أجواء عنصرية ضد العرب في فرنسا

عربي و دولي

الحكومة تواجه انتقادات واسعة لتعيين مغربية وزيرة للتربية

2631 مشاهدات 0


اتجهت أنظار اليمين الفرنسي أخيراً الى «خطيئة» منح وزارة التربية الوطنية لسيدة وُلدت في المغرب، رغم أن الحدث الأبرز في حكومة مانويل فالس الثانية الذي أثار اليسار وأقصى اليسار في فرنسا وأغضبهما، كان التعبير بصراحة عن الميول اليمينية للحكومة، من خلال تمجيد أرباب العمل وهدم الكثير من الانجازات التي حققتها الطبقة العاملة في تاريخها الطويل والدامي بذريعة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة والحاجة إلى تضحيات مؤلمة، والذي وجد التعبير الأفضل له من خلال تعيين إيمانويل ماكرون وزيراً للاقتصاد وهو المعروف بأفكاره الليبرالية وبقربه الشديد والمريب من عالم المال والأعمال.

وبالفعل تعيش فرنسا هذه الأيام جواً كريهاً من العنصرية والإسلاموفوبيا، زاده قوة واشتعالاً تعيين نجاة فالو بلقاسم، المنحدرة من أصول مغربية، في وزارة التربية الوطنية والبحث العلمي، وكأن المناصب الكبرى في الدولة الفرنسية لا يستحقها المنحدرون من أصول عربية.

وقد مرّت فرنسا بالتجربة نفسها من قبل مع تعيين كريستيان توبيرا، ذات البشرة السوداء، وزيرة للعدل، فخرجت العنصرية البغيضة من عقالها. ومن قبل تعرضت رشيدة داتي، ذات الأصول المغربية والجزائرية، ووزيرة العدل السابقة، في حكومة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، لهجمات عنيفة بسبب أصولها، وتم التشكيك في جدارتها لهذا المنصب الرفيع.

صحيح أن وزارة التربية الوطنية في فرنسا كانت حكراً على الرجال، ولكن الهجمات التي طالت ولا تزال بلقاسم لا علاقة لها بهذا الأمر، إذ لا يُعاب عليها كونها امرأة بل كونها عربية. وقبل أن يظهر اسمها وزيرة للتربية الوطنية سارعت اليمينية المحافظة كريستين بوتان إلى التنديد بتعيين بلقاسم في هذا المنصب. ثم توالت الهجمات والأكاذيب من كل حدب وصوب من اليمين بشقّيه المعتدل والمتطرف.

ووصل الأمر إلى إطلاق سلاح الشائعة المغرضة في وسائل التواصل الاجتماعي، فقد زُعِم أن الوزيرة غيّرت اسمها من «كلودين دوبونت» إلى الحالي «نجاة غالو بلقاسم» حتى تكون له رنة أفضل ويساعدها على الارتقاء الاجتماعي بسهولة. وبالفعل انتشرت في وسائل التواصل والشبكات الاجتماعية صورة مزوّرة عن بطاقة هوية للوزيرة وهي تحمل اسم دوبونت. وحتى الشخصيات اليمينية التي كانت تُظهر نوعاً من الموضوعية والحكمة انزلقت في حملة التشنيع بالوزيرة بلقاسم، ومن بينها الوزيرة السابقة نتالي كوسيسكيو موريزي وهي من أصول بولونية، والتي يُشهد لها قبل سنتين تأليف كتاب يفكك أيديولوجية حزب «الجبهة الوطنية» العنصري. كما يُشهَد لها انتقاد الانحراف اليميني المتطرف في حملة ساركوزي الانتخابية، قبل أن تعود هذه الأيام لتؤكد أن ساركوزي هو رجل فرنسا ومخلِّصُها.

وانتقدت موريزي تعيين بلقاسم قائلة إن «المدرسة يجب أن تكون مكاناً مُقدَّساً ومحميّاً من كل هوى أيديولوجي، وإدخال النقاش حول نظرية النوع إلى قلب المدرسة والوزارة أمرٌ صادم». وجاء هذا الكلام بعد تصريح آخر لليمينية لودوفين دي لا روشيل، عن تعيين بلقاسم قالت فيه «إن هذا التعيين استفزاز لعدد كبير من الفرنسيين، الذين عبّروا عن رأيهم في الشارع منذ تشرين الثاني 2012، ليؤكدوا معارضتهم لمشاريع فرنسوا هولاند المجتمعية، التي دافعت عنها كريستيان توبيرا ونجاة فالو بلقاسم». كما صدرت تصريحات أخرى عن الوزيرة السابقة نادين مورانو الشهيرة بعبارة «لست ضد العرب في فرنسا والدليل أن أعز صديقاتي من دولة التشاد»، والوزير السابق لورونت فوكييز، إضافة إلى القيادي اليميني إيريك كيوتي الذي وصف بلقاسم بأنها «المتحدثة باسم أيديولوجية خطيرة». ولا ننسى طبعاً اليمين المتطرف في شخص حفيدة مؤسس «الجبهة الوطنية» جان ماري لوبين، النائبة البرلمانية ماريون ماريشال لوبين.

تعرف بلقاسم التي ناضلت كثيراً قبل أن تصل إلى مواقع قيادية في الحزب الاشتراكي الفرنسي أن الاختبارات كبيرة والأعداء والخصوم كثر. ولعلّ تجربتَيْ داتي وتوبيرا ماثلتان أمام ناظريها.

واليمين التقليدي الذي يبحث عن أعداء من أجل إعادة بناء بيته الداخلي المترهل، كما اليمين المتطرف، لم يتأخرا في الهجوم على هذه الوزيرة التي ستنتظر لترى إذا كان الحزب الاشتراكي والحكومة سيتضامنان معها في أي اختبار، ولا سيما أن صورة كريستيان توبيرا لا تزال ماثلة في الأذهان وهي تتعرض لهجمات عنصرية مقيتة من اليمين المتطرف من دون أن يهتز أي وزير اشتراكي لدعمها لولا تدخل صحيفة «ليبراسيون» والروائية كريستين أنجو.

وبالفعل لم تتأخر هذه الاتجاهات اليمينية واليمينية المتطرفة في تنفيذ تهديداتها؟ فقد دعت إلى تظاهرة كبرى يوم الخامس من تشرين الأول المقبل ضد هذه الوزيرة التي ستُحمَّلُ أوزار فرنسا واخفاقاتها.

الآن - وكالات

تعليقات

اكتب تعليقك