الربيع العربي صار مأساة إنسانية غير مسبوقة.. بنظر حامد الحمود
زاوية الكتابكتب مارس 8, 2014, 12:04 ص 630 مشاهدات 0
القبس
هل نستطيع أن نهرب؟
د. حامد الحمود
• هل يشكل مفهومنا البدائي للتاريخ ثقباً أسود لا نستطيع أن نفلت منه؟!
كنت أود أن أكتب عن مستقبل مصر بعد تولي المشير السيسي الرئاسة متسائلاً عما إذا كان الاستقرار سيتحقق في هذا البلد، وهل سيتحقق هذا الاستقرار على حساب تراجع الحريات على نحو يستعاد فيه نظام مبارك من دون مبارك؟ وإلى أين ستنتهي مطاردة «إرهابية» الإخوان المسلمين؟ وهل سيكون كل صوت معارض إرهابياً؟ ولا بد أن أعترف أني كنت مترددا في الخوض في هذا الموضوع خشية أن أعتبر متعاطفاً مع الإخوان. وهي تهمة تقود إلى السجن في مصر وإلى العزل وربما الازدراء خارج مصر. ولحسن الحظ، اعترضني مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز في 18 فبراير الماضي بعنوان «إنها وجبة خفيفة للكون». والمقال موجه إلى القارئ العادي مثلي والذي لا يعرف إلا قليلا جدا في الفيزياء وعلم الفلك. والأهم من ذلك أنه موضوع يكفل إبعادي عن موضوع محرج.
يتحدث المقال عن ظاهرة كونية ستحدث في نهاية مارس المقبل، حيث سيتمكن العلماء لأول مرة من مشاهدة سحابة غازية تبلغ كتلتها ثلاثة أمثال كتلة الارض، تجذب ثم تمتص من جسم آخر يُطلق عليه ثقب أسود تعادل كتلته 400 مليون كتلة الشمس، التي تبلغ كتلتها 333 كتلة الأرض. وما يُطلق عليه ثقب أسود هو عكس حقيقته، حيث إنه جسم صلد. ولتوضيح ذلك، فإنه لو تحولت الشمس إلى كثافة هذا الثقب الأسود نفسها لأصبح حجمها 3 كيلومترات مربعة فقط. ومن خصائص هذا الثقب الأسود أنه لا شيء يستطيع أن يهرب من قوة جاذبيته، حتى الضوء الذي تبلغ سرعته حوالي 300 ألف كيلو متر في الثانية لا يستطيع الهروب منه. والغريب في هذه الظاهرة الكونية التي سيشاهدها العلماء قريبا أنها حدثت منذ 26 ألف سنة، لكن صورتها أو الضوء الصادر من الكتلة الغازية المنجذبة نحو الثقب الأسود سيصل إلى نقطة تمكن العلماء من مشاهدته في الأيام القليلة المقبلة، مع أن هذا الحدث الكوني حصل على بعد 26 ألف سنة ضوئية. والسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة.
هذا وقد يشكك القارئ في هذه الدقة التي يتحدث فيها العلماء عن المسافات والسرعات والكتل. وهو أمر مقدر، فنحن، القراء العاديين، ننبهر أو نشكك لقلة معرفتنا بالفيزياء وعلم الفلك. لكن ما قد يساعدنا على أن نثق بهؤلاء العلماء وأرقامهم الخيالية، هو أن المعرفة العلمية التي يتعاملون معها لمعرفة أسرار الكون هي نفسها التي طورت أجهزة معقدة نستخدمها يوميا ولا نعرف العلوم النظرية التي استندوا إليها لصناعتها. فما الذي نعرفه عن كيفية عمل الهواتف الذكية التي نستخدمها كل يوم؟
أخذني هذا المقال الى دقائق إلى أعالي الكون، إلى ثقوب سوداء ذات كثافات خيالية وإلى مسافات وسرعات يصعب تخيلها. لكن في النهاية لا بد من عودة إلى الأرض، إلى مصر وإلى مستقبلها، وإلى سوريا وتفتتها وعذابات أهلها، وإلى العراق والطائفية التي تنخره، وإلى التساؤل لماذا نحن إلى هذه الدرجة من التخلف؟ ولماذا تحول الربيع العربي إلى مأساة إنسانية لم يشهدها العالم منذ عشرات السنين؟ هل يشكل مفهومنا البدائي للتاريخ ثقبا أسود لا نستطيع أن نفلت منه، بمعنى اننا لا نستطيع أن نهرب من التخلف، أم انه اليأس الذي يدفع الى أن نعتقد ذلك؟ فاذا كان الضوء لا يستطيع أن يفلت من هذا الثقب الأسود، فكيف نستطيع نحن؟
تعليقات