العقلية القبلية لاتقتصر على مَن اصطلح على تسميتهم البدو أو أبناء القبائل، بل تمتد إلى من أتوا من أصول قبلية صحراوية، إيمان البداح تكتب عن ذكورية المجتمع القبلى
زاوية الكتابكتب أغسطس 29, 2008, منتصف الليل 1587 مشاهدات 0
العقلية القبلية 1
إيمان علي البداح
يتحسس كثيرون من مصطلح العقلية القبلية لآن الانطباع السائد أن المقصود بذلك هم مَن اصطلح على تسميتهم البدو أو أبناء القبائل. ولكن في الواقع العقلية القبلية تتجلى في أغلب من أتوا من أصول قبلية صحراوية، وإن عاشوا بضع أجيال في مدن حضارية. وينطبق هذا ليس على الكويت فحسب، وإنما على الكثير من الدول العربية مثل دول الخليج والعراق والأردن وسورية وبعض الدول الأفريقية، أيضا.
والتحسس ناتج عن ارتباط مفهوم العقلية القبلية بالكثير من السلوكيات السلبية رغم ما لها من جوانب إيجابية كالشهامة والكرم واحترام الكبير والذكاء العاطفي بشكل عام.
وتشكلت العقلية القبلية عبر قرون من العيش تحت وطأة ظروف الصحراء الصعبة، ففي الصحراء يعيش المرء تحت رحمة المناخ تماما. فإن أمطرت وجد الغذاء والماء، وإن أقحلت لزم عليه الرحيل والبحث عن وطن جديد. حرارة الشمس وبساطة الأدوات لم تسمح بالتخزين ، لذا فمتى ما توافرت النعمة وجب استهلاكها مباشرة حتى لا تذهب هباء منثورا. ومن ذلك نجد الحكمة السائدة «أصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب». و«كلوا ما عندكم ترى الحشر باكر».
العلاقات الشخصية والاجتماعية واضحة ومفهومة، وتقوم على أسس بسيطة ومنطقية حسب الظروف السائدة. فأساس العلاقات حماية رابطة الدم، فهي أساس البقاء في ظل صعوبة البيئة والتنافس على الموارد المحدودة. لذا تبنى التحالفات وتقوم الحروب على أساس الحفاظ على الموارد لمصلحة «الجماعة» والأهل. وكلّما شحت هذه الموارد ضاقت دائرة الجماعة وتمركزت بمَن هم أقرب نسبا، كما يعكس المثل السائد «أنا واخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب».
وعنف البيئة انعكس على مشاعر سكانها. فنجد الغضب والكره اللحظي والشرس والحب المتناهي والذي لا يقل شراسة في اللحظة نفسها. وانعكس ذلك على فن البيئة الذي يكاد ينحصر بالشعر فنجده إما للهجاء وإما للغزل. وغزارة هذه المشاعر والعواطف مع بساطة متغيرات البيئة مرست القبليين في قراءة المشاعر وتعدى ذلك لقراءة الشخصية من تعامل بسيط ومن معالم محددة كما في علم الفراسة.
وبساطة المتغيرات في البيئة وضعف الإنتاج الثقافي المكتوب يجعل المصدر الوحيد للمعلومة والخبرة هي تجارب الحياة بحد ذاتها. لذا تنحصر «الخبرة» في كبار السن ممن خاضوا التجارب المتعددة واكتسبوا خبرة عملية وحملوا الموروث الثقافي شفهيا عن أجدادهم. لذا يملك كبار السن السلطة والاحترام المميزين كونهم المرجع الوحيد للقبيلة في الأمور الحياتية كافة. ولا تسمح قساوة الصحراء بتحدي رأي شيخ القبلية أو ابتكار وسائل جديدة للتعامل مع الأحداث. ففي الثقة والانصياع التامين سلامة وبقاء القبيلة ككل.
ولا يخفى على أحد ذكورية المجتمع القبلي رغم دور المرأة الحيوي في المحافظة على صلابة القبيلة وحمل تراثها. إلا أنه- وبسبب قسوة البيئة أيضا- كتب عليها أن تقوم بواجبها من وراء حجاب ودونما ظهور علني في عملية اتخاذ القرار الجماعي، وهذا الاختفاء جعل الفكرة العامة لوجودها ضمن القبيلة كعالة أو هم إضافي يجب الاهتمام به. ومازلنا نرى هذا النزعة «لإخفاء» المرأة والاستخفاف بدورها عندما نرى الإشارة للزوجة بمصطلح «الأهل» لتجنب ذكر اسمها أو بشكل متطرف أكثر عندما يقول أحدهم «تكرمون... المرة»!
وهذه الملكات والمهارات والدوافع كانت، ولازالت، مهمة جدا للبقاء في مجتمع صحراوي قاس. ولكن هل تنفع للبقاء والارتقاء في مجتمع مدني مختلط الأصول؟ وهل يمكن التعامل مع المجتمع الحديث وتطور التكنولوجيا والمخاطر السياسية والاجتماعية المحيطة بنا بهذه العقلية نفسها؟ وهل تصمد عوامل بقاء القبيلة في وجه العولمة؟
تعليقات