أما آن الرحيل عن هرمز؟

عربي و دولي

1185 مشاهدات 0


يجتمع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي الشهر القادم لمناقشة تطورات المنطقة، وبالذات التهديدات الإيرانية المتتالية لغلق مضيق هرمز. وعند استعراض سريع لتاريخ هذا المضيق، يفكر البعض بالتخلي عنه كرئة تنفس شبه وحيدة لأهل الخليج.
 عند تتبع الاراضي الآسيوية المطلة على المحيط الهندي،لا تخطئ العين نقاطا تلعب دور المفاتيح  التي  تتحكم في تلك الأنحاء،وهي ملقا Malacca في ماليزيا وجاوه Java  في إندونيسيا،وغوا Goa وكالكتا Calcutta في الهند وهرمز ومسقط والبحرين وعدن في الجزيرة العربية.ولم يكن احتلال هذه المواقع الإستراتيجية خيارا من بين الخيارات المتاحة لمن أراد السيطرة عليها، بل كانت ضرورة إستراتيجية لا بد منها لضمان السيطرة على الطرق البحرية. وإذا كانت بوابة الأمن هي نقطة الارتكاز الأولى في دائرة التدابير الأمنية فقد كانت هذه  النقاط هي بوابات الشرق. ولم تكن نعمة الموقع لهرمز والبحرين ومسقط وعدن التي حباها الله  بها ذخرا استراتيجيا في كل الأوقات، بل كانت عبئا استراتيجيا عليها منذ غابر الأزمان.
كانت هرمز مملكة عربية في جزيرة تبعد نحو 12 ميلاً عن الساحل الفارسي في مدخل الخليج، وكانت فسيفساء المجتمع الهرمزي شديدة التنوع حيث العرب هم الحكام إلى جانب  شعب من الفرس والهنود والأفارقة  والتجار من كل أطراف آسيا وأفريقيا ، أو بكلمات أقل نسخة من مجتمع  مدينة دبي التجارية الحالية. وفي مطلع القرن السادس عشر الميلادي ، حدد  القائد البرتغالي الطاغية' البوكويرك' في تحليله للموقع الاستراتيجي في الطريق إلى الهند ثلاث نقاط رئيسة، هي عدن، هرمز ومضيق ملقا وقال عن مدينة هرمز ' برأيي أنها أعظم أهمية منها جميعا' وكان لابد من الحصول على الجوهرة كما قال الشاعر الإنجليزي جون ملتون John Milton 1608-1674:  'العالم كله إن كان خاتما فهرمز يجب أن تكون جوهرته '. ثم استولى البرتغاليون على هرمز، و أكد البوكيرك سيطرته علي البلد ببناء قلعة تكون مقرا لقوة برتغالية تقيم فيها،وذلك في 24 أكتوبر 1507م وسماها(سيدتنا  فكتوريا) Nossa Senhora Da Victoria.وقد تبع سلطة البرتغاليين الموانيء التي كانت تخضع لقوة هرمز الإقليمية مثل جزر قشم ولاراك وجلفار و مسقط وقلهات والبحرين والقطيف منذ مقتل مقرن بن زامل الجبري حاكم الإحساء والبحرين و القطيف سنة 1521م.  ونجح حكام هرمز في اللعب  على المتناقضات السياسية في عصرهم ، فكانوا مستقلين بحكمهم العربي لمدة طويلة، بل وتخضع لهم أجزاء كبيرة من الخليج العربي، إلا أنهم كانوا و لفترات متفاوتة خاضعين  تحت الاحتلال البرتغالي و الحكم الفارسي واليعاربة العمانيين بل والعثمانيين . وقد تمت النقلة الكبرى في  العقل الاستراتيجي  الفارسي في تلك الفترة، عندما وافق الشاه عباس الصفوي على التحالف مع اليعاربة والبريطانيين لطرد البرتغاليين من هرمز عام 1622م . لكن استحواذ البريطانيين على هرمز جعله  يستمر في الاهتمام بشؤون الخليج بطريقة أخرى، حيث شيد في قرية جمبرون البائسة ميناء جديد قدر له أن يعمر وتبيد مملكة هرمز بسببه وهو'بندر عباس' حيث هجر الشاة عباس سكان هرمز عنوة إليه . كما نظر الشاه عباس الصفوي إلى الأمور نظرة الطامع الباحث عن الذرائع،  فما دام قد حرر هرمز من البرتغاليين، فكل ما كان تحت حكم هرمز فهو تابع له، وتلك  هي جذور الادعاءات الإيرانية الحالية بالجزر الإماراتية والبحرين بل وقطر وحتى الإحساء .
  هرمز الحالية المسكونة بعروبتها وبشعبها من القواسم و البوسميط و الحواسنه و بني حماد و العبادله  و المرازيق وهم من آل سليمان من العجمان، هي بنفس ظروفها البائسة في صبيحة يوم  مقتل آخر رجالها الأفذاذ  الوزير' شرف الدين لطف الله' في القرن السابع عشر. لكن بؤس المعيشة لا يقارن بالأهمية الإستراتيجية  المحيطة بها من جراء مجاورتها لمضيق هرمز وهو أحد بوابات الشرق التي وعى لها القائد البرتغالي ألفونسو البوكيرك قبل 500 عام ،حيث عاد الحديث مؤخرا عن التهديد بإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران ، وهي ورقة إستراتيجية شديدة التأثير في يد صانع القرار الإيراني، وما تكليف المتشددين المندفعين صعبي الترويض من حرس الثورة لإطلاق تلك التهديدات إلا خطوة ذكية أخرى تمارسها طهران بحرفية حيث نجحت في رسم صورة محتواها أن هناك قنبلة في يد متهور يجب التعامل معه بحذر .
 أهمية  مضيق هرمز الحالية  تأتي من عدة أرقام مذهلة ،حيث تجتازه  ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة.و يتم  عبره نقل 90% من صادرات نفط الخليج . ويمر من خلاله أكثر من 50% من حجم تجارة المنطقة مع العالم. وإمدادات النفط عبر المضيق تشكل 40% من إجمالي المعروض النفطي المتداول عالميا. ويتوقع أن تتضاعف صادرات النفط عبر المضيق إلى 34 مليون برميل يوميا قبل عام 2020.  وفي حال تم إغلاق المضيق، يرى خبراء نفطيون أن أسعار النفط في السوق العالمية ستقفز فوق مستوى الـ250 دولار، وربما تصل إلى 400 دولار. ومن تبعات إغلاق مضيق هرمز أن أسعار المواد الغذائية  لأهل الخليج ستقفز أكثر من ثلاثة أضعاف. وقد وصف أحد الخبراء الاقتصاديين مضيق هرمز بأنه' رئة الخليج الاقتصادية' وذلك بلا شك وصف فيه تواضع ظاهر لقيمة المضيق، حيث أن مضيق هرمز هو القصبة الهوائية  للخليج العربي  الذي هو بدوره رئة العالم التي نراهن على اختناق العالم لو أصابها الضرر . ولعل أقوى الأرقام دلالة هي التي تقول إن السعودية تصدر 88% من نفطها عبره ، وتصدر إيران 90%، والعراق 98%، والإمارات 99%، والكويت 100%، وقطر 100%.
  ورغم تصدير إيران 90% من نفطها عبر هرمز إلا أنها في سعيها للحصول على النفوذ السياسي كثمن لأي اتفاق مع واشنطن في قضية  الملف النووي، سوف تمارس إيران كافة الوسائل، حيث عاد الحديث مؤخرا عن التهديد بإغلاق مضيق هرمز من قبل إيران، وهي ورقة إستراتيجية شديدة التأثير في يد صانع القرار الإيراني.  
  وحتى لا تتعرض  دول مجلس التعاون للاختناق  نتيجة للعبة الشد والجذب بين طهران وواشنطن والتي تدور قرب قصبة تنفسنا، كان لابد من اخذ بعض القرارات الصعبة ومنها ما سبق أن تعرضنا له قبل شهرين في حول  إيجاد بديل لهرمز لتصدير نفط دول مجلس التعاون :
 
http://alaan.cc/client/pagedetails.asp?nid=15803&cid=46
 
البديل الأخر الذي تطرقت له بعض المصادر الاستخبارية الأجنبية  يضم خطوط أنابيب عدة تشترك جميعها في الابتعاد عن مضيق هرمز لتصل إلى بحر العرب والبحر الأحمر، وأول تلك الخطوط ، خط نفطي يمتد من رأس تنورة  في السعودية على الخليج العربي لينتهي في' المكلا ' في جنوب اليمن ناقلا خمسة ملاين برميل من الزيت يوميا وهو ما يمثل ثلث الإنتاج الخليجي كله من النفط والبالغ 17 مليون برميل يوميا .
الخط الثاني يأتي من العراق عبر الكويت إلى رأس تنورة ثم اليمن ، والثالث من رأس تنورة إلى  الفجيرة على خليج عمان متجاوزا مضيق هرمز ، أما الرابع فهو الذي يمتد من رأس تنورة إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر ، والخامس وهو الأصعب يتمثل في إحياء الخط القديم  المعروف بإسم ' التابلين 'من الجزيرة العربية إلى احد موانئ البحر الأبيض المتوسط  التي لم تحدد بعد بديلا للزهراني بصيدا جنوب لبنان، أما السادس فهو الذي أشرنا إليه في مقال سابق ويمتد من رأس تنورة إلى صلالة العمانية، والخريطة المرفقة توضح عند الضغط على المربعات  الموجودة في يسارها امتداد كل خط نفطي :
 
http://debka.com/pictures/map1/Pipes03.html
 
ومما يؤكد عزم دول الخليج على هجر مضيق هرمز لتحاشي التهديدات الإيرانية  ما جاء مؤخرا في  الأنباء عن تشكيل قوة عسكرية سعودية تحت أسم ' حرس المنشآت النفطية ' قوامها 35 ألف رجل، يقوم بتدريبهم فريق من شركة لوكهيد الأميركية، وقد قطعت السعودية شوطا كبيرا في عملية تجنيد منتسبي هذه القوة التي سوف تحمي أنابيب النفط في الأماكن البعيدة المنعزلة، حتى لا تكون عرضة لهجمات الإرهابيين  من تابعي منظمة القاعدة أو غيرهم و الذين نجحوا في تحويل منشآت العراق النفطية  مثلا إلى هدف لضرباتهم الموجعة لإظهار ضعف السلطة المركزية في بغداد، أو بحجة مقاومة الاحتلال الأميركي.

 

فايز الفارسي – الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك