الخليج العربي معقل عمداء الدبلوماسية ونبع المبادرات
عربي و دوليقراءة في قمة دمشق الرباعية
سبتمبر 5, 2008, منتصف الليل 638 مشاهدات 0
باستثناء نجوم الفن والرياضة،لايوجد أحد أكثر لمعانا تحت الأضواء من وزراء الخارجية . ولكثرة أسفارهم واجتماعاتهم ومحادثاتهم ومتابعة وسائل الإعلام لهم في حلهم وترحالهم يحفظ الناس أسماء وزراء الخارجية أكثر من أسماء زعماء الدول التي يمثلونها. فمن لا يعرف كونداليزا رايس و من لا يعرف 'عميد الدبلوماسية' العراقية طارق حنا عزيز83-91م ، ومعالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الذي احتفظ بمنصبه وزيراً للخارجية ضمن التشكيلات الوزارية منذ 1995م حتى الآن، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي منذ عام 1975م و عميد الدبلوماسية على المستوى العالمي حاليا ،ومن لا يعرف الشيخ عبد الله بن زايد و معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة والشيخ الدكتور محمد صباح السالم ،والسيد يوسف بن علوي الوزير المسئول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عمان منذ عقود.
لماذا الخليج معقل عمداء الدبلوماسية
أكثر من أي هدف آخر يمثل الاستقرار السياسي العمود الفقري الذي تبنى عليه سياسة دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة ومنفردة .ولتحقيق ذلك تقوم دول المجلس بتدابير سياسية عدة لمواجهة أشكال مختلفة من الأزمات الإقليمية والدولية. صحيح أن التدابير متغيرة لكن السياسة الخليجية في المجال الإقليمي والدولي ثابتة، وقد تبنت الحكومات الخليجية منهج أن يكون منصب وزير الخارجية من ثوابت الأمور فيها،فهو شبه محسوم لشاغله السابق كلما تبدلت الوزارات كل أربع سنوات أو ربما أربعة أشهر كما في بعض الكويت في السنوا الأخيرة .
توصف السياسة الخارجية لدول مجلس التعاون (بدبلوماسية الأدب الجم ) كما قال الأمن العام السابق لمجلس التعاون السفير عبد الله بشارة، وتتطلب (دبلوماسية الأدب الجم ) خصلة قلة الانفعال ولا تأتي تلك إلا من فترة الممارسة الطويلة للمهنة مقرونة بوقار الشيوخ . ويبدو أن أبا معتز من أصحاب مدرسة البقاء طويلا في المنصب الدبلوماسي حيث بقي أمينا عاما للمجلس لفترة تزيد عن العقد .
إن من الإنصاف القول إن الدبلوماسية الخليجية التي قادها وزراء المدد الطويلة قد تقدمت على الدبلوماسية العربية، بطرح أكثر من مبادرة دبلوماسية تاريخية، ومنها دور الكويت الناجح في السبعينات بوقف مذابح الفلسطينيين والأردنيين في أيلول الأسود مرورا بفك اشتباك اللبنانيين باتفاق الطائف السعودي ووقف الحرب الأهلية اليمنية في السبعينات، وأخيرا تقدمها على الدبلوماسية الدولية حين نجحت بفك حصار التجاهل عن الحرب المأساوية بين العراق وإيران 1980-1988م حيث أخرجتها من دائرة النسيان المتعمد غربيا إلى دائرة التدويل التي أنهتها حرب الناقلات . ولا ننسى أنه قبل اتفاق أوسلو في 13 سبتمبر 1993م كانت دول مجلس التعاون هي الواجهة التي تعرض من خلالها في الأمم المتحدة قضايا منظمة التحرير الفلسطينية المنبوذة دوليا آنذاك . لكن المحير في هذه النقطة بالذات هو نجاح الدبلوماسية الخليجية في التفاعلات العربية/الدولية و التفاعلات الخليجية/الدولية، وليس التفاعلات الخليجية/الخليجية ، سواء بين دول الخليج نفسها أو مع العراق وإيران .
ومن يسيء قراءة المشهد السابق قد يقول أن الأموال الخليجية هي خير دبلوماسية لتليين المواقف، لكن مقارنة الجهود الخليجية المدعومة بالمال مع الجهود الليبية -المدعومة بالمال أيضا- يستطيع تمييز أسباب أخرى للنجاح حيث تنهار المبادرات الليبية حال جفاف حبر أوراقها ووصول الأموال لحسابات الفرقاء بينما عمر اتفاق الطائف قائم حتى الآن- وإن كان يعاني بعض المشاكل في تنفيذ بعض بنوده .
لقد تم تأصيل بقاء وزير الخارجية في منصبه في دول مجلس التعاون حتى يخيل إلينا أنه منهج يدرس في المعهد الدبلوماسي في مسقط والكويت والرياض. ولعل أول عيوب تلك السياسة هو ثبات منهج العمل ومباشرة القضايا العالقة من نفس المنظور، وإدارة الأزمات بفكر واحد لفترات طويلة دون ترك المجال لولادة كيسنجر او بسمارك خليجي جديد.
أحادية الفكر لفترات طويلة وغياب دور مراكز الأبحاث الإستراتيجية و المجمع الفكري Think Tank الداعم لصناعة القرار في وزارات الخارجية الخليجية جعلت حل القضايا العالقة لا يتعدى البيانات التي تعقب كل اجتماع، بل أنها ترحل من قمة إلى أخرى في ترتيب لا يكاد يتغير، حتى أن طالب في المعهد الدبلوماسي يستطيع الوقوف والإدلاء بالبيان الختامي الذي لن يخرج عن قضية الصراع العربي الإسرائيلي و استقرار العراق والمصالحة في لبنان والحرب ضد الإرهاب و الجزر الإماراتية المحتلة .
كيف نقرأ التغيرات الحالية في الدبلوماسية الخليجية؟
لسنوات طويلة سيطرت على سياسة المنطقة أقطاب تقليدية، تقودها السعودية والكويت مع جهود متفرقة لبقية دول الخليج العربي. لكن المشهد الحالي يوحي بتغير كبير في المرجعيات، وخير مثال على ذلك قمة دمشق 4 سبتمبر 2008م الحالية ، ويحضرها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والسوري بشار الأسد وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.
الملفات المطروحة في القمة لن تخرج عن الملف السوري/الإسرائيلي والملف اللبناني ، وهي اهتمامات اعتاد الشارع الخليجي والعربي أن يكون جزء منها ، لكن ما لم يتعود عليه هو غياب العاصمتين العربيتين الموجهتين للأحداث بالمنطقة عن المؤتمر وهما المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية .
تعقد هذه القمة بمبادرة من سوريا ولتبرير حضور دولة قطر للمؤتمر قيل إن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي جاء لأن بلاده ترئس حاليا الاتحاد الأوروبي وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ترئس بلاده مجلس التعاون الخليجي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان لأنه حلقة الوصل مع إسرائيل .
لكن هناك من يقول إن دولة قطر صارت (لاعب نجم ) استقطبت الأضواء بعد نجاحها في تحقيق عدة انتصارات دبلوماسية على الساحة الإقليمية والعربية مؤخرا، وصار حضورها أحد أسباب نجاح أية مبادرة .
وهناك من يقول إن غياب الرياض عن القمة الرباعية مرده إن العلاقات السعودية/ السورية تمر بأسوأ مراحلها، بل إن مصادر سورية لم تتردد في القول إن مشكلة التطرف في شمال لبنان والاشتباكات التي تندلع من حين لأخر بين أبناء الطائفة العلوية ومجموعات سنية وأدت إلى وقوع قتلى وجرحى هي مشكلة تغذيها دول قريبة .
خلاصة القول إن تتبع تفاعلات دول الخليج العربي مع قضايا البيئة الإقليمية المحيطة تنبئ بضرورة تغير المقاربات الدبلوماسية الحالية، وفي ثنايا ذلك ضرورة منع الاحتكار من قبل الأفراد أو الحكومات، فما تدخل قطر بدل السعودية في قضايا المنطقة بخروج على الإجماع الخليجي، إنما هو رافد يصب فيه ويدعمه، وحضورها مؤتمر دمشق هو نافذة خليجية وخير من الغياب الكامل عن مؤتمر يهم شعوب المنطقة .وحتى نخرج من القوالب التي تعودنا عليها لقراءة المشهد الإقليمي لابد من إخراج وزراء الخارجية من أعراض سحر الأضواء والسجادة الحمراء وهو السحر الذي جعل أندريه غروميكو يعمل وزيرًا للخارجية السوفيتية لمدة 30 عاما بين عامي 1955م و1985م، حيث استحوذ على لقب عميد الدبلوماسية العالمية، لينهار النظام الشيوعي الذي دافع عنه بعد 5 سنوات من خروجه من الكرملين.
فايز الفارسي - الدوحة
تعليقات