خليل حيدر يكتب: قبر على شارعين وارتداد!
زاوية الكتابكتب يونيو 3, 2014, 12:47 ص 708 مشاهدات 0
الوطن
طرف الخيط / قبر على شارعين.. وارتداد
خليل علي حيدر
يعتبر عدد الوفيات في الصين الاكبر سنويا في العالم. فعدد السكان يبلغ حوالي 1.4 مليار شخص، فيما بلغ عدد الوفيات نحو عشرة ملايين انسان عام 2012 مثلا.
وتعتبر الاعمال المرافقة لتوفير الخدمات في موقع الجنازة من الاعمال التجارية المربحة، حيث بلغت هذه الاعمال 15 مليار دولار عام 2013. وتشمل هذه المراسم التي تستمر لعدة ايام حرق الجثة لضمان حياة مريحة للاحباء في الاخرة، واستخدام روائح البخور، وتقديم الطعام والشراب، وهدايا من بينها اجهزة آي باد وحقائب شانيل. وكما في مصر حيث يمكن استئجار «العدّادات»، وهن النساء اللواتي يتولين النواح على الميت، تستأجر العائلات الصينية اشخاصا للتعبير عن الحزن لدفن الميت، والذين قد يستمرون في البكاء والنحيب لساعات عدة. (القبس، 2014/1/3).
نشرت الصحيفة نفسها في 2009/5/28، تقريرا بعنوان «الموت في مصر اغلى من تكاليف الحياة». ويقول التقرير ان «سعر المقبرة وصل الى مليون جنيه»، والمقصود بالمقبرة المدفن العائلي لا منطقة المدافن برمتها فيما يبدو. ويشير كذلك الى اعلان ملفت للنظر جاء فيه «لظروف السفر.. مقبرة بمصر الجديدة للبيع.. مطلوب مليون جنيه».
ويقول الكاتب الصحافي صلاح عيسى: «منذ القدم هناك مقابر للسادة ومقابر للفقراء، ومقابر الصدقة واخرى للمجهولين، كما ان هناك مقابر خاصة بالعائلة المالكة في مسجد الرفاعي. فدائما هناك الصفوة والاغنياء والصعاليك. واضاف ان مثل هذه المقبرة التي وصل سعرها الى المليون جنيه «مقبرة فيها تجهيزات خاصة، او انها لشخص من اسرة ثرية.. وعلى قدر قيمة الفرد في الحياة تكون كذلك مقبرته في الاخرة».
اسعار المقابر في مصر، خاصة مقابر الاقباط، شهدت ارتفاعا كبيرا جدا حيث وصلت بعض مدافن الاقباط التابعة للكنيسة الارثوذكسية الى اكثر من مليون جنيه نتيجة لنقص مقابر الاقباط في القاهرة بالذات، اذ تمتلك الكنيسة الكثير منها في مختلف المحافظات. وقد قررت الكنيسة فرض رسوم جديدة على المدافن، وطالبت من لم يدفع الرسوم الجديدة بغرامات قابلة للزيادة، وبررت تلك الغرامات بانها نتيجة لخدمات نظافة وتأمين وغفر، اي خفر أو حراسة. وقد اثارت هذه الرسوم احتجاجات، حيث ذهب بعض الاقباط الى ادارة المدافن في الكاتدرائية الكبرى في العباسية وهدد باللجوء للقضاء الاداري لوقف هذه الرسوم الجديدة.. والبعض الآخر رفض دفعها. مستشار البابا شنودة الثالث قال للقبس: «هناك حقيقة لا يمكن انكارها وهي ان تكاليف الموت اصبحت اغلى من تكاليف الحياة، بمعنى ان الانسان في مصر اصبح يعول هم موته، اكثر من همّ حياته، فنجد ان الكثيرين يدخرون من اموالهم ومن اقواتهم من اجل هذه الساعة وهي ساعة الموت وتجهيز المقبرة، وتحولت المقابر الى نوع من البزنس، حيث يحصل البعض على قطع من الاراضي يتم تخصيصها من المحافظة مثلا لعمل المقابر، فيقوم هؤلاء التجار بتقسيم قطعة الارض وبيعها مقابر للمواطنين وبأسعار فلكية محققين ارباحا طائلة. ولم تعد الازمة في مصر ازمة طعام وشراب فقط بل اصبحت ازمة موت».
القبس تحدثت في 2010/10/10 عن «سوق سوداء لبيع المدافن في مصر»، واشارت الى ان اسعار المدافن «باتت فوق طاقة الاسرة المصرية البسيطة» (عن الـBBC).
ومن المستبعد ان يعني هذا تكدس بعض الجثث وعدم وجود من يدفنك عندما تفارق هذه الدنيا، ولعل ما سيحدث مع محدودي او عديمي الدخل ان يدفنوا في المقابر التي اشار اليها الاستاذ صلاح عيسى منذ قليل، اي «مقابر الفقراء» او «مقابر الصدقة»، وربما «مقابر المجهولين»! تقرير الـBBC ذكر كذلك ان الحكومة اوقفت اصدار تراخيص بناء مقابر جديدة داخل القاهرة بعد ان تجاوز سعر المتر الالف جنيه (173 دولاراً). ووفقا للقانون لا يُسمح بتملك المدافن ملكية مطلقة، فصاحب المدفن «يتمتع» بحق الانتفاع بالارض فقط، ويا له من تمتع وانتفاع!
«ويشكو القائمون على خدمة القبور والدفن في القاهرة القديمة»، كما جاء في التقرير، «من تردي حالة المقابر، مما دفع كثيرين ممن يملكون حق الانتفاع بالمدافن في العاصمة الى تركها على حالها وشراء مدافن جديدة خارج المدينة».
فكان الواحد منهم يشتري منزلا او شقة في الضواحي بعد ان ازدحمت العاصمة وضاق المكان. يقول احد الحراس، توجد مدافن هنا لم تجدد منذ مئات السنين، وربما كان السبب كثرة الرسوم على التجديد، وبخاصة ان تم استخدام الاسمنت او تم تبطين جدران المدفن. وتقول ادارة المدافن ان «التُرَبيّة»، والتربي حارس المقبرة لا الدفان او الـundertaker ويستقبل الوسطاء المسافرين على الطريق الرئيسي المؤدي الى المدافن الفاخرة في مدينة السادس من اكتوبر وهم يوزعون بطاقات الدعاية لشركات تسعى للوساطة في بيع وشراء المدافن.
ويقول التقرير ان مدافن المدينة، على مبعدة 40 كيلومتراً جنوبا، تتسم بالتصميمات المبدعة والتنافس الواضح بين اصحابها في الفخامة. وقد «خلق ذلك فرصا للاستثمار ادت لانشاء شركات متخصصة في بناء المدافن وفقا للمواصفات المرغوبة. وتتعامل هذه الشركات مع مقابر الموتى كما تتعامل مع الشقق السكنية من حيث الموقع».
يقول الكتاب المرجعي عن احوال العالم بلادا وشعوبا، والذي يصدر سنويا (The Statesman''s yearbook 2012, ed.Barrg Turner,2011,USA) ان مصر انجزت خلال الاعوام الاخيرة نجاحا كبيرا في تخفيض عدد وفيات الاطفال، اذ كانت النسبة مائة طفل لكل الف من الفئة العمرية تحت الخمس سنوات عام 1990، واصبحت عام 2005 ربع ذلك العدد او 26 طفلا فقط. (ص422).
مما يعني ان الزيادة السكانية بخير.. وفي تحسن في عام 2003، كانت الولادات مليون و776 الف طفلا، والوفيات من كل الاعمار 440 الف انسان، فكانت الزيادة مليوناً و336 نسمة، عام 2005، وربما اقتربت اليوم هذه الزيادة الصافية من المليونين.
تعليقات