خليل حيدر يتساءل: من أين أتانا تمجيد الموت على حساب الحياة؟!
زاوية الكتابكتب أغسطس 24, 2014, 12:16 ص 755 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / لماذا نحب الموت؟!
خليل علي حيدر
لدينا ظاهرة غريبة وشائعة، يقول كاتب سعودي، «وهي اننا نزف خبر القتل زفا، وكثير منا يسعد باستقبال خبر الاستشهاد بعض الاسر ترفض اقامة العزاء لمن قُتل منها، لأنها تعتبر الامر مناسبة سعيدة لا تستحق العزاء». (الحياة، 2014/8/9).
«في قلب كل ارهابي»، يضيف نفس الكاتب، عبدالله حميد الدين، «استهانة بحياته أو بحياة الابرياء أو الاثنين معا. بعض الارهابيين مجرم النزعة. قد يظهر في مظهر المتدين لكنه في الحقيقة مجرم بخطاب ديني. بعض الارهابيين مؤدلج، يستهين بالحياة لقناعة بأنها لا تستحق الاهتمام، أو بأن هناك ما يستحق موته وموت الآلاف سواه».
الكاتب السعودي يطرح سؤالا لا نوجهه لأنفسنا ابدا: من أين أتت مشاعر الاستهانة بالموت الينا؟
«القرآن الكريم يخبرنا ان القتال كُتب علينا وهو كُرهٌ لنا. لكن هؤلاء يتحدثون عن القتال وهو محبب اليهم». ربما وصلتنا من التيارات الراديكالية القومية والماركسية، وتأثرت بها التيارات الاسلامية، «ثم تم تأصيلها شرعا وعجنها بالآيات والاحاديث والتراث البطولي الاسلامي». ويضيف الكاتب حميد الدين: «لما تبناها الاسلاميون صارت مبدأ دينيا، صارت فوق كل شيء. والمصيبة الثانية لما أدرجت هذه القيمة في مناهجنا الدراسية».
الارهابي الذي يتبنى ايديولوجية الاستهانة بالموت هو اخطر انواع الارهابيين. وهو وقود هذا الارهاب وعامل استدامة، يقول الكاتب.
محاربة الارهاب في المجتمع السعودي معضلة كبرى، يضيف حميد الدين، لأن «ايديولوجية الاستهانة بالموت شائعة ومقبولة بين اطياف واسعة من المجتمع. عدد قليل للغاية من المجتمع السعودي يتحول الى ارهابي فعليٍّ، لكن عددا كبيرا جدا من هذا المجتمع يؤمن بالكثير من منطلقات الارهابي، وتحديدا بايديولوجية الاستهانة بالموت».
غسيل الدماغ هذا الذي يشير اليه الكاتب في قضية الارهاب يحدث في قضايا سياسية واجتماعية كثيرة اخرى بتأثير دعاية الاسلاميين وتسلطهم على المناهج المدرسية والخطابة الدينية وعلى الافكار العامة. نحن شعب أو شعوب أوكلت مهمة التفكير في واقعنا ومستقبلنا وكل جوانب حياتنا الى الدعاة والمتشددين والى كل من لا علاقة له بالحياة الحديثة أو واقع القرن الحادي والعشرين. خذ مثلاً التعامل مع القضية الفلسطينية. لا احد منا يستوقفه حقا تخلف وفقر وبطالة 300 مليون عربي بينما اسرائيل اكثر دول العالم ازدهارا، لأن هؤلاء جميعا يعتبرون هذه القضية محور كل القضايا! وهنا ايضا، ثقافتنا والثقافة الفلسطينية معنا، تشيد بمن يموت «من اجل فلسطين» اكثر مما تكثرت بمن يعيش من اجلها ومن اجل شعبها. لماذا لم يحقق الفلسطينيون درجة من درجات تقدم وثراء اسرائيل؟ لماذا لم يهيمن رجال الصناعة والاستثمار والتنمية على القضية الفلسطينية بدلا من هؤلاء المغامرين وهواة اطلاق الصواريخ وحلفاء الحرس الثوري وأبي مصعب الزرقاوي وصدام حسين؟
الكاتب السعودي يورد في مقاله بعض العبارات التي سمعها من الناس، والتي تردد ثقافة الموت العبثي خلال حرب غزة: «ان يموتوا شهداء افضل لهم من ان يعيشوا بلا كرامة»، «ما الضرر في ان يموت شعب كامل لأجل الكرامة؟»، «ما الذي بقي لهم لأجل ان يعيشوا لأجله اصلا؟»، «ليس مهما كم يُقتل منا؟، المهم ان نقتل منهم ونخيفهم»، «قتلانا الى الجنة فلا مشكلة»!
الشعب الفلسطيني من اكثر شعوب العالم العربي ثقافة وتعليما. والكل يعلم كم ضحى آباؤهم واولياء امور كل عائلة كي يتعلم اولادهم ويكملوا تعليمهم الجامعي وغير ذلك. فلماذا وضع هذا الشعب مصيره بيد حماس والجهاد وكتائب القسام وعشرات الجماعات الارهابية الاخرى؟
لماذا تكون «اسرائيل» مقر افضل جامعات الشرق الاوسط وتكون غزة مقر اشد الجماعات الارهابية تطرفا؟
نعود ونتساءل: من اين أتانا تمجيد الموت والقتال، على حساب الحياة وازدهار الانتاج والاختراع؟
واذا لم يكن المصدر من القرآن، الذي لا يجعل القتال محبوبا، فهل منبع هذه الرغبة العارمة في الموت و«الاستشهاد»، قيم الشجاعة والبسالة والرجولة والشهامة العربية، تلك التي يجسدها مثلا بيتا الشعر:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
نعود الى مذكرات احد الافغان العرب ممن قاتل الروس في جهاد الافغان في الثمانينيات، ويقول ان الافغان لا يحبون الموت حتى لو كان في سبيل الله، بينما كان الدعاء بالشهادة دارجا على ألسنة المجاهدين العرب، فكان الافغان يسارعون الى تصحيح الدعاء. «وكانوا يتعجبون من رغبة العرب في الموت». (ذكريات عربي افغاني، أيمن صبري فرج).
مجتمعنا يحارب الارهاب، يقول حميد الدين، «لكنه في عمقه ارهابي. من يريد ان يبحث عن داعش أو القاعدة أو كل اشكال الارهاب عليه ان يبحث في المجتمع كله. فنحن كلنا داعشيون، وكلنا ارهابيون وكلنا نشأنا جنوداً للقضية، جنودا يعرفون كيف يطيعون لا كيف يفكرون، يعرفون كيف يكرهون لا كيف يحبون، يعرفون كيف يموتون لا كيف يحيون»!
تعليقات