تراث التسامح لايزال قويا في الغرب.. بنظر خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يونيو 24, 2014, 1:18 ص 572 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / 'اليمين الأوروبي'.. و'اليمين العربي – الإسلامي'
خليل علي حيدر
مهما تردت حقوق المهاجرين العرب والآسيويين والافارقة في اوروبا وامريكا ودول الغرب، فستظل افضل بكثير مما هي في بلدانهم، كما ان حرياتهم اوسع ومستقبلهم ارحب! ولقد فتح الغرب مجتمعاته لسنوات طويلة مرحباً بالعرب والمسلمين، مغدقاً عليهم المال والتجنيس والتوظيف والرعاية الصحية والاسرية وجوازات السفر وكرامة التنقل والترحال، بل ومتقبل مساجدهم وتحركاتهم وتجمعاتهم ومعسكراتهم وشتائمهم للغرب وتعاليهم على المسيحيين واليهود والبوذيين وغيرهم.. حتى نفد صبر الغرب وانقطع حبل المودة بعد انتهاء القرن العشرين.. وبعد غزوة نيويورك واخواتها في لندن ومدريد وموسكو وباريس!
ما يلفت النظر بحق في هذه المسيرة، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ان لا الأتراك ولا العرب ولا الأفارقة ولا الباكستانيين شعروا بأي تقدير او امتنان لهذه الحظوة والترحيب. وفي اغلب الاحيان ازداد المهاجرون تعصبا لدينهم ومذهبهم وقوميتهم وتقاليدهم، وغدا حتى من كان يتجاهل كل هذا في بلاده ودياره، شديد الارتباط بها والدفاع عنها، بل وعلى اهبة الاستعداد لان يبقر بطن اي اوروبي او امريكي يقترب منها، وان يحز رأس ورقبة اي كاتب او سينمائي يوجه اي نقد لها.
انشغل المهاجرون بمراقبة مضيفيهم وعد هفواتهم، والمبالغة في ابراز شخصيتهم الذاتية واختلافهم الثقافي، ولم يلتفتوا على الاطلاق الى نقد انفسهم وتعديل تصرفاتهم وابعاد المتعصبين عن صفوفهم. وهكذا برزت شخصيات دينية متعصبة داخل الصف الاسلامي، وعادات آسيوية اجتماعية متزمتة بين الآسيويين، ولم يتسامح بعض المسلمين والافارقة حتى في ختان البنات!
تراث التسامح لايزال قويا في الغرب ولكن الكثير من المسلمين والمهاجرين اتخذ قرارا جازما فيما يبدو الآن يقضي على البقية الباقية منه.
واليوم، مع تصاعد الاحزاب اليمينية في اوروبا وسحب البساط من امام المهاجرين، قد تتضاعف اعداد الغرقى امام الشواطئ الاوروبية، دون ان يكترث احد، لا في اوروبا «اليمينية» ولا في الدول العربية والآسيوية الغارقة في الفوضى والاضطراب السياسي والارهاب.
مثل هذا المصير ينبغي ألا يكون حتميا، فالعديد من الدول الاوروبية الغربية تعاني نقصا حادا في التكاثر السكاني وبحاجة ماسة الى القوى الشابة المنتجة، والى مسلمين ومسيحيين وآسيويين وافارقة عقلاء متواضعين يدركون ما لهم وما عليهم، ولا يتصور الواحد منهم ان الغرب واوروبا «ارض مفتوحة» وشعوب كافرة ومجتمعات منحلة.
هذه الدول بحاجة الى من يندمج في مجتمعاتها وينبذ المتعصبين والاصوليين والمتزمتين ممن لا مكان لهم الا بيننا في مجتمعاتنا العربية والاسلامية.. اعاننا الله عليهم!
عشرات الكتاب والمثقفين العرب، من اسلاميين وغيرهم يكتبون اليوم غاضبين عن «صعود اليمين الاوروبي»، وتعصب هذه الاحزاب وافكارها القومية المتشددة، وكأن احزابنا وجماعاتنا في غاية اللطف والانسانية والاعتدال!
لقد عاش العرب والمسلمون في ظل ستة عقود من الرفاهية الغربية التي ازدهرت لاسباب كثيرة. ويقول بعض الباحثين «ان ميزانيات الدفاع الامريكية المرتفعة طوال سنوات الحرب الباردة، 1990-1950، هي التي سمحت بتوفير مظلة امنية لاوروبا في وجه الاتحاد السوفييتي، مما اتاح الحرية المالية لاوروبا كي تكرس نفسها للبرامج المحلية المكلفة التي ينفذها اليساريون عموما». (الجريدة، 2014/6/9).
ولا يدري احد هل ستتكاثر في اوروبا الكيانات الصغيرة مجددا مثل اسكتلندا وكاتالونيا وربما حتى انقسام بلجيكا، ام يزدهر الاتحاد الاوروبي او ربما يتصاعد التوجه الفاشي، حيث يلاحظ بعض المراقبين ان معسكر اليمين كان قد فقد كل شرعيته بعد الحرب العالمية الثانية بسبب ما فعلته النازية، ولكن من جانب آخر، يلاحظ اليوم، ان جميع المحرمات ضد الفاشية الجديدة تكاد تتلاشى، مما ينذر بخطر كبير.
كتابنا وباحثونا يكتبون بهمة ونشاط منتقدين سياسات الانتقال والهجرة في اوروبا وامريكا، ولكن القليلين منهم يكتبون عن مثل هذه السياسات ولا انسانيتها في احيان كثيرة في البلدان العربية والاسلامية نفسها! الدول العربية وايران وتركيا وباكستان وماليزيا واندونيسيا.. وغيرها!
فقد تعيش جماعات وجاليات لسنوات وعقود في البلدان العربية والاسلامية محرومة من حقوق كثيرة سياسية ودينية واجتماعية، وقد تتفنن قوانين التجنيس والهجرة والعمل والاقامة والجوازات والتوظيف والمساعدة الاجتماعية في التمييز ضدهم بشكل لا نراه ابدا في اي مجتمع اوروبي او امريكي، وقد يغضب حاكم او حزب في هذه الدول فتلقى مجموعة كاملة من الناس على الحدود او تحرم من المواطنة، وقد تبقى جماعات مهاجرة في بعض الدول العربية والاسلامية معزولة بقيود قاسية معزولة عن حقوقها وعن الاختلاط بالمجتمع والحصول على اي وظيفة. ما هي حقوق اي اوروبي يقرر الهجرة الى اي دولة عربية او اسلامية؟ ادرسوا قوانين الهجرة والعمل والتوظيف والمساعدة الاجتماعية في هذه البلدان.. وسترون المفاجآت!.
تعليقات