(إنا لله وإنا إليه راجعون) بقلم يحيى الدخيل
زاوية الكتابكتب مايو 29, 2014, 1:51 م 1910 مشاهدات 0
كثيرا ما نردد هذا الدعاء عند المصاب وعند فقد الأحبة ، وهو ليس فقط للترديد كغيره من الادعية يجب أن نستشعر كل معانيها ، وأرى دعاءنا هذا أعمق بكثير من دعاء يقال عند المصاب ، نحتاج إلى أن نتمعن ونتفكر فيها ونعيد تمريرها ذهنيا على عقولنا لنعي معانيها العظيمة ، لا نكررها فقط كعادة ، لذا كان من تنويع الأدعية وعدم الالتزام بأحدها أفضلية وتتبعا للسنة ، لكي نستنشق من هذا البستان النبوى عبير الكلمات وعطرها وتلامس مشاعرنا بتنويع الجمل وجوامع الكلم .
فقولنا إنا لله وإنا إليه راجعون تعني أولا أننا ملك لله سبحانه ، عز شأنه وتقدست أسماؤه ، عبيده ، له وحده يجب أن نكون ، ولسنا لغيره ، حياتنا مماتنا ، نُسكنا ، نومنا ، عملنا ، يجب أن يكون له وحده سبحانه ، ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين )
هكذا يريدنا سبحانه ، مخلصين له الدين . ويا لها من نعمة بل إني أراها أعظم النعم بأن نكون عبيدا لخالقنا العظيم البديع ذو الكمال و الجلال والإكرام .
فيربينا الرب سبحانه في أحداث حياتنا للوصول لهذا المعنى ولهذه العقيدة . ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) وليراجع كل منا شريط حياته بخلوته ويمرر في ذهنه الأشخاص الذين أحبهم حبا شديدا ، فما أن نحب مخلوق ونتعدى حدود الحب الطبيعي (الغير مشروط) إلى التعلق حتى تبدأ المعاناة وبوادر التعذب بهذا الشيء أو الشخص الذي تعلقنا به ، قال عليه الصلاة والسلام ( أحبب حبيبك هونا ما .... ) ' أي حباً مقتصداً لا إفراط فيه أو تعدي ، فعسى أن يصير الحبيب بغيضاً ، والبغيض حبيباً ، فلا تكون قد أسرفت في الحب فتندم ، ولا في البغض فتستحي منه إذا أحببته. وقال ابن القيم رحمه الله( من تعلق بشيء عذّب به ) . أي من أحب شيئا غير الله عذب به ثلاثا :
1- قبل حصوله حتى يحصل عليه .
2- فإذا حصل عذب به حال حصوله بالخوف من سلبه وفواته.
3- فإذا سُلبه إشتد عليه عذابه بالفراق .
فأي شي سواه سبحانه يتعلق به بني آدم يتعذب به ، وهذا الأمر عام في جميع المخلوقات ، المحب لحبيبه ، الأم لولدها ، الأب لإبنه ، الصديق لصديقه ، الإنسان للمال ، والانسان للحيوان ، بل وحتى الانسان للجماد ( كالسيارة والمنزل والوطن .... ) واكرر ما نعنيه هنا هو حب التعلق والحب المبالغ فيه بحيث يبدأ يلهيك عما خلقت من أجله ، وهذا موضوع آخر يجب ان نفصل له مقال ، وهو كيف يعرف الانسان ما يجب عليه فعله والتركيز عليه ولم خلقه الله عز وجل ، فالجميع يعرفون قوله تعالى وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ، ولكن كيفية هذه العبادة تختلف من شخص لآخر بحسب إمكانيات كل انسان وما ميّزه الله عز وجل عن غيره ، وسنفصل لاحقا في مقال لاحق كيف يعرف الانسان ميزته وكيف يمكنه المساهمة في إعمار البريّه .
ونعود لحب التعلق ، فحب التعلق المبالغ فيه مرفوض ، ويجرّنا للتعذب بالمحبوب ويخالف ما نردده باننا لله واننا إليه راجعون .
ويضرب الله لنا الامثال بكتابه العزيز في عدة آيات بانه سبحانه يريدنا مخلصين له الدين ، والدين هو شريعة الحياة في كل شي . يقول سبحانه ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء وهو كلٌّ على مولاه ) ( وضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا )
ويربي الله عز وجل أفضل الخلق محمد عليه الصلاة والسلام على هذا المعنى العميق بقوله له في الحديث القدسي ( أتاني جبريل فقال:
يا محمد ! عش ما شئت فإنك ميت و أحبب من شئت فإنك مفارقه و اعمل ما شئت فإنك مجزي به و اعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل و عزه استغناؤه عن الناس.
حسنه الألباني رقم : 73 في صحيح الجامع.
الله أكبر ، نعم الحب للمخلوقات جميل ومطلوب وغريزة في البشر ، ولكن يجب ضبطها كغيرها من الغرائز ، فلا تاخذ من المساحة الربانية التي يجب أن تكون في قلب كل بشر أكبر من أي شيء سواه . وهذا والله أعلم أحد معاني القلب السليم في قوله تعالى ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) فمن معاني السلامة القلبية هي سلامته من التعلق بغير الله عز وجل .
وقد خطب نبينا أصحابه يوما فقال من على المنبر: عبدا خيّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده ، فبكى أبو بكر وبكى فقال فديناك بآبائنا وأمهاتنا . قال الراوي : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به .
وعند موت الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام كان من آخر كلامه : ( بل الرفيق الأعلى . بل الرفيق الأعلى رافعا سبابته للسماء ... ) عليه الصلاة والسلام
وهنا تأكيده عليه الصلاة والسلام لاختيار جوار ربه على مكثه في الأرض بين الاحبه من أهله وزوجاته وأصحابه الذين أحبهم والدنيا بما فيها .
فهنا حتى الحب الطبيعي النبوي لمن حوله من أهل وأصدقاء ودنيا بما فيها أصبح لا يقارن بما جاء التخيير به وهو جوار الرفيق الأعلى .
لنهتم أكثر بسيرة نبينا ونستخلص منها العبر والحكم فهو الأسوة الحسنة ومن سار على هديه وصل ومن تكاسل و تجاهل غوى . ولنعيد تمرير الأدعية النبوية الصحيحة على أذهاننا ، ونتدبر فيها ونستحضر قلبنا عند الدعاء فإن الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل لاه وهو سبحانه يعلم السر وأخفى ، فانتبه . ولننوّع من عبير الكلم الطيب وأدعيته الجامعة عليه الصلاة والسلام حتى لا تكون عادة.
وإلى لقاء في خاطرة ومقال وفائدة يفتحهها الله علينا وينفعنا بها فهو سبحانه النافع الضار الفتاح العليم .
والله الموفق لكل خير . الله علمنا وفقهنا بدينك وافتح لنا وزدنا علما.
كتبه يحيى حمود الدخيّل
تعليقات