بن طفلة يقدم قراءة بالوضع العراقي
زاوية الكتابكتب يوليو 7, 2014, 10:15 ص 1293 مشاهدات 0
إلى أين سينتهي العراق؟ هذا هو سؤال المحللين والكتاب والإعلاميين هذه الأيام، وخصوصا بعد الهزيمة الكبرى التي تلقاها جيش الحكومة العراقية قبل أيام على أيدي خليط من ثوار وسنة وقوميين وبعثيين ومتطرفين، الفريق الأخير تحاول أطراف مختلفة فرض 'دعشنتهم' والتهويل من شأنهم وخصوصا من قبل من خلقهم أول مرة وغذاهم ومولهم وبالذات النظامين في سوريا وإيران.
رئيس الوزراء المنتهية ولايته- نوري المالكي- يرى أن بقاء الوضع على ما هو عليه هو أفضل الحلول بالنسبة له ويضمن استمراره رئيسا للوزراء 'بوضع اليد' أو 'بالكوترة' –كما يقال بالعراق، فالتوافق البرلماني على رئيس حكومة جديد لن يكون في صالحه حتما، والأكراد يهددون بالانفصال إن عاد رئيسا للوزراء، والمرجعيات الدينية متوافقة على ضرورة تغييره، والأحزاب السياسية – شيعية وسنية ومدنية- تجمع على تبديله، وإيران التي دفعت بوصوله لولاية ثانية لا تمانع رحيله شرط ضمانها تبعية بديلة سواء كان الجلبي أو نجم أو عبدالمهدي.
تقصف المدفعية الإيرانية بشكل متواصل هذه الأيام مثلث الحدود الإيرانية-التركية-العراقية داخل أراضي كردستان العراق بمنطقة حاج عمران، تبرر إيران قصفها بأنها تستهدف حركة 'بزاك' الكردية المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني، لكن الرسالة الإيرانية واضحة: لا لاستقلال الدولة الكردية.. والحقيقة أن إيران لا تريد عراقا مقسما، فالتقسيم يفتح عليها باب الجحيم من شيعة العراقيين قبل سنتهم، فدولة شيعية بالجنوب تعني اقتتالا 'شيعي- شيعي' على 'الغنائم' والسلطة، وهو صراع سيدخل إيران حتما كطرف فيه، وهذا ما لا تريده إيران، فهي تريد أن تبدو محايدة ومع الجميع بالنسبة للعراقيين الشيعة، صحيح أنها فشلت في تحقيق ذلك بالمطلق، لكن من يؤيدها من بين شيعة العراق اليوم يتكفل بمن لا يسير تحت إمرتها بالجزرة أو بالعصا. كما أن إيران لا تريد عراقا فوضويا تحكمه الميليشيات وتطحنه الحروب الطائفية، فالعراق جارها الذي يشترك معها بمئات الكيلومترات الحدودية، وهو سوق منتجاتها وحديقة نفوذها، ومن ثم فالعراق الفاشل تماما يعني نقل فشله ومشاكله داخل حدودها بطريقة أو بأخرى. على أن إيران لا تريد عراقا ديمقراطيا موحدا وقويا ومتعايشا، لأنه سيمرق من ربقتها ويخرج عن تأثيرها، ولذلك فإيران تريد عراقا شبه موحد بحكومة موالية لها- يفضل أن تكون شيعية- لكنها لن تعترض على أية حكومة عراقية مادامت تسير في فلكها.. العراق المثالي بالنسبة لإيران هو عراق المالكي ما قبل الانهيار الأخير الذي تسببت به سياساته الإقصائية والطائفية وفساد إدراته.. تريد إيران الحفاظ على عراق 'مهلهل' تتحكم به حكومة ضعيفة ببغداد تسير بكنفها. الحقيقة أن إيران أقوى اللاعبين على الساحة العراقية، ولكن تعقيدات هذه الساحة وتطوراتها الميدانية الأخيرة أربكت حتى قاسم سليماني الذي يعتقد أن يعرف ويتحكم بكل صغيرة وكبيرة بالعراق، وبدأت إيران تستنجد- ولو سرا- بالأطراف الإقليمية وبالذات الخليجية منها لترتيب الأمور العراقية بما يضمن هيمنتها.
أما تركيا، فهي أشبه بمراقب منها إلى فاعل بما يجري بالعراق بالفترة الأخيرة، فهي محاذية لبلدين يعيشان حالة من الفوضى والاقتتال والفشل- سوريا والعراق، وتنتظر أخطاء قاتلة لمنافستها على النفوذ فيهما- إيران- كي تستثمر هذه الأخطاء، فمثلا- لا يشجع الأتراك انفصال كردستان العراق كدولة مستقلة، لكنهم تركوا عرقلة استقلالهم لإيران ويراهنون على تطورات المصالحة الداخلية التركية-الكردية وعينهم على حقول كركوك النفطية وجمجمال وكورمور الغازية، ويحتفظون بعلاقات مميزة مع كافة الأطراف المتحاربة مع بشار والمالكي بما في ذلك داعش التي تفاهمت معها على إطلاق سراح سواق الشاحنات الأتراك بالموصل قبل أيام.. وتشير مصادر إلى أنها في طريقها للتفاهم مع داعش لإطلاق سراح دبلوماسييها الذي احتجزوا بقنصليتها بالموصل. ويعيش الأردن حالة من القلق تعود عليها منذ نشأته عام 1923، لكن الخبرة التراكمية التي حاز عليها عبر سنين طويلة من قلق التوازنات تجعله فريدا بقدرته على الاستقرار النسبي مصحوبا باستمرار الدعم الغربي والخليجي له. الموقف الخليجي العام من العراق هو مع وحدته بأي ثمن، لكنها وحدة تتطلب خروجه من الارتهان للإرادة الإيرانية، ولا يهم الخليجيون من يحكم العراق، فليس سرا أنهم دعموا القائمة العراقية بالانتخابات ما قبل الأخيرة التي يقودها إياد علاوي وهو ليس بسني، كما لا نذيع سرا بأن هناك توافقا خليجيا على أن عودة المالكي لرئاسة الوزراء مسألة غير مقبولة، فالمالكي ناصب دول الخليج العداء- وبالذات قطر والسعودية، وتدخل عسكريا لصالح بشار بسوريا ضد ثورة الشعب السوري منذ بداياتها، وينتهج سياسة اقتتال طائفية ضد السنة بحجة محاربة داعش والتكفيريين. في الوقت نفسه، فإن دول الخليج قلقة من تطورات الموقف السني وانجرافه نحو الدعشنة بسبب غياب قيادات جماهيرية بمناطق السنة تستطيع ترجمة مطالبها العادلة لبرنامج وطني واضح، وبسبب الفراغ السياسي الكبير الذي تملؤه داعش شيئا فشيئا، ويعاب على الموقف الخليجي غياب التنسيق المطلوب والغياب الخليجي من جنوب العراق وتأثير التطرف السني ببعض العواصم الخليجية على فهم طبيعة الوضع العراقي وبالذات الحالة الشيعية العراقية العربية. وحده الرئيس باراك أوباما – ضايع بالطوشة- كما يقال بالشعبي، فلا هو يريد عودة المالكي ولا يستطيع تبديله، ولا يريد التدخل لصالحه كي لا يبدو إلى جانب الشيعة ضد السنة بالعراق، لكنه يرسل ثلاثمائة مستشار عسكري لمساعدته، هل سمعتم بدولة ترسل هذا العدد بتاريخ الحروب؟ ولا يريد أوباما التدخل لصالح الشعب بسوريا وفقا لنصائح إسرائيلية وخوفا من تحذيرات روسية، لكنه خائف من تنامي قوة داعش، ويبدو أنه 'سلم الخيط والمِخيط' لإيران باعتراف دايان فاينستاين- عضوة لجنة الاستخبارات بالكونغرس قبل أيام. لا أحد يملك إجابة مباشرة ومفرحة لمستقبل العراق بالمدى المنظور، لكن الأكيد أن ارتهان إرادة العراق للخارج سيضمن بقاءه بالمجهول، فمستقبل العراق يحدده أبناؤه وحدهم، وغدا سيجتمع ممثلوهم أو بعض ممثليهم بمجلس النواب الذي مهما تحفظ المراقبون على فاعليته، إلا أنه الأمل الوحيد لتحديد بوصلة وطنية عراقية جديدة، تخلص العراق من طائفية وإقصائية المالكي ومن هيمنة إيران ومن إرهاب داعش.
saadbin6iflah@
تعليقات