اهتمام كبير من وزارة الأوقاف المغربية بالتراث المخطوط

منوعات

خزائن التراث المغربية.. مكتبة الزاوية الحمزية العياشية «نموذجاً»

1771 مشاهدات 0

المقر الجديد للزاوية الحمزية (الأنباء)

تقع زاوية سيدي حمزة التي تنتسب إليها مكتبة الزاوية الحمزية العياشية، جنوب مدينة ميدلت من إقليم تافيلالت، بـ 60 كلم، حيث تعرف هذه القرية الصغيرة، المبنية على الشكل القديم لمباني الإقليم، بزاوية سيدي حمزة، بعدما كانت تعرف بالزاوية العياشية، وبزاوية أبي سالم، وزاوية سيدي محمد بن أبي بكر، وهذا الأخير هو مؤسس الزاوية والجد الأعلى لكثير من سكانها.

حيث كانت قرية عالمة، ومركزا ثقافيا، وكانت تعقد في مسجدها حلقات علمية متعددة، وكراسي فنون متنوعة يتولى التدريس بها علماء في مختلف التخصصات، كما أن القائمين عليها كانوا ـ رحمهم الله ـ يقتنون الكتب ويختارون العيون والأمهات في جميع التخصصات، وينسخون بالزاوية الكتب العديدة، لتوفير لمراجع الكافية للطلاب.

وقد كان لهذه الزاوية ماض علمي مشرق شع في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الهجري، وامتد نحو قرن من الزمن، ولاتزال بقايا من هذا العصر الذهبي تلمع في بقعة مدفونة وسط زاوية سيدي حمزة، وتقع على مقربة من دار أبي سالم العياشي، وترتفع عنها قليلا في مرتقى صعب، يؤدي إلى حجرة صغيرة توجد بها ست خزائن خشبية مختلفة الأحجام، ومملوءة بالكتب التي تتكون منها مكتبة الزاوية الحمزية، أو بأدق تعبير بقايا هذه المكتبة.

وقد اهتمت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية بالتراث المخطوط، حيث وضعت استراتيجية في غاية الأهمية تهدف إلى ضبط وحصر وتقييم الموجود من التراث المخطوط بالخزانات الوقفية التي تشرف عليها، كإجراء أولي، في مرحلة أولى، تليها عملية الترميم والإصلاح لما تضرر منها ومحاولة إنفاذه، ثم سلسلتها لإعداد مكتبة رقمية لمجموع المكتبات الوقفية، تكون رهن إشارة الباحثين والمثقفين عموما والمهتمين بالشأن التراثي خصوصا.

وقال وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية السيد أحمد التوفيق إن «الزاوية العياشية بماضيها العلمي الزاخر وموقعها المتميز ورجالاتها الأعلام نشرت ألوية العلم وقيم الإيمان والتقوى وخلفت نتاجات أدبية فكرية رائعة خلدت فترة مهمة من العطاء الثري والسخي».

وأضاف السيد التوفيق، ان «تاريخ الزاوية المشرق لم يكن ليصرف نظرا الوزارة عن حاضر الحالة المزرية التي تعيشها خزانتها المعروفة بالخزانة الحمزية الزاخرة بالمصنفات والمصادر الأمهات مما يندر وجوده في غيرها».

وأوضح، في هذا السياق، أن الوزارة اهتمت بالزاوية من جانبين يتعلق أولهما بالترميم والإنقاذ وذلك من خلال إدراجها في مسلسل برنامج الوزارة الرامي إلى ترميم المساجد، فيما يتعلق الثاني ببناء مقر جديد لخزانتها مجهزة بوسائل الحفاظ على المخطوطات وصيانتها، وذلك بتكلفة إجمالية ناهزت خمسة ملايين درهم وعلى مساحة 608 امتار مربعة، ومذكرا بأن الوزارة أصدرت سنة 2009 فهرسا وصفيا للمخطوطات التي تتوافر في مكتبة الزاوية الحمزية العياشية.

وفي هذا الصدد، أقدمت الوزارة على خطة في غاية الأهمية، تهدف إلى فهرسة كل مكتبة على حدة، ووفق مواصفات علمية وتقنيات حديثة، وحصر ما تدعو الضرورة إلى إصلاحه أو ترميمه، وطبقت هذه التجربة على أول مكتبة، وهي مكتبة مولاي عبدالله الشريف، بمدينة وزان، فأتت بنتائج طيبة، وبعد نجاح هذه الخطوة ـ الأولى ـ أسندت مهمة فهرسة مكتبة الزاوية الحمزية العياشية بإقليم الرشيدية، للدكتور حميد لحمر.

والهدف من فهرسة التراث المخطوط بالخزانات الوقفية على يتلخص فيما ما يلي:

1 - صيانة الموروث الثقافي المحبس.

2 - إعداد فهرس ضابط للموجود بالمكتبة.

3 - التعريف بالموجود، وتمكين الباحثين من التعرف على محتويات المكتبة.

4 ـ انقاذ المتضرر منه: بالترميم والاصلاح والتصوير على الميكروفيلم والرقمي.

5 ـ تيسير سبل الاستفادة من هذه الكتب لجميع الباحثين والمهتمين بمجال الكتاب التراثي المخطوط وبطريقة سليمة.

اما القيمة المضافة على فهرسة مكتبة الزاوية الحمزية العياشية فيمكن اجمالها فيما يلي:

أولا: تسجيل مجموعة كبيرة من العناوين التي لم تظهر في الفهرسة الاولى، خصوصا في محتويات الكتب المجاميع، بحيث ارتفع عدد المخطوطات من 1540 الى 1911 عنوانا.

ثانيا: الوصف الدقيق المفصل، الذي يتماشى وتقنيات الفهرسة الحديثة.

ثالثا: تمت الفهرسة حسب العلوم، بدءا بالمصاحف المخطوطة، ثم كتب علوم القرآن والتفسير، فالحديث وعلومه، ثم اصول الدين، وهذا يساعد الباحث على الوقوف على صنف العلم الذي يبحث فيه.

رابعا: العمل على عد صفحات كل المخطوطات واثبات ارقامها في الفهرس.

خامسا: اضافة تعاليق في غاية الاهمية.

وتعتبر الخدمة المكملة لعملية تسجيل اسماء الكتب ومؤلفيها، ومسطرتها واولها وآخرها ـ كالبحث عن اسماء المؤلفين بالكامل وما اشتهروا به وتاريخ وفياتهم والمصادر التي تعرضت لذكر الكتاب ـ من اصعب المعوقات التي تواجه عملية الفهرسة.

هذا وقد زار المكتبة علماء كبار من المغرب والمشرق وباحثون معروفون على المستوى العالمي باهتمامهم بمجال التراث المخطوط المالكي مثل د.ميكلوش موراني ـ مثلا ـ من جامعة بون في المانيا، كما زارها وتأثر بأصولها النفيسة العلامة محمد بن حماد الصقلي.

وتزخر المكتبة بالنفائس من الكتب في شتى صنوف العلم، منها ما تنفرد به عن باقي مكتبات العالم ـ المخطوطة ـ مثل كتاب تهذيب المسالك في نصرة مذهب مالك لابن دوناس الفندلاوي المالكي، الذي حققه د.احمد البوشيخي من جامعة فاس، وكتاب المذهب في ضبط مسائل المذهب لأبي عبدالله محمد بن راشد القفصي الذي حققه د.محمد بن عبدالهادي ابو الاجفان وغيرها من كتب الطب والفلك والرياضيات والجغرافيا والتفسير والحديث.

وحفاظا على هذا الموروث الثقافي المحبس، تعمل وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية بالمغرب جاهدة على اصلاح بعض المخطوطات المفككة الاوراق وعلى تصوير الخزانة تصويرا رقميا لتكون رهن اشارة الباحثين وتيسير عملية الاستفادة من الكتاب.

محمد المنوني.. الخزانة المتحركة

يعتبر محمد المنوني رمزا من رموز الخبرة التراثية في البلاد العربية في القرن العشرين، حيث كان خبيرا في البحث والكشف عن خبايا التراث الثقافي في مختلف الخزانات المغربية والمكتبات سواء منه المطبوع او المخطوط.

وقد عمل استاذا ومحققا ودارسا ومفهرسا، ذلك سواء في الخزانة الوطنية بالرباط والمكتبة الحسنية بالقصر الملكي، حيث كان متضلعا في الدراسات الفقهية والحضارة الاسلامية وخبيرا بمختلف المراحل التي مر بها المغرب وعصوره، فكان بحق مرجعا ومصدرا للخبرة والضبط والتوثيق.

بعد حفظه القرآن وتعلم الكتابة والقراءة وحفظ المتون في بداية حياته، تفرغ بمدينة مكناس للتفقه في مختلف العلوم خاصة منها المادة الفقهية، حيث درس اهم المصنفات الفقهية المغربية كـ «مختصر خليل» و«المرشد المعين» بشرح ميارة، والرسالة، ثم بعد ذلك التحق بجامع القرويين ومكنه ذلك من الاطلاع على خزانة القرويين التي كانت منبعه المعرفي الاول، وقد توجت هذه السنوات من التحصيل المعرفي في ان تكونت لدى الفقيه المنوني حصيلة علمية مهمة في مختلف افرع المعرفة من فقه وتفسير وحديث ونحو وبلاغة.

وبعد تخرجه من القرويين تفرغ للكتابة والتدريس ومتابعة البحوث التراثية الحضارية، وبعد استقلال المغرب التحق بالمكتبة الوطنية بالرباط ثم الخزانة الملكية في القصر الملكي، كل ذلك مكنه من الاطلاع على عيون التراث المغربي، حيث اخذ ينشر ابحاثا تعرف بنفائسه ونوادره وامهاته.

نال الفقيه اجازات علمية من كبار العلماء، كما كان يطلق عليه بالمغرب الخزانة المتحركة كما وصفه مترجموه بالفقيه المشارك البحاثة، وفي العام 1999 انتقل الى رحمة الله بمدينة الرباط.

 

المخطوطات في الغرب الإسلامي

يطلق المخطوط او الكتاب المخطوط على كل ما كتب بخط اليد سواء كان قديما او حديثا، وسواء كان مكتوبا على ورق او على رق او خشب او حجر، فكله يعتبر مخطوطا.

تتميز المخطوطات في الغرب الاسلامي عن غيرها بكثرة اصناف العلوم والفنون، فمثلا تعتبر خزانة جامعة القرويين من اقدم المكتبات في العالم وكذلك الخزانة الملكية في الرباط، حيث تشتمل كل منهما على مجموعة من اصناف العلوم، وتتميز كذلك بكثرة المادة الفقهية، وهذا يدل على ان الغرب الاسلامي مهتم بتنظيم علاقة الانسان بالانسان وعلاقة الانسان بخالقه، بحيث تكون المادة الفقهية اكثر بالمخطوطات من المواد الاخرى مع وجود علوم اخرى مثل كتب الرياضيات وكتب الفلسفة وكتب اللغة العربية وعلم الفلك.

كما يتسم الكتاب المخطوط الغرب الاسلامي بتميزه بانواع من الخطوط، والمغاربة اشتهروا وعرفوا بالتفنن بكتابة الخط، حيث هناك الاندلسي الذي انتقل من الاندلس الى المغرب الاقصى او الى شمال افريقيا بكامله، ثم هناك الخط الكوفي: الخط الكوفي العراقي، والخط الكوفي المتمغرب، ومنه الخط الكوفي القيرواني والخط الكوفي الاندلسي والخط الكوفي المزركش.

وفي الغرب الاسلامي هناك خطوط كثيرة منها الخط المرونق والخط المجوهر والخط الثلث والخط المبسوط، وهناك كتابات بماء الذهب خصوصا كتب الاحاديث كموطأ الامام مالك وكتاب صحيح البخاري وكتاب صحيح مسلم، تمتاز كل هذه الكتب بالزخارف وبعناوينها المحلاة بماء الذهب.

ومن اقدم المخطوطات القديمة والتي تم العثور عليها مؤخرا في خزانة جامعة القرويين كتاب مختصر عبدالله بن عبدالحكم المصري توفي سنة 214هــ.

وقد كان المجتمع في الغرب الاسلامي مهتما ليس بعلوم الدين فقط بل بالعلوم الاخرى مثل علم الفلك لضبط الاشهر ولضبط الاوقات وكذلك في الطب وهذا يدل على ان مجتمع الغرب الاسلامي مجتمع متطور، ففي خزانة الزاوية الحمزية في جبال الاطلس في منطقة نائية جدا تجد هذه المنطقة عبارة عن مدينة كاملة باطبائها وعلمائها وعلماء الفلك وعلماء اللغة العربية وعلماء الدين، وقد قام فريق متخصص برئاسة د.حميد لحمر بفهرسة ما يقارب 1900 مخطوط في مكتبة الزاوية الحمزية في مختلف العلوم والفنون.

الأنباء: بقلم الباحث نايف شرار

تعليقات

اكتب تعليقك