لو هي ذبيحة.. ما عشتك!!

زاوية الكتاب

عن الفساد والمفسدين والأوضاع الحالية، يكتب جاسم السعدون

كتب 12009 مشاهدات 0

 جاسم السعدون

نظرة عامة على تاريخ عالمنا المعاصر،نلحظ دولا تعاظمت وأخرى تلاشت، العلامة الفارقة بين الصنفين، الجيد والردئ، أن الدول التي تعاظمت أمنت وعززت مسيرتها باحترام شديد لمنظومة من القيم الايجابية واحترام شديد لسيادة القانون ، بينما الدول التي تلاشت ، نهجت نهجا معاكسا تماما، ودون قيم وقانون تذوب الدول.

لن أخوض في تجربة الاتحاد السوفيتي أو الاتحاد اليوغسلافي أو دول أوروبا الشرقية أو دول الربيع العربي وأخواتها، وجميعها دأبت أو تنتظر دورها، وإنما سأعرض لأمثلة من تلك الدول التي تعاظمت نتيجة احترام قيمها وقوانينها ،ومقارنتها بما يحدث في الكويت.

في بريطانيا العظمي، لم يرتكب وزير الدفاع البريطاني الاسبق أية مخالفة للقانون وإنما يتحمل المسؤولية الأدبية لاختيار أصدقاء لا يرتقون الى منظومة القيم التي يتبناها مجلس الوزراء البريطاني، فقد وضع أمام اختيار الاستقالة أو الإقالة، لأن صديق له دون علمه قدم نفسه على أنه مستشار له من أجل الحصول على صفقة ،واختار الاستقالة والانزواء بعيدا عن الحياة العامة، مثله تماما وزير الدفاع الالماني الاسبق وكان البديل المحتمل للمستشارة 'ميركل' ، فحال تسميته وزيرا،كشف الاعلام بأنه كان طالبا للدكتوراة ،اقتبس في رسالته للدكتوراة من آخرين دون الاشارة لهم، أي سرق جهد آخرين، واختار الاستقالة والانزواء.

رئيس الجمهورية الفرنسية الاسبق جاك شيراك (1995/ 1997 ) اتهم بأنه خلق 21 وظيفة وهمية عندما كان عمدة لباريس 1983/ 1995 - وصرف عليها من أموال عامة، حكم عليه بالسجن سنتين مع وقف التنفيذ رغم العجز عن اثبات علمه بالأمر، ولم يشفع له تقدم عمره حينها 79 سنة، وبدء مؤشرات الخرف عليه، كما تم مؤخرا إحالة الرئيس الأسبق ساركوزي الى المحاكمة بتهمة محاولة رشوة قضاة.

أيهود أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي 2006/2009 - حكم بالسجن 6 سنوات لأنه حصل على رشوة من جهتين بما مجموعه 205 الف دولار أمريكي أو نحو 60 الف دينار كويتي.
رئيس الورزاء الايطالي بيرلسكوني حكم بالقيام بتنظيف بيوت للمسنين شاملا حماماتهم كبديل للسجن نظرا لكبر سنه 77 عاما - بسبب ثبوت تهمة تهربه من دفع المستحق من الضرائب .

هوينس - رئيس نادي بايرن ميونخ صاحب أفضل مشروع رياضي في العالم عندما نجح في انتزاع زعامة كرة القدم مع الاحتفاظ بسلامة الوضع المالي للنادي، حكم مؤخرا بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة بسبب عدم الافصاح عن حساب سري له في بنوك سويسرا ترتب عليه تهرب من دفع ضرائب مستحقة للدولة.

بين احترام منظومة القيم الايجابية في مثالي وزيري الدفاع البريطاني والالماني وصلابة القوانين في ملاحقة روساء جمهورية ورؤساء وزراء وأندية، قدمت تلك الدول القدوة في مؤسساتها الحاكمة، فالأصل هو أن على من يتبوأ منصبا عاما، أن يكون قدوة حسنة، فإن لم يفعل فلابد من عقابه حتى يكون قدوة لمن لا يتعظ.

في الكويت، تم كشف واثبات انتفاخ حسابات 26 % من أعضاء مجلس الأمة بنحو 43 مليون دينار كويتي، تلك تهمة رشوة فاحشة وتهمة خيانة وظن لأنها مقابل شراء موقف، وتهمة وجود راشي أعلى نفوذا، وهي أخطر وأكبر من كل التهم في الأمثلة السابقة، ورغم ذلك حفظت النيابة العامة القضية للقصور في التشريع، ولم يكن فقط حفظ بمثابة التبرئة، وإنما إعادة قيد بعضهم كمرشحين من قبل قاض واحد، بعد أن استبعدتهم لجنة الانتخابات المكونة من 9 قضاة مستشارين بدعوى عدم الأهلية، وبات بعضهم مشرعا ومراقبا وحتى عضوا في لجنة حماية الأموال العامة بالمجلس.

في الكويت ثبت حدوث تحويلات بالملايين في قنوات وزارة الخاريجة الكويتية لأطراف مجهولة، ودون علم وزيرها وكان نائبا لرئيس الوزراء، مما أدى الى استقالته، وعمك وخالك وكل الأقرباء حتى الدرجة الرابعة صمخان.

في الكويت، كانت البلدية أكبر أوكار الفساد حيث ناءت البعارين عن حمل فسادها، اليوم البلدية فاسدة، ولكنها تشكو فقدانها للصدارة، فرغم زيادة حجم الفساد فيها، إلا أن نجوما كثيرة من مؤسسات الدولة الأخرى تفوقت فساداً عليها.

وقبل كل ذلك وبعده، هناك الاستثمارات والناقلات والديزل ومشروعات مضروبة تحت الأرض، مثل محطة مشرف ، وفوقها، مثل الطرق القاذفة للحصى، ولا يستثنى رداءة الخدمات رغم انتفاخ الانفاق عليها وكثرة مكافآت العاملين فيها.

هذا الوطن الصغير والجميل، والذي كان قدوة في يوم غير بعيد، أصبح يقدم للفاسدين والعاجزين على أنه 'لو هي ذبيحة ما عشتك'، لا يتعظ فيه مسئولينا من أمثلة التاريخ البعيد والقريب، رغم زحف أمثلة الجغرافيا الى الحدود، ولا أمل في إنقاذه دون استعادة مؤسساته لهيبتها، ليس بالعصا الغليظة والغبية، وانما بمسئولين قدوة في احترامهم للقيم، واستخدامهم قدوة بتطبيق حازم للقانون على من يرتكب الخطايا منهم، ما عدا ذلك سيكون منتهى طموحنا انتظار 31/12/2014 لعل وعداً بنظافة حمامات مطار الكويت الدولي يصدق، ربما بعد الاستعانة بخبرة بيرلسكوني، وسيكون انجازا عظيما للإدراة الحالية، أما الوطن فالله يرحم حاله وحالنا، ليس سوى ذبيحة.

كتب: جاسم خالد السعدون

تعليقات

اكتب تعليقك