تجدد قضايا التعويضات والديون العراقية

محليات وبرلمان

هل ينهي انفصال الجنوب دور القلق التاريخي في صياغة نظرية أمن الكويت؟

636 مشاهدات 0


استقبل رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح أمس الأول وزير المالية العراقي باقر جبر الزبيدي لمناقشة قضايا التعويضات والديون. وسلم له دعوة لزيارة العراق تردد أن من المتوقع أن تكون قبيل عيد الفطر. ويبدو في الأفق الشمالي الغربي للخليج العربي بوادر تغيرات تنقض الكثير من الثوابت التي عاش عليها الكويتيون منذ 1991م بعد اندحار قوات صدام حسين .
بعد طلبهم فتح ملفات التعويضات والديون، لن  نفاجأ بطلب العراقيين فتح ملفات أخرى أشد تطرفا مثل ملف الحدود رغم حسمه في الأمم المتحدة أو ملف الحاجة لمنفذ بحري أو حتى قضية تبعية الكويت برمتها للعراق . لقد لاحظنا أن طلب فتح الملفات السابق ذكرها من الجانب العراقي ، يرافقه جدل في العواصم الخليجية وخاصة الكويت حيال مستقبل العلاقة مع العراق ،كما رافقها تجدد الحوار حول جدوى تقسيم العراق وانفصال الجنوب وإقامة كيان مجاور للخليج العربي يكون اقل تطرفا في أطماعة من تطرف السلطات المركزية التي حكمت بغداد منذ خروج العثمانيين 1915م، ولا زالت تعيد نفخ الرماد كلما خمدت نار الخلافات مع الكويت .و قبل عام تقريبا طرحنا أن الجنوب العراقي عبء استراتيجي على الكويت، ونعيد اليوم بعد فتح  العراقيين بعض الملفات الصعبة أعلاه ذكر بعض النقاط التي أوردناها سابقا.

يهتم التفسير التاريخي بتطور السياق العام الذي تندرج تحته الحوادث التاريخية، ومن خلال هذا النوع من التفسير يمكن الربط بين حوادث الماضي وحوادث الحاضر بل واستشراف المستقبل بحذر. ومن باب أن الذين يحسنون قراءة الماضي هم الأجدر بقراءة المستقبل سوف يكون التفسير التاريخي لقضية تقسيم العراق، والجوار الجنوبي للكويت  هو المنهج  الذي سوف نحاول من خلاله تسليط الضوء على نظرية الأمن الكويتية التي يجب إن تكون جاهزة للتعامل مع هذا المستجد. 
تقسيم العراق 
بحركات دموية وضغوط دولية انفصلت تيمور الشرقية عن اندونيسيا واريتريا عن اثيوبيا. وعلى أنقاض الاتحاد اليوغوسلافي قامت بعد مخاض دموي عسير دول قومية مستقلة في كرواتيا وسلوفينيا والبوسنة ومقدونيا والجبل الأسود.كما تم انفصال سلمي في سلوفاكيا عن تشيكيا و ظهرت دول عدة مستقلة انفصلت عن الاتحاد السوفييتي السابق. إلا أن الانفصال قد أحبط بدموية في الشيشان ومناطق أخرى، ولن تتسع هذه السطور لذكر الكيانات الراغبة في الانفصال لكن على قائمة الانتظار نجد الباسك وكشمير وغيرها الكثير. 

وكحل وحيد لوضع حد لأعمال العنف في العراق وافق مجلس الشيوخ الأميركي في يوم 26 سبتمبر 2007م بغالبية 75 مقابل 23 على قرار غير ملزم بشأن تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات طائفية شيعية في الجنوب وسنية في الوسط وكردية في الشمال ،ويمكننا القول أن قرار الكونجرس جاء بعد دراسة موضوعية ومحترفة بعيدة عن ردود الأفعال تراعي بالدرجة الأولى مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. 
لقد رفضت جميع الأطراف الداخلية والخارجية هذا القرار وقد كان من ردود الأفعال على قرار التقسيم من وصف الخطوة بأنها حجة من أجل مصلحة إسرائيل لتحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، أو لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وتفتيتها إلى كيانات صغيرة على أسس عرقية وطائفية بصورة تجعل من السهل السيطرة عليها. 
أما الموقف الوحيد المؤيد لخطة التقسيم فجاء من حكومة إقليم كردستان العراق حيث اعتبرته الحل الأمثل لمشاكل البلاد،وفي ثنايا قرار التقسيم غير الملزم سوف تكون الحكومة الفدرالية في بغداد مسئولة عن أمن الحدود وعائدات النفط، مما يعطي كل قسم مجال لتنمية التعددية والحرية والديمقراطية. بل أن هناك من أيد التقسيم بحجة أن العراق بحدوده الحالية هو دولة كاذبة، أسسته بريطانيا في بداية القرن العشرين.
 
انفصال شمال العراق 

وفي ضوء ما سبق سوف نحاول تناول قضية تقسم العراق من خلال مقارنة انفصال الشمال أو تمتعه بحكم فدرالي واضح وما نتج عن ذلك من توتر ومخاوف تركية، كمثال لما يمكن أن يحدث في حال انفصال الجنوب واثر ذلك على أمن دولة الكويت والسعودية والخليج العربي .فبعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الدولة العثمانية ومع ظهور الجمهورية التركية عام 1923م انقسم الشعب الكردي قسرًا إلى عدة أقسام وزعت على تركيا وإيران والعراق وأرمينيا وسوريا وأذربيجان. ثم جاءت ثورة الشيخ سعيد عام 1925م كرد فعل على التهميش التركي،وبدأ الصراع الكردي-التركي منذ مطلع القرن الماضي.ومع ظهور مشروع تقسيم العراق الأميركي في الأفق وجد الأكراد أنفسهم فجأة أمام أمل جديد يمكنهم من إعلان دولة كردية في منطقة شمال العراق،لكنه في نفس الوقت بذرة اقتطاع الأجزاء الكردية من تركيا لتنضم للدولة المزمع إنشاءها . 
الموقف التركي من قضية قيام دولة كردية هو موقف معارض صارم ،حيث تخشى تركيا من قيام ناشطي حزب العمل الكردستاني برجاله الخمسة آلاف مقاتل من استخدام الدولة الكردية كقاعدة تدريب يحظون فيها بالرعاية والأسلحة والمتفجرات لتنفيذ هجمات داخل أراضيها ،بل إن تركيا قد هددت ليس باحتلال كردستان العراق بل باحتلال الموصل وكركوك الغنية بالنفط بحجة أنهما قد سلمتا بموجب اتفاقية 1926 إلى دولة عراقية واحدة موحدة في إشارة إلى رفض تقسيم العراق وهذا يعطيها حق المطالبة بإعادة النظر في الاتفاقية المذكورة.
ولا تملك تركيا خيارات عدة بل أن اجتياح كردستان ووأد الدولة الوليدة هو الخيار الأكثر قبولا من الناحية الإستراتيجية، خاصة إن نجاح دولة كردستان وازدياد قوة الحركة الانفصالية للأجزاء الكردية في تركيا سوف يشجع حركات انفصالية أخرى في تركيا،لذا فإن التدخلات التركية في كردستان العراق سوف تتجاوز حجة تصفية حزب العمل الكردستاني .
 
قابلية انفصال الجنوب
 
إن انفصال الجنوب لا يرجع فقط إلى رغبة القوى الفاعلة فيه حاليا في الانفصال بين الرغبة في إقامة دولة المهدي المنتظر أو إقامة كيان يحفظ حقوق الشيعة ،أو إقامة جسر يصل أطراف الهلال الشيعي،بل تتعدى الأسباب ذلك إلى أن قابلية الانفصال - في رأينا- قد توطنت فيه منذ أمد طويل، ولا حاجة لنا في هذا السياق إلى تتبع فترات موغلة في التاريخ لرصد ذلك،بل يكفي أن نشير إلي فترات الانفصال القريبة والمشاريع الأجنبي التي حاولت جعل الجنوب كيان خاص منفصل عن بقية العراق . 
وسوف نورد هنا ثلاث حالات للانفصال بأشكال مختلفة لعل أولها انفصال الجنوب عن السلطة المركزية بحركة من قبل أهل المنطقة أنفسهم حيث جرت إلى أول نزعة انفصالية في عهد العثمانيين رغم تداخل هذه الحركة مع ما يمكن أن يسمى حركة مقاومة الاحتلال فبعد احتلال العثمانيون إمارة البصرة عام 1669م رفضت قبائل جنوب العراق الحكم العثماني وأعلنت الحرب ضده، وفى عام 1688م تمكنت القبائل العربية من احتلال مدينة البصرة وقتل الوالي العثماني ونهب معسكرات جيشه وقد استطاع أمير أمارة الحويزة في الأحواز أن يحكم البصرة ذاتها لمدة ثلاث سنوات في انفصال تام عن السلطة المركزية، كما حكمها بعده مغامس أمير قبيلة المنتفق أربع سنوات قبل أن يستعيدها العثمانيون عام 1708 ويتم ضمها إلى ولاية بغداد.
 
أما الشكل الثاني فقد تم بفعل قوة خارجية، ففي عام1775م بدأ الحصار الفارسي للبصرة وانتهى باحتلالها عام 1776م بقيادة صادق خان شقيق حاكم فارس كريم خان، لتصبح جزءا من فارس،وقد استمر الاحتلال إلى سنة 1779م حين عادت للحكم العثماني حتى مطلع القرن العشرين .
 
الشكل الثالث كان على شكل مشروع ظهر في أوراق البريطانيين في الفترة 1903م حتى نهاية الحرب العالمية الأولى و يدل على تفكير بريطاني في إقامة دولة للهنود المسلمين في ما بين النهرين خاصة منطقة البصرة. فقد كان لحكومة الهند البريطانية رأي بأن العراق أرض خصبة يمكن أن تستوعب الزيادة السكانية في الهند، لكن العثمانيين بحكمهم السيئ حولوها إلى خلاء خاو، وهي التي كانت من أخصب بقاع العالم ومهد حضارة البشرية. 
وقد تجدد عرض المشروع أكثر من مرة من حكومة الهند في السنوات المتتالية 1906-1909م،وفي بداية الحرب العالمية الأولي وبعد احتلال بريطانيا للعراق عاد المشروع للظهور مرة أخرى ولعل أقوى طرح للموضوع ما تقدم به نائب ملك الهند مرغباً في تنفيذ نقل سكان السند والبنجاب (الياكستانيون حاليا ) وهم من المزارعين إلى منطقة مابين النهرين لإحياء هذه الأرض،ولأن المنطقة تفتقد إلى اليد العاملة لأن السكان الذين يعيشون في المناطق المجاورة لجنوب العراق لا يحبون الاستقرار في جو الجنوب غير الملائم لهم.
ويذهب نائب الملك إلى أن البنجابيين فلاحون مهرة وقادرون على تطوير المنطقة،كما أن هذا المشروع هو مكافأة ملموسة للهند نظير خدماتها في الحرب،وهو في الوقت نفسه خلق مصلحة مباشرة للهند في نتائج الحرب،كما سيزيل بعض كراهية الهنود المسلمين للبريطانيين،لأن الممتلكات التركية تم اقتسامها مع مسلمين،كما أن خلق مستعمرة هندية سيوقف تدفق الهنود إلى مستعمرات الرجل الأبيض الأخرى، فضلا عن أن المستعمرة البنجابية هذه ستوفر جيشا يساعد في فرض الأمن في منطقة الخليج العربي،أما معوقات المشروع فهي قليلة، لأن الهنود المسلمون معروفون للعراقيين من مواسم الحج، فهم إذا ليسوا جنسا غريبا، ويمكن التغلب على مسألة اللغة،كما يمكن التغلب على مسألة اختلاف مذهب البنجابيين السني ومذهب سكان جنوب العراق الشيعي، ويبدو أن الفكرة في إقامة مستعمرة هندية في العراق قد درست من جوانب عدة حيث يقول نائب ملك الهند في شأن السياسة الإدارية أنه يرى استقدام بعض الموظفين البريطانيين، وتشجيع التعليم الابتدائي وقيام شرطة من العنصر الكردي، وإصلاح القانون القائم في العراق وتبنيه وكذلك الإصلاح الزراعي والضريبي، ويلفت النظر أن هذا المشروع وجد من يسانده من وجهاء العراق، الذين تقدموا بمذكرة موقعة بأسمائهم يطلبون فيها إلحاق العراق بالهند،ومنهم وجهاء الحلة الذين طلبوا أن يتوج بيرسي كوكس كملك على ما سيتم إقامته في جنوب العراق من نظام. 
قامت دولة باكستان لاستيعاب مسلمي الهند،ولم تنجح فكرة إقامة مستعمرة هندية في العراق،وقام العراق الحديث بناء على ما أوصى به تشرشل في مجلس العموم 1921م بإقامة كيان عربي حول بغداد القديمة في شكل نظام موال لبريطانيا وحلفائها معيدا أمجاد الحضارة العربية. 
الكويت وجنوب العراق 
لم تكن العلاقات الكويتية مع جنوب العراق بأفضل حال منها مع القوى المركزية في بغداد،لقد كانت الكويت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر تعتمد بشكل جزئي على منتجات البصرة الغذائية حتى سهلت لها السبل الوصول إلى أسواق الهند، فقل الاعتماد على أسواق البصرة ،لكن الأطماع العثمانية ثم العراقية جعلت الكويتيين يمقتون البصرة وما حولها لتمسك سلطات العراق بتبعية الكويت بما يسمونه ولاية البصرة دون سند في كل ادعاءاتهم. 
ومع ظهور الكويت الحديثة بقوة في عهد مبارك الصباح 1896-1916م ناصب جنوب العراق مبارك الكبير العداء في الوقت الذي تحالف معه حكام بغداد. حيث تبنى والي البصرة حمدي باشا قضية انتزاع السلطة من مبارك وبدا يزين للسلطان احتلال الكويت، ولكن مبارك بحنكته جنب الكويت الغزو الوشيك عن طريق مساعدة والي بغداد رجب باشا الذي ثنى السلطان عن عزمه. 
ولا شك أن المارد السني في بغداد كان هو في معظم تاريخ العلاقات الكويتية العراقية مصدر مآسي الكويت منذ أن أعلن نوري السعيد 1936م عدم صلاحية ميناء البصرة كميناء للعراق وضرورة اقتطاع جزء من أراضي الكويت ،مرورا بالحرب الباردة التي شنها الملك غازي ضد الكويت من إذاعة قصر الزهور،لكن الجنوب العراقي كان دائما هو رأس الحربة ومصدر المتسللين والمهربين في أزمة التهريب التي نشبت بين البلدين طوال الثلاثينيات حتى الستينات لرخص البضائع في الكويت وارتفاع أسعارها في العراق بشكل كبير . 
 كما أن أهل الجنوب هم من دأب على إزالة العلامات الحدودية مع الكويت طوال الخمسينيات،بل أن منظمة تطلق على نفسها 'سرايا الحق' تتخذ من البصرة مقراً لها قد قالت في بيان أصدرته في شهر يوليو 2005م- أي بعد سقوط صدام بأكثر من سنتين- إن على الحكومة الكويتية تسليم الأراضي العراقية وآبار النفط العشر التي استولى عليها الكويتيون بعد 1991 وقال البيان الذي تم توزيعه أنه لا يمكن القبول بهدم البيت العراقي ونهب ثرواته، بل وعمل مدنيين عراقيين على إزالة الحاجز المعدني بين البلدين في منطقة أم قصر،وما كان من الكويت إلا أن اتخذت قرارا أوقفت بموجبه بناء الحاجز الحديدي داخل أراضيها الذي يوازي علامات الحدود مع العراق ليشمل التوقف المنطقة المواجهة لبيوت ومزارع بلدة صفوان العراقية المواجهة لمزارع العبدلي الكويتية. كل هذا رغم تأكيد العراق أنه ملتزم بقرارات الأمم المتحدة والقرارات الدولية بترسيم الحدود. 

مخاطر انفصال جنوب العراق على الكويت
 
لم يعد طرح مشروع تقسيم العراق من المحرمات في دوائر صنع القرار الأميركية أو حتى في دول الجوار،وبما أن قابلية انفصال الجنوب أمر وارد الاحتمال كما بينا سابقا فسوف نتناول مخاطر ذلك على دولة الكويت بحكم أنها بوابة الخليج والجزيرة العربية ناحية العراق.
 
التقسيم والحرب الأهلية وعدم الاستقرار
 
إن التشابه في المقدمات لا يفضي بالضرورة إلي تشابه في النتائج لكن ما حصل في البلقان في التسعينيات من القرن الماضي يشبه كثيرا في مقدماته ما يجري في العراق حاليا.ومن المعروف أن تسبق أو تلحق عمليات تقسيم البلدان الفعلي أو بعنوانها التضليلي المسمى بالفدرالية الحروب الأهلية وعدم الاستقرار. 

ومن المعروف أيضا أن الحركات الانفصالية والحروب الأهلية ظاهرة معدية، حيث سيغري انفصال الجنوب الطوائف والعرقيات المماثلة لها في دول مجلس التعاون بالسعي إلى تحقيق المكاسب نفسها من تمثيل أوسع أو اقتسام للسلطة والثروة أو الحصول على صفة الأقلية المميزة. 

كما أن عدم الاستقرار بعد الانفصال سوف يقود إلى خلق كيان طارد حيث تكون النخبة الحاكمة غارقة في فضائح المال والفساد الذي خلقة الوضع الجديد، وفي نفس الوقت يخلق وضعا مأسويا يدفع بالعراقيين للتدفق على الكويت بهجرات شرعية أو بالتهريب أو باللاجئين، مؤديا إلي الإخلال بالتوازن السكاني أو بصور أخرى من خلال التكسب بالأنشطة الممنوعة كعمليات تهريب الأسلحة والمخدرات أو تهريب العناصر الإرهابية. 

التقرب الإيراني- الكابوس:
 
 رغم أن الجنوب العراقي سوف يكون عربي القومية وشيعي الهوية السياسية في مجمله لكن سيادة التكتلات العشائرية، والحزبية وسؤ إدارة الموارد رغم وجود النفط سوف يدفع بكل طرف إلى التسابق لطلب المساعدة والدعم الخارجي. وفي تلك الفوضى الإقليمية سوف يتم فتح الباب على مصراعيه للنفوذ الإيراني مؤججا من جديد الطموحات الإيرانية في خلق الهلال الشيعي، ومع توفر الجسر البري الذي لم تستطع إيران الحصول عليه منذ احتلال كريم خان للبصرة عام 1776م سوف يسير الحرس الثوري الإيراني جنوبا و جيش المهدي وقوات بدر كحرس المقدمة لذلك الجيش نحو الجزيرة العربية.
 
اللاجئون
 
لن يكون الخطر العسكري من جنوب العراق أول أعباء الكويت ،بل إن الفقر والإمراض ومشاكل المياه هي أول ما نتوقع وصول آثاره للكويت،و طبقا لإحصائيات المفوضية العليا لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في يناير 2007 م فقد وصل عدد اللاجئين العراقيين للدول المجاورة إلي مليون لاجئ،بينما وصل عدد اللاجئين داخل العراق في نزوح داخلي إلي 2 مليون لاجئ،بالإضافة إلى ألاف العراقيين الذين يتم تهجيرهم من مدنهم كل شهر. 

الجنوب عبء الكويت الاستراتيجي
 
إذ كانت دول مجلس التعاون والسعودية خاصة بما حباها الله من خير،وبما بينهم من علاقات قربى على المستوى الشعبي وعلاقات أخوة على المستوى الرسمي مع الكويت قد أصبحت عمقا استراتيجيا للكويت فإن جنوب العراق للكويت بما بينهم من نقاط اختلاف وخلاف سوف يكون عبء استراتيجي، بما يعنيه ذلك من ضرورة خلق قدرات لصد كافة التحديات القادمة من ذلك العبء، وسوف يعود الشمال مجددا كعدو مفترض.
لقد تربى جيل كامل على طرفي الحدود يرتاب كل منهما بالآخر،وانتهى الأمر إلى دائن ومدين يحاول التملص من دينه بدعوى أنه كان هو ضحية له،بالإضافة إلى هاجس العراقيين الدائم وهو المنفذ البحري.كما أن الكيان الجديد سوف يطرح فرضيات انضمامه إلى منظومة دول مجلس التعاون ويحملها حاجته للمساعدات والقروض بشكل مستمر.
 
ملاحظات ختامية
 
إن على الكويت فيما يخص انفصال جنوب العراق أن تحذوا حذو تركيا في موقفها من انفصال كردستان،رغم اختلاف قدرات البلدين العسكرية لمنع الانفصال .وإن من مصلحة الكويت الإستراتيجية منع انفصال جنوب العراق بأي ثمن، فالجنوب المنفصل عبء استراتيجي بما سوف ينتج من تقسيمه سواء بالحرب الأهلية أو عدم الاستقرار الذي سوف ينتقل عبر الحدود ،كما أن الجنوب سوف يتحول الى جسر لعبور الطموحات الإيرانية إلى الجزيرة العربية والكويت بوابتها.بالإضافة إلى مشاكل اللاجئين وسؤ الأحوال الاقتصادية في جنوب العراق . 
وعلى الكويت تغيير إستراتيجيتها الخاصة بجنوب العراق فالكويت ليست إحدى دول الجوار فقط كما ورد في هذا المصطلح خلال الأعوام الماضية بل هي بوابة جنوب العراق جهة الجزيرة العربية والخليج ومحط أنظار الطامحين من قادة العراق على مر التاريخ . 
إن دعم الحكومة العراقية القائمة حاليا و المساعدة لإحلال الاستقرار واستتباب الأمن فيه يصب في مصلحته أكثر من غيرها،وعليها السيطرة على الحدود،و التعاون الإستخباري مع العراقيين ومع الخليجيين ومع الحلفاء ،كما ان على الكويت خلق ظروف مواتية للحوار مع النخبة الواعية في العراق،واستباق مشاكل نزوح السكان واللاجئين. 
ويحتم الوضع الراهن على الكويت أن تعمل بجد لتقويض مشاريع الانفصال، بل و التدخل بقوة لتوسيع دور المنظمات الدولية لمنعه ،وتبني ضرورة دفع مجلس الأمن لتمرير قرار عاجل يعلن فيه سلامة الأراضي العراقية بأي ثمن بمعنى أن أي جزء من العراق يحاول أن ينفصل عن العراق لا يجب أن يعترف به أو يتعامل معه بأي طريقة أو وسيلة أو شكل وان أي دولة لديها أي طموحات إقليمية في العراق يجب ألا يسمح لها أن تصل الى هذه الطموحات.

إن تقسيم العراق مشروع يهدد أمن الكويت، ولابد أن رئيس مجلس الوزراء الكويتي  الشيخ ناصر المحمد الصباح يعي ذلك وهو مقبل على زيارة العراق ، لكن تجدد الأطماع العراقية في الكويت وجزرها لن يحسمه  شي في المستقبل المنظور مهما تلون رجال الحكم هناك ، لأن الوصول إلى مياه الخليج عن طرق الكويت وليس عن طريق ميناء الزبير او البصرة هو جزء من المشروع الحضاري لكثير من العراقيين للخروج من أزماتهم . ففي عام 1932م رفضت عصبة الأمم دخول العراق إلا بعد أن يكون له حدود معروفة وبناء عليه وافق نوري السعيد على ترسم الحدود الكويتية العراقية،ثم جاء عبد الكريم قاسم ونكص عن كل ما سبق التوصل إليه وطالب بكل الكويت، وفي عام 1963م وافق عبد السلام عارف على استقلال وحدود الكويت ، وتبعه في ذلك بقية الحكومات البعثية المتعاقبة ، حتى جاء عام 1973م إبان أزمة الصامته حيث صرح وزير الخارجية العراقي مرتضى الحديثي بأن ما بين الكويت والعراق من مشاكل ليست محصورة في منطقة الصامته بل ((إن كل الكويت أرض متنازع عليها))..
ثم جاء صدام وكان ما كان...

 

فايز الفارسي - الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك