مقدمة 'المعارضة السياسية في الإسلام'
منوعاتكتبها بن طفلة للبغيلي حول 'كتابة التاريخ الإسلامي'
إبريل 25, 2014, 7:11 م 2113 مشاهدات 0
قبل أيام، دشن الباحث محمد حمود البغيلي كتابه 'المعارضة السياسية في الإسلام'
لمزيد من التفاصيل:
توقيع كتاب 'المعارصة السياسية في الإسلامي' لـ البغيلي
لمزيد من التفاصيل:
بمشاركة سعد بن طفلة..'مكتبة آفاق' تحتفل بجديدها 'المعارضة السياسية في الإسلام'
وقد كتب الدكتور سعد بن طفلة مقدمة الكتاب. وتنشر هذه المقدمة أدناه:
تشكل الدعوة لإعادة كتابة التاريخ ركنا أساسيا من أركان الحداثة والتطلع للمستقبل، والأمم التي تقدمت لا تجد حرجا في مراجعة أحداث تاريخها، وإعادة قراءتها بطريقة علمية وليس بطريقة السرد الحكواتي. فالأمم التي تجاوزت حواجز القدسية لتاريخها، استطاعت أن تتصالح مع التاريخ، وأن تتطلع للمستقبل، بينما بقيت الأمم التي ترفض مراجعة وإعادة كتابة تاريخها حبيسة الماضي ورهينة التلقين والوهم.
فدراسة التاريخ كعلم قابل للمراجعة والنقد والتمحيص والتساؤل، يختلف عن المنهج التقليدي الذي يسرد حوادث التاريخ ويرددها بشكل متواتر عن فلان عن فلان عن أبيه، فإخضاع التاريخ للمنهج العلمي للدراسة والبحث، يتطلب بدهيات تتمثل في الحرية على مراجعة حوادثه والتوقف عندها وإخضاعها لمنهج التحليل والنقد بل وحتى التشكيك في حادثة تاريخية ما، أو الشك العلمي في وجود بعض الشخصيات التاريخية أو أو دورها بل والتشكيك في تواجدها خلال مرحلة تاريخية معينة.
ولا يميز العقل العربي الجمعي بين حوادث التاريخ وبين الانتماء للتاريخ نفسه، حيث تسود حالة من الاندماج الفكري بين حوادث التاريخ وبين دارس التاريخ، ليجد الدارس لهذا التاريخ نفسه على صلة مباشرة مع تلك الحوادث وأشخاصها، وبالتالي نجده يكتب وكأنه لا يعيش معنا وفي عصرنا، وكأنما يعيش في مرحلة ماضية. فيكتب عن معركة دارت رحاها قبل قرون، وكأنما يمتشق سيفه بالقرن الحادي والعشرين، ويهاجم شخصا وهميا لدوره في حدث تاريخي هام، وكأنما يريد أن يمسك به من تلابيبه ويقطع رأسه بسيفه، ويكتب عن شخصية عظيمة بالتاريخ بطريقة تمجيدية توحي لك بأنه يخاطبه مباشرة خوفا أو طمعا.
هناك خلط واضح ومدمر منهجيا بين التاريخ وبين الدين في الفهم العربي للتاريخ، فالحوادث التاريخية الجسام في تراثنا العربي الإسلامي جاءت كلها مرتبطة بالدين الإسلامي بشكل أو بآخر، وكان الدين غالبا هو الغطاء الذي برر به أصحاب المواقف مواقفهم أو حروبهم أو كان مسوقا للحوادث الكبرى، ولا يميز العقل العربي الجمعي بين التاريخ كحوادث، وبين الدين كمعتقد، فهو يفهم كل حوادث التاريخ على أنها نتائج لمسلمات دينية، ويقرأ التاريخ ضمن هالة دينية تقترب من التقديس –ليس لشخصيات تاريخية مؤثرة وحسب- ولكن حتى للأحداث التاريخية الكبرى كذلك.
ويعد تقديس حوادث التاريخ في العقل العربي معضلة تجره للوراء ليعيش بالماضي أكثر مما يعيش بالحاضر، ويحن للماضي أكثر مما يتطلع للمستقبل. وأزمة تقديس أحداث التاريخ تشتمل بتلقائية على تقديس من صنعوا تلك الأحداث، وهو تقديس لا يميز بين الفخر وبين التعصب، ولا يفرق بين التمجيد وبين الموضوعية، بل إن غياب الموضوعية في قراءة تاريخنا هي الحجاب الذي يحول بيننا وبين فهمنا لهذا التاريخ بطريقة علمية واقعية. والسبب في ذلك يعود لهيمنة رجل الدين على كتابة التاريخ، فتاريخنا كتبه رجال دين لهم مواقف ورؤى سياسية، ولهم أيضا تفسيرهم الديني الذي يفهمون من خلاله الدين والتاريخ معا، وهنا تكمن المعضلة. فالتاريخ بحوادثه شيء، والدين وتفاسيره شيء آخر، لكن رجال الدين الذين كتبوا التاريخ، وسجلوا الحوادث الكبرى، كتبوها بلغة الدين الذي لا يأتيه الباطل ولا يقبل المناقشة ومنهج التشكيك العلمي.
وقد كتب التاريخ الإسلامي فريقان من مدرستين دينيتين، وبفهمين دينيين مختلفين تماما: فريق يمكن تسمية بفريق 'التقديس الكلي' للتاريخ وأحداثه وشخصياته ممن لعبوا أدوارا أساسية في صنع أحداثه من الصحابة والخلفاء، وفريق يمكن تسميته بفريق 'التقديس الانتقائي' للتاريخ وبعض شخصياته وصحابته وخلفائه. وتأتي مسألة الصراع على السلطة في بدايات العهود الإسلامية كأبرز ذلك الخلاف أو ما يمكن بتسميته الفارق بين فريقي التقديس الكلي والتقديس الانتقائي.
وقد بدأ الصراع على السلطة بين المهاجرين والأنصار، أي بين قريش والأوس والخزرج، ثم بعد ذلك بين قريش نفسها، وترجمه فريق التقديس الكلي بكتابتهم للتاريخ على أن الصراع فتنة كبرى وحسب، بينما يفهمها بل ولا يزال يعيشها فريق آخر على أنها كانت صراعا بين الحق والباطل لا يزال مستمرا حتى اليوم. ففريق يرى ضرورة تقديس كل ما جرى من صراع وغلق بابه لأسباب دينية وسياسية معا، بينما يرى فريق آخر ضرورة الانحياز لفريق من أهل تلك الحوادث الكبرى بل واستمرار الانحياز بمبررات دينية لأسباب سياسية كذلك.
وتشكل محاولة الباحث محمد البغيلي هنا جرأة بحثية لمحاولة فهم جزء من ذلك الصراع على السلطة، فهو هنا يحاول أن يضع تلك الحوادث الكبيرة التي شكلت بدايات الدولة العربية-الإسلامية، ويسجل حوادث تاريخية تشرح أسباب حدوثها ودوافع ارتكابها، وذلك من خلال تسجيل نماذج للمعارضة السياسية في بدايات تشكيل الدولة بعد انتهاء مرحلة النبوة، فهو يتطرق للكيفية التي آلت بها الخلافة للأربعة الأوائل الذين يطلق عليهم أهل التقديس الكلي الخلفاء الراشدين، بينما لا يعتبرهم فريق التقديس الانتقائي جميعا كذلك. ويذكر الباحث نماذج كانت وراء المعارضة لهذا الخليفة أو ذاك، وكانت في غالبها تقابل بالرفض والتصدي وأحيانا بالقمع والقتل.
خلاصة هذا البحث –كما أفهمها- هي أن الدين شيء والتاريخ السياسي شيء آخر، وأن المواقف السياسية على امتداد تاريخنا- مثلما تاريخ الأمم الأخرى- كانت تتخذ من الدين مبررا لها، بل إن التفاسير الدينية للأحداث يكون دافعها السياسة والمصالح المنفعية. ويشكل هذا البحث إضافة لمحاولات لم تتوقف تطالب بإعادة كتابة وفهم تاريخنا على أسس علمية جديدة.
سعد بن طفلة العجمي
الكويت
30نوفمبر2013م
تعليقات