واقعنا البشري كما يراه وليد الرجيب شاذ
زاوية الكتابكتب يونيو 23, 2014, 12:58 ص 519 مشاهدات 0
الراي
أصبوحة / الشذوذ
وليد الرجيب
الشذوذ لا يرتبط فقط في الشذوذ الجنسي، هناك شذوذ سياسي وشذوذ فكري وشذوذ أخلاقي وشذوذ في الفلسفة الحياتية، فكل ما هو مخالف للفطرة الإنسانية هو شذوذ، وقد يكون متعمداً وقد يكون مبنيا على قناعات وأسس تربوية أسرية أو مجتمعية.
فالسرقة شذوذ والحقد أو الكراهية شذوذ وكذلك التعصب الأعمى أياً كان اتجاهه، والظلم شذوذ وتقييد الحرية شذوذ واستغلال البشر أو استعبادهم لبعضهم شذوذ، فالشذوذ متنوع ونسبي بالنسبة للبشر، لكنه طالما كان خارج طبيعة البشر الفطرية يظل شذوذاً.
والشذوذ لا يبدأ في السلوك ولكنه يبدأ بالتفكير أو الفكرة، وقد لا تبدو الفكرة شيطانية ومنحرفة عند من يمارس مثل هذا الشذوذ، بل أحياناً تبدو له صحيحة لدرجة تدفع به إلى قتل نفسه وليس الآخرين فقط، أو تدفع به لتدمير الآخر معنوياً أو نفسياً أو جسدياً.
وقتل الإنسان لنفسه أو للآخرين يشي بمثل هذا الشذوذ، سواء كان بطرق التفجيرات الانتحارية أو بالضعف البشري وعدم قدرة الإنسان على مواجهة الصعاب والضغوط الشديدة، والأدبيات البشرية سواء كانت أبحاثاً ودراسات أو مقالات أو آدابا تزخر بمثل تلك الأمثلة.
ورغم أن الشذوذ فردي إلا أنه من الممكن أن يصبح عاماً لدرجة الشيوع، فعندما تصبح السرقة والرشوة سلوكين شائعين، أو عندما يصبح العنف والقتل مظهرين لمجتمع ما أو نظام ما، يصبح الشذوذ عاماً.
لم تغادر البشرية بداءتها رغم المظاهر البراقة والشكلية، ومازالت فكرة الشر والخير ثنائية بشرية لم يتم تجاوزهما حتى في أمثالنا الشعبية، فـ «الخير يخص والشر يعم»، ويزخر الأدب الإنساني والتراثي بفكر الشر / الشذوذ منذ هابيل وقابيل، إلى القريب منه مثل «جحيم دانتي» لدانتي «وعطيل» لشكسبير و«الجريمة والعقاب» لدستيفسكي، إضافة إلى الأدب الحديث الذي يعتبر امتداداً تاريخياً لنفس الفكرة التي أصبحت كالقدر المحتم على الإنسان.
لقد شخّصت الفلسفة المادية التاريخية مسار تطور المجتمعات، وهو مسار التقدم ليس فقط باتجاه التطور التكنولوجي أو وسائل الإنتاج، ولكن في اتجاه الأنسنة حتى في حدود نسبية الأخلاق، فالأخلاق عند البشر وُجدت قبل الأديان السماوية التي وضعت لها تعاليم ونظمتها، والأخلاق الأساسية هي قيم التعاون والتضامن ومساعدة المجموع للفرد الضعيف والعدالة بين أفراد العشيرة والغفران والتسامح والمحبة وغيرها من القيم التي نظمتها ودونتها الأديان السماوية.
فعندما يصبح القتل على الهوية وتصبح سرقات الأقلية الشاذة محمية ومبررة، وعندما يكافأ الخاطئ ويجرم البريء وعندما يُخشى من قول الحقيقة الواضحة وضوح الشمس، وكل ذلك تحت مسميات وذرائع مختلفة، عندها نفقد إنسانيتنا ومنطق تطور وتقدم المجتمعات.
قد يستغرق هذا الموضوع الفلسفي أطناناً من الأوراق، خاصة عندما نلتفت إلى واقعنا البشري الشاذ في هذا الكوكب لنجد آلافا من الأمثلة، التي تثير الحزن والألم والأسى والتعاسة، ولا نملك إلا أن نقول انه شاذ وعابر ومخالف للطبيعة البشرية الفطرية، ولذا وجدت فينا مشاعر التفاؤل والأمل التي تنتصر على مشاعر الإحباط واليأس.
تعليقات