المد الأيديولوجي للإسلام السياسي بدأ يتراجع.. هذا ما يراه وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 910 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  تأثيرات المد الأيديولوجي

وليد الرجيب

 

عندما تتغير الظروف الموضوعية أو الثقافة السائدة في مجتمع ما، تترك تأثيرها على البلدان والمجتمعات الأخرى، كما يلعب الوضع الدولي والصراع بين الدول والحروب ونتائجها دوراً في تشكل واقع موضوعي يعكس تأثير وسيادة مد أيديولوجي معين في هذا الوضع، فعلى سبيل المثال تشكّل وضع قومي عربي منذ الدولة العثمانية وتبلور أكثر بعد اغتصاب فلسطين، واستمر هذا المد القومي كشعور سائد يقاوم الاستعمار الأجنبي حتى هزيمة 5 يونيو، التي أثرت على الوضع النفسي للقوميين والوطنيين وتركت فراغاً فكرياً وسياسيا ملأته قوى الإسلام السياسي بدعم من الأنظمة العربية وبإيعاز غربي وأميركي، فأصبح المد الأيديولوجي آنذاك مداً إسلامياً سياسياً.

وفي النصف الثاني من القرن الماضي عندما كان الطابع العام للشعوب والدول هو طابع التحرر الوطني، وقام جمال عبد الناصر بإجراءات تأميم وبناء اقتصاد وطني، انتشر الفكر الاشتراكي والوطني في معظم الدول العربية التي حاربت الاستعمار والأنظمة الملكية المتحالفة معه.

وفي ظني أن المد الأيديولوجي للإسلام السياسي بدأ يتراجع في الوقت الذي بدأ فيه المد التقدمي واليساري ينهض في العالم أجمع، منذ الأزمة الاقتصادية البنيوية التي برزت عام 2008، وهناك شواهد ملموسة سواء تاريخية أو في هذه الفترة.

ففي مصر سقط حكم الإخوان المسلمين على يد الشعب المصري الذي خرج منه ثلاثون مليونا في الميادين والشوارع لإسقاطه، وها هي السعودية وبعض دول الخليج تضع الاخوان على قائمة الإرهاب، وفي الكويت فقدوا احدى أهم معاقلهم مثل جمعية الروضة التعاونية ليحل مكانهم ليبراليون، كما فقدوا أهم معقل مالي وهو بيت التمويل الكويتي إذ خرجت هيئته الشرعية وإدارته ليأتي مكانهم أبناء التجار، وفي خبر نشرته جريدة «الراي» يوم 2 ابريل تحت عنوان «كاميرون يأمر بالتحقيق في علاقة الاخوان بالتطرف»، وسط توقعات بأن يؤدي تحقيق جهازي المخابرات البريطانية «إم أي 5» والخارجي «إم أي 6» إلى صدور قرار بنزع الشرعية عن الاخوان في بريطانيا وإعلانه تنظيماً غير قانوني، أي فك الارتباط التاريخي بين بريطانيا والاخوان المسلمين الذي بدأ في ثلاثينات القرن الماضي، حيث تُعتبر بريطانيا معقلاً مهماً وأساسياً للاخوان.

فعادة عندما تسود أيديولوجية أو ثقافة ما، يندمج بها مجموعة من المريدين والمنتفعين والمؤيدين، فعلى سبيل المثال في فترة الثمانينات وما بعدها في الكويت سادت مظاهر اللحية و«الدشداشة» القصيرة وغيرهما عند كثير من الأشخاص ليس لهم علاقة بعضوية الاخوان، وما حصل في مصر من تراجع في المظاهر الدينية وضعت الاخوان في حجمهم الطبيعي بعد أن انفض عنهم المنتفعون والمؤيدون عدا عن المنشقين عنهم، فانكسرت أسطورة «أقوى وأكبر التنظيمات السياسية»، وهذا بالتأكيد سيترك تأثيره على بقية الدول العربية.

وعندما انتشرت الأيديولوجية اليسارية والتقدمية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي في مصر، انضم للحزب الشيوعي المصري والتف حوله كثير من الأصدقاء واليساريين بشكل عام من الناس والمشاهير بمن فيهم الفنانون مثل الممثل علي الشريف وعزت العلايلي وجميل راتب والأديب يوسف إدريس والأديب صنع الله ابراهيم والشاعر الشعبي صلاح جاهين والشيخ إمام ولفترة أحمد فؤاد نجم والأديب ابراهيم عبدالمجيد وابراهيم أصلان ورضوى عاشور ونعمان عاشور، وتبنّت الممثلة الراحلة سعاد حسني وزوجها علي بدر خان اتجاهات الحزب واليسار، والأمثلة كثيرة وهذا في مصر فقط، وكذلك انعكس أيضاً على الدول العربية الأخرى فأبرز الأمثلة في لبنان هو الفنان زياد رحباني ومارسيل خليفة وغيرهما اللذان انضما للحزب الشيوعي اللبناني، وهناك أمثلة مهمة في العالم مثل الشاعر الإسباني لوركا والفنان التشكيلي بابلو بيكاسو وبول إيلوار ولويس أراغون وبابلو نيرودا وناظم حكمت الذين انضموا إلى الأحزاب الشيوعية في بلدانهم، وأيضاً الأمثلة كثيرة.

وتوقعاتي الخاصة أن الزمن المقبل سيشهد مثل هذه الأمثلة سواء على المستوى العربي أو العالمي، إذ كل مد أيديولوجي أياً كان يسود كواقع موضوعي يلتف حوله العديد من الناس والمثقفين والفنانين، فهل نعيش الآن في عصر الفكر التقدمي واليساري؟

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك