هل تتصادم روسيا وجورجيا في منطقتنا؟

عربي و دولي

قراءة في تبعات حرب القوقاز على أمن الخليج العربي

844 مشاهدات 0



لازالت تبعات حرب الأيام الخمسة في القوقاز  بين روسيا وجورجيا في طور التكوين ،حيث إن ما ظهر حتى ألان لا يعتبر إلا قمة الجبل الثلجي.ولعل سبب استشرافنا لغيوم سوداء في الأفق هو إن الروس يدركون إن ما حدث  ليس إلا  فصل غربي معد سلفا ضدها،فقامت على عجل باستخراج ملفات الحرب الباردة التي حفظتها لتستقي منها الإجراءات المضادة للعدوان الغربي .وأول ما يمكن ملاحظته من ملفات الحرب الباردة ,تطبيق موسكو للعقيدة العسكرية الروسية سواء في بعدها العملياتي أو الاستراتيجي  والتي من مظاهرها الرد السريع  القوي والحاسم ، وفتح جبهات عدة على الخصم في الوقت نفس.
فخلال أسبوعين فقط من توقف القتال لاحت في الأفق نذر الغضب الروسي ، فبعد أن دكت طائراتها أجزاء متفرقة من جورجيا قامت روسيا بالاعتراف باستقلال إقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا، غير آبهة  بما يعنيه ذلك لحلف شمال الأطلسي أو الغرب الداعم لجورجيا برمته، أما ما وصلنا في الخليج العربي من تبعات فتنوعت بين صدمتنا لاكتشاف سياسات تحاك في الخفاء وبين ردود أفعال خليجية مبهمة .
تعجيل تشغيل مفاعل أبوشهر
لم  يكن المراقب الخليجي يدرك أن مفاعل أبوشهر النووي لايبعد إلا أشهر قليلة عن عملية التشغيل ، فقد أشغلتنا دراسات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن متابعة الجهد النووي الإيراني الذي تقول طهران انه سلمي بحت . لكن مخاوفنا لم تهدأ ، سواء كان مفاعل أبو شهر لإنتاج الطاقة الكهربائية في العلن أو لإنتاج الرؤوس الحربية  في الخفاء .فخطر التسرب الإشعاعي لازال قائما ،والتقنية الروسية متخلفة ، كما أن التكلفة التي بني بها المفاعل ولم تتعدي 800مليون دولار لا تدل على حرص شديد على أمور السلامة فيه إذا علمنا انه لم ينجز مفاعل بأقل من 1.5 مليارات دولار، كما أن الخبرة  النووية الإيرانية في إدارة المفاعلات النووية تساوي نفس خبرة العقيد القذافي عندما حاول في السبعينيات شراء قنبلة نووية .
الغضب الروسي من الغرب جعل رئيس الشركة الروسية المعنية بإنشاء محطة أبوشهر النووية Atomstroiexport ليونيد رزنيكوف  يشد الرحال في الأول من سبتمبرالجاري إلى إيران لتفقد مشروع المحطة .وبعد إطلاعه علي مسار العمل عقد رزنيكوف Leonid Reznikov  جلسه مع المفاوضين الإيرانيين برئاسة المدير العام لشركه إنتاج وتطوير الطاقة النووية الإيرانية احمد فياض بخش،وتركزت المحادثات حول إكمال محطة أبوشهر النووية التي يعوق تقدمها عراقيل بين الجانب الروسي والإيراني تدور حول نظام الدفاعات المالية وحول توريد الوقود النووي الروسي لإيران.
وفي الثامن من سبتمبر 2008م جعل الغضب الروسي  رزنيكوف يعلن أنه خلال شهر من الآن سيتم تحديد موعد افتتاح المحطة ، التي سيكون افتتاحها خلال هذا الخريف ،حيث تمت  الاختبارات الشامل لكافه المراحل ، ولأن محمود أحمدي نجاد مولع بربط  انجازات حكومته بالإحداث والمناسبات الدينية ، حيث أطلق القمر الصناعي الامل(أميد)في يوم المهدي المنتظر مثلا . فمن المتوقع والحالة هكذا أن يكون الإعلان عن بدء تشغيل المحطة بمثابة هدية من حكومة نجاد بمناسبة عيد الفطر للشعب الإيراني.
خطة قصف إيران من جورجيا
كان الخليج العربي يراقب الأفق الشرقي بحثا عن الطائرات المغيرة قادمة من إسرائيل لقصف المفاعلات النووية الإيرانية ،وفي تقدير آخر تتبع أهل الخليج سير حاملات الطائرات الأميركية من قناة السويس الى مضيق هرمز ثم مياه الخليج العربي في تصور لهم  إن الهجوم المرتقب على إيران والذي سيشعل المنطقة قد يبدأ من على ظهر حاملات الطائرات في الخليج ، لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن يأتي الهجوم على إيران عبر بحر قزوين من جهة الشمال، حيث العديد من المفاعلات النووية الإيرانية هناك . فقد كشفت روسيا أنها احتلت مطارين في جورجيا كانا مسخرين للجهد الجوي الإسرائيلي المعد لضرب إيران ، حيث إن ضرب إيران من جورجيا منطقي جدا ،لأن الطائرات الإسرائيلية ستمر خلال رحلتها من جورجيا على البحر فقط وليس سوريا أو الأردن أو لبنان أوالسعودية كما فعلت عند ضرب المفاعل العراقي1980م . بالإضافة إلى اختصار ثلاث ساعات ونصف من الزمن الذي تحتاجه لو أقلعت من تل أبيب، كما إنها لن تحتاج إلى إذن من الولايات المتحدة للمرور فوق الأراضي العراقية لو جاءت من الغرب.   لقد صب الروس جام غضبهم على الإسرائيليين المتعاونين مع الجورجيين ليس بكشف خطط غزوهم لإيران فقط بل وبالاستيلاء على معدات حربية إسرائيلية متطورة التكنولوجيا ، من ضمنها طائرة إسرائيلية بدون طيار unmanned aerial vehicle  جرى تفكيكها ونقلها إلى روسيا بحالة سليمة. وما تجدر الإشارة إليه هو أن مسألة غزو إيران من الشمال لازالت قائمة بعد انسحاب الروس من المطارين الجورجيين  وعودة الاسرائليين لهما.
الموقف الخليجي من أزمة القوقاز
لم تسلم دول مجلس التعاون من سياسة رد الفعل الروسية الغاضبة، وكما أشرنا في   قبل يومين
http://alaan.cc/client/pagedetails.asp?nid=19305&cid=46
فقد أرادت روسيا أن تظهر للولايات المتحدة قدرتها على الاقتراب من المصالح الأميركية في الخليج العربي وتهديدها إن لزم الأمر بنفس درجة التقرب والعدوانية الأميركية للمصالح الروسية عبر النافذة الجورجية .فعقدت روسيا اتفاق مع إيران للحصول على تسهيلات في الجزر الإماراتية المحتلة . وقد  استنكر وزراء الخارجية العرب في ختام أعمال الدورة  130  في القاهرة يوم أمس 9 سبتمبر استمرار الحكومة الإيرانية فى تكريس احتلالها لجزر الإمارات الثلاث .وأدان المجلس إيران لافتتاحها مكتبين لها في جزيرة أبوموسى.مطالبا إيران بإزالة هذه المنشآت غير المشروعة واحترام سيادة دولة الإمارات على أراضيها ، كما أدان المجلس قيام الحكومة الإيرانية ببناء منشآت سكنية لتوطين الإيرانيين فى الجزر الإماراتية المحتلة ،و أدان المناورات العسكرية الإيرانية التى تشمل الجزر و المياه الإقليمية والإقليم الجوى والجرف القارى والمنطقة الاقتصادية الخالصة للجزر باعتبارها جزءا لا يتجزأ من دولة الإمارات .ولاشك أن الجزئية الأخيرة من الإدانة هي رسالة خجولة لروسيا تذكرها بسيادة دولة الإمارات على المناطق المزمع تحويلها إلى منطقة تسهيلات بحرية لروسيا ،ودحض الادعاءات الإيرانية بحقها في ممارسة سيادتها عليها أسوة بممارسة دولة الإمارات لسيادتها عندما منحت الفرنسيين قاعدة في ابوظبي او كما هي حال القواعد الأميركية في قطر والبحرين والكويت وعمان والرياض .
 اما ردة الفعل  الروسية الأخرى فهي موقفها الذي مازال في مرحلة 'العتب ' من المساعدات الكويتية لجورجيا بعد الحرب ، حيث وجدت الكويت نفسها في حرج ، بعد الاتصالات الحميمة بين الكويت و جورجيا ، والتي قال سفيرها في الكويت أنها أثمرت عن هذه المساعدات. و كان التفسير الكويتي هو  أن المساعدات لم يتم طلبها عن طريق الحكومة الجورجية، بل عن طريق الصليب الأحمر الدولي الذي سيقوم بتوزيع المساعدات على مستحيقها أينما كانوا، كما قال رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي ، حيث أشار الى أنه  سبق للجمعية أن قدمت مساعدات للشيشان  وهم في حرب مع الروس ومنها مواد غذائية تم شراؤها من روسيا دون أي اعتراض روسي آنذاك. الرد الروسي حتى ألان جاء على لسان السفير الروسي في  الكويت ألكسندر كينشاك  الذي أشار الى إن  قرار المساعدات 'قرار سيادي  للكويت ولا يحق لنا التدخل فيه'. ولكن ما معنى الدبلوماسية إن لم يقل كينشاك  ذلك، 'والخاطر فيه الذي فيه' كما يقول أهل الخليج .
 من يعرف أهل الكويت يقر بإنسانية المساعدات وخلوها من أي موقف سياسي. لكن المؤشرات كانت تقول أن روسيا خلال الأزمة تمرفي حالة غضب لم تسلم منه دول كبرى .وما قفز الكويت في قفص الدب الروسي والتحرش به إلا ما يمكن وصفه بالافتقاد الى قدرا من الحصافة الدبلوماسية . و حتى لايتحول العمل الخيري نافذة لمآسي الكويت شرقا وغربا. ،لقد كانت المخاطرة بطائرات النقل سي 140 الكويتية القديمة إجراء لايتناسب مع قدراتها في منطقة  النزاع المزروعة بصواريخ الدفاع الجوي الروسية الفتاكة .و كان من الأجدر بصانع القرار الكويتي  أن يتروى أو أن يتم توزيع المساعدات على شطري الحدود الجورجية والروسية، ثم إن الهلال الأحمر الكويتي  ليس منظمة أوكسفام  OXFAMالخيرية التي تحميها دولة كبرى، فهاهي الولايات المتحدة مستمرة في اعتقال أبناء الكويت في  غوانتانامو  حيث لم تحمهم مظلة العمل الخيري في باكستان وأفغانستان  . فهل الكويت بحاجة  إلى أن تطارد مساعداتها  وحامليها في سهوب جورجيا كما كانت تطارد أكياس الأرز وعلب الحليب المكتوب عليه اسم الكويت في تلال أفغانستان الصخرية المقفرة الباردة ؟ .

 

 

فايز الفارسي- الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك