال صيانة الطائرات بشقيها المدني والعسكري تعديلاً وتحديثاً، وقد  أنهت أعمال العمرة والتحديث على 124 طائرة عسكرية من طراز تورنيدو وإف15 والإنذار المبكر والتزود بالوقود وأنجزت أعمال الصيانة بمختلف مستوياتها المتوسطة والثقيلة على 134 طائرة تجارية وخاصة منها 52 طائرة من خارج السعودية . كما كان في السعودية أيضا مشروع لتصنيع مشبهات التدريب (سيميوليتورز) ، وفي الكويت تم تشغيل البالون الراداري لوزارة الدفاع، كما تمت صيانة سفن عسكرية تحت مظلة برنامج الاوفست في دولة الإمارات العربية المتحدة . 
  بعد أن استغلت الغرف التجارية الخليجية فرصتها  من خلال مؤسساتها الخاصة في عملية إعادة إعمار دولة الكويت والخفجي وصيانة المطارات التي أرهقتها الحشود التفتت الى برنامج الاوفست، فتراجعت فكرة استثمار 35% في مشاريع عسكرية، وتم تضخيم كلمات مثل التنمية والبنية الأساسية والتعليم والتدريب وغيرها كضرورات أهم من الصناعات العسكرية.
  كانت الخطوة الأولى هي في ضرورة تجريد الصناعة العسكرية من حراسها وإخراجها من وزارات الدفاع الخليجية ، فصارت تابعا لوزارات المالية ، و كانت البيروقراطية الحكومية وعلاتها خير مبرر لتسليم البرنامج برمته الى القطاع الخاص من خلال شركات للاوفست .
 
  لقد اشرنا في بداية هذه الأسطر إلى إن وزارة الإنتاج الحربي المصرية تسهم أيضا في الصناعات والإنشاءات ذات الطابع المدني وبخاصة بناء المخابز الآلية وإنشاء  شبكات الصرف الصحي والطرق، ولعل خلق فرص عمل ل 40 ألف عامل مصري سبب وجيه ليكون إنشاء  شبكات الصرف الصحي  مقبولا تحت مظلة التصنيع الحربي . لكن ما يحتاج إلى تبرير هو قيام مشاريع في دولة الإمارات العربية المتحدة تحت مظلة الاوفست مثل   قيام شركة للتبريد المركزي وشركة لجلب الغاز  من قطر أو إنشاء صناديق الاستثمار ومشروع محطة لتحلية المياه أو قيام  شركة لبناء السفن أو إقامة شركة متخصصة في تصنيع الحافلات تحت مظلة برنامج التوازن الاقتصادي  الاوفست .
  في السعودية، لم تتعد الشركات ذات التخصصات العسكرية الاثنتين بينما قامت تحت مظلة الاوفست شركة لصناعة منتجات الكريمات والمراهم وشركة أخرى  متعاونة مع شركة ريثيون العسكرية لاستزراع الروبيان في منطقة جازان على البحر الأحمر. أو مصنع لإنتاج لفات العازل للماء والرطوبة او آخر  لإنتاج الصخور. وفي الكويت كانت التوجيهات الحكومة تقول بالتركيز على قطاع التعليم والتدريب بنسبة 55% وقطاع الصناعة بواقع 35%، فيما يتراوح التركيز على قطاعات الصحة والخدمات والمالية وبنسبة 0,73% و8,15% و0,25% على التوالي، دون ذكر في الخطط المستقبلية للمشاريع العسكرية ، وكان أن انتشرت الكليات والجامعات الأميركية والغربية في الخليج تحت مظلة الاوفست ، لكن التطبيق في الكويت لم يكن كاملا كما وجهت الحكومة بذلك حيث تمكنت الكثير من الشركات من الحصول على الإعفاء  من الاوفست  حيث  ضاع 168 مليونا على الدولة لعدم التزام مؤسسة البترول الكويتية بتطبيق الأوفست على 16 عقدا. ولم يسلم 'الأوفست'  بعد خروجه  من البيروقراطية الحكومية إلى شركة بعقلية القطاع الخاص حيث تربص به أعضاء مجلس الأمة الكويتي، إذ كان هناك اقتراح من احد الأعضاء  بحل مشروع إسقاط القروض من خلال مشروع الاوفست.
 
  وإذا كانت مشاريع صناعة السلاح العربية تعاني من ضعفها وتضخم هياكلها لكثرة المعوقات التي أكبرها غياب  التمويل والخبرة ، فإن  صناعة السلاح الخليجية قد فوتت الفرصة التي سنحت لها بدخول برامج الأوفست المبادلة التوازن  بمسمياتها المختلفة حين استحوذت عليها الغرف التجارية الخليجية  وحولتها عن مسارها، فكان مقدار الاستفادة من برامج الأوفست في المجال العسكري  صغيراً نسبياً ومحدود الآثار خصوصاً فيما يتعلق ببناء قاعدة صناعية عسكرية  او بتدريب الكوادر العسكرية. لقد استحدث برنامج  الأوفست  في الخليج  لتسليح الجيوش فاستحوذت عليه الغرف التجارية. حيث التقى طموح التجار وتحقيقهم للكسب في مشاريع هامشية مع استفادة شركات السلاح  التي لا يسرها الاكتفاء الخليجي ولو في مجال صناعة الملابس أو الأحذية العسكرية.

 

فايز الفارسي – الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك