مسلمو جورجيا.. معاناة سياسية وأعباء اقتصادية..ولايجدون نصيرا
عربي و دوليأغسطس 19, 2008, منتصف الليل 1089 مشاهدات 0
على الرغم من أن الإسلام عرف طريقه في وقت مبكر إلى جورجيا؛ حيث شهدت العلاقات الجورجية تطورًا ملحوظا مع الدول الإسلامية في العصور الوسطى، خاصةً مع دولة سلاجقة الروم، ومن بعدها مع الدولة العثمانية، إلا أن انهيار روسيا القيصرية بظهور الثورة الشيوعية، ومن بعدها إنشاء الاتحاد السوفيتي السابق, ألحق بالإسلام وبالمسلمين أضرارًا بالغة، كان من بينها التهجير القسري داخل أراضي وأطراف الدولة، أو النفي في أصقاع سيبيريا، علاوةً على هدم المساجد، وحرق القرآن، وعدم السماح بطباعته، وسَجن مَنْ يُعْثَرُ في بيته على نسخةٍ منه, وهو ما دفع الكثيرَ من المسلمين إلى الهجرة إلى تركيا وإيران وشبه الجزيرة العربية.
ومُؤَخَّرًا, ومع اندلاع الهجوم العسكري الروسي على جورجيا, في محاولةٍ لبسط نفوذها على عاصمة جمهورية أوسيتيا الجنوبية شمال جورجيا, والتي تعتبرها جورجيا نفسها جُزْءًا منها, فإن كل ذلك يستدعي التوقفَ عند طبيعة المسلمين في جورجيا وأوسيتيا الشمالية والجنوبية, مع بعض الإطلالة التاريخية, عن البدايات الأولى للإسلام في جورجيا.
والناظر في أحول مسلمي جورجيا على مدى السنوات الماضية, يلحظ أنه لم تتبدل أحوالهم، بل بقوا أسرى الفقر والتهميش والتصفية من جانب الآلة العسكرية الجورجية، في وقتٍ لا يزال فيه العالم الإسلامي يغط في سبات عميق!
وزاد الطين بلةً المعاناة الاقتصادية التي تواجه مسلمي جورجيا، شأنهم شأن جميع المواطنين، بسبب انتشار الفقر والفساد السياسي والاقتصادي، وقيام الدولة بخصخصة وحدات القطاع العام دون أن تكون لها القدرة على جذب استثمارات تستطيع إقالة الاقتصاد الجورجي من عثرته.
ومن أهم المشاكل التي يعاني منها مسلمو جورجيا: النقص الكبير في الوعي الديني لديهم، نتيجة افتقادهم الواضح للمؤسسات الدينية، وعدم قدرتهم على تشييد مساجد ومراكز إسلامية لزيادة وعي أطفالهم وشبابهم بتعاليم الدين.
ويحاول المسلمون مواجهة هذا الأمر, عبر ابتعاث مئات الطلاب إلى مصر وتركيا للعودة للعمل كدعاة في المساجد والمؤسسات الإسلامية الموجودة، وفي المؤسسات المعتزم إنشاؤها في المستقبل، مع محاولاتهم إيجاد صِلات مع العالم الذي انقطعت أواصره بمسلمي جورجيا، مما أعطى حُكَّامَهَا فرصةً للعصف بهم، لا لشيء إلا لأنهم مسلمون يعتزون بإسلامهم.
وعادةً ما يصدر عن مسلمي جورجيا, العديد من الدعوات المطالبة بضرورة تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي, لتتبنى قضية المسلمين هناك، واستغلال علاقات الدول العربية والإسلامية مع تبليسي؛ لتحسين أوضاع المسلمين في جورجيا, والوصول إلى حلٍّ وسطٍ يحافظ على حقوقهم، ويراعي في الوقت نفسه وحدة أراضي جورجيا.
إلا أن عدم الاستجابة لدعوات المسلمين، أدى إلى تعاظم المأساة, وخاصة مع اندلاع الحرب الأخيرة بين تبليسي وموسكو, في الوقت الذي يؤكد فيه مسلمو جورجيا تمسكهم بالهوية الإسلامية, ووجود شعور كبير لديهم بأهمية دور الإسلام في حياتهم الاجتماعية والسياسية.
دعم مفقود
مجمل القول: فإن أوضاع المسلمين في جورجيا لن تتحسن في السنوات القليلة المقبلة، لعدم وجود ضغوط عربية وإسلامية على جورجيا, في الوقت الذي يتحدث فيه سياسيوها عن الحرية التي يتمتع بها المسلمون بممارسة شعائرهم، بينما تُمَارَسُ ضدهم عمليات قتل وتصفية مستمرة في مناطقهم, مع منعهم من بناء المساجد، والتمييز بينهم سياسيا واقتصاديا.
وفي الوقت نفسه، يُعَدُّ الرئيس الجورجي الحالي ميخائيل سكاشفيلي من أبرز المناهضين للإسلام والمسلمين في البلاد؛ حيث سبق أن شَنَّ حربا على رئيس جمهورية أجاريا المسلمة المجاورة له؛ أصلان آباشدزه، في محاولةٍ لإبعاده, لأنه كان يسعى إلى دعم مسلمي جورجيا!
وفي الواقع، فإن جملة المضايقات التي يتعرض لها المسلمون في جورجيا, لا تقف عند الوقت الراهن, إذ أنها تمتد إلى بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما كانت حدة المضايقات التي تمارسها الحكومة الجورجية ضد مسلمي إقليمَيْ أوسيتيا وأبخازيا اللَّذَيْنِ انفصلا عن جورجيا بشكل أحادي, قد تزايدت مع استمرار الحملة الأمريكية العالمية ضد ما يُسَمَّى بالحرب على الإرهاب في ظل تجاهلٍ وتواطؤ دولِيَّيْن.
ويُقَدَّر عدد المسلمين في جورجيا بحوالي 500 ألف نسمة ويمثلون 9.9% من عدد السكان, حسب الإحصائيات المعلنة، وينتشر المسلمون بجورجيا وملحقاتها من المناطق التي تخضع للحكم الذاتي، ويتبعون الإدارة الدينية لمسلمي شمال القوقاز، ومركزها بداغستان.
وفي جورجيا حوالي 75% من الشعب هناك من معتنقي الطائفة الأورثوذوكسية المسيحية، و12.1% من معتنقي الطائفة الكاثوليكية، و9.9% من الشعب الجورجي من المسلمين، أما الـ 3% الباقون فيتبعون مذاهب وديانات أخرى مثل اليهودية، وهناك نسبة ممن لا يتبعون ديانة.
مسلمو أوسيتيا
أما أوسيتيا الجنوبية, فوفق ما هو معروف تاريخيًّا, فإنها تُطِلُّ على البحر الأسود، وتصل نسبة المسلمين فيها إلى 65% من سكان الإقليم, وعاصمتها مدينة (تسخنفالي)، ويحاول مسلمو أوسيتيا الجنوبية الانفصال عن جورجيا، والاتحادَ مع مسلمي الشمال.
وأدت حملات الاضطهاد المستمرة ضد أوسيتيا إلى تدهور أحوال المسلمين الذين بقوا أسرى الفقر والتهميش، علاوةً على قلة الوعي الديني لديهم، نتيجةَ افتقادهم للمؤسسات الدينية، وعدم قدرتهم على تشييد مساجد ومراكز إسلامية.
وعلى الرغم من ذلك, فإن هناك بعض الأعمال التي يقوم بها المسلمون للتقريب فيما بينهم, وتحديدًا في أوسيتيا الشمالية, وَفْقَ ما كان يدعو إليه علي حاجي يفتييف؛ مفتي أوسيتيا الشمالية, بإقامة أجواء اجتماعية بين المسلمين هناك, بما يساعد على مزيدٍ من التلاحم المثمر بين المسلمين, في الوقت الذي كان يثير ذلك حَنَق معظم سكان أوسيتيا الشمالية من المسيحيين الأرثوذكس.
ومنذ اندلاع الحرب الروسية الجورجية، طيرت وكالات الأنباء ما يفيد بأنّ المسلمين في أوسيتيا، أصبحوا ضحايا هذه الحرب, للدرجة التي جعلتها تصفهم بأنهم يدفعون لقاء الحرب بالوكالة, بعد تزايد أعداد الضحايا من أبناء أوسيتيا الجنوبية من المسلمين, دون الحديث عنهم في وسائل الإعلام العالمية، أو اجتماعات مجلس الأمن .
لمحة تاريخية
وقديما، كانت جورجيا تعرف, باسم بلاد الكرخ؛ حيث أطلق العرب هذا الاسم عليها، وهي تجاور بلاد الرحاب من الشمال، والرحاب عند الجغرافيين العرب اصطلاح يشمل أذربيجان وأرمينيا وأران، لهذا فانتشار الإسلام بجورجيا كان مرتبطًا بانتشاره في بلاد الرحاب.
وكانت أولى خطوات الإسلام نحو المنطقة في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، وسيدنا عثمان بن عفان, رضي الله عنهما, حيث وصل إلى المنطقة حبيب بن مسلمة الفهري في غزوة إيمانية، وفي عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أرسل إليهم حاتم بن النعمان، وفي عهد عبد الملك بن مروان أرسل إلى المنطقة محمد بن مروان، الذي حكم المنطقة مدة طويلة، وثَبَّتَ وجود الإسلام فيها، وقضى على غزو الروم والخزر لمنطقة الرحاب .
وفي عهد العباسيين أُطْلِقَ على المنطقة اسم 'الثغور'؛ لمواجهتها للروم، وقاد الخلفاء العباسيون العديد من الحملات في صراعهم مع الروم، غير أنّ عنصرًا وطنيًّا ظهر بين مسلمي هذه المنطقة، فتولت 'أسرة البطارقة' حكم معظم منطقة الرحاب، بما فيها جورجيا، واعترفت الدولة العباسية بإمارة هذه الأسرة الوطنية المسلمة، ومكث حكم البطارقة حتى جاء الغزو السلجوقي، فبسط الأتراك السلاجقة نفوذهم على منطقة الرحاب في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري، وقد دعم حكمهم الإسلامَ بالمنطقة.
وظل حكم السلاجقة ثابتًا، حتى اجتاح الغزو المغولي البلاد وما حولها، وتعرضت منطقة الرحاب للتدمير. ولَمَّا اعتنق المغول الإسلام ازدهرت الدعوة بالبلاد من جديد، حتى إذا ألمَّ بهم الضعف تقاسم السيطرة على جورجيا الأتراك العثمانيون، والفرس، وداغستان.
واشتد الصراع على حكم جورجيا وأرمينيا، ولما ضعفت الإمبراطورية العثمانية بدأ قياصرة روسيا التدخل وأعلنوا الحماية على بلاد القوقاز، وأعلنوا ضمها إليهم في سنة ( 1198هـ - 1784 م )، ثم أعلنوا ضمها إليهم في (1225 هـ -1800 م) بعد حرب خاضتها روسيا ضد العثمانيين والشيشان وداغستان في سنة (1346 هـ - 1922 م ).
المصدر: الإسلام اليوم
تعليقات