في ذكرى رحيل الربعي تكتب ريم الميع
زاوية الكتابمحطات من حياته وأربعائياته ونضاله الوطني والسياسي
كتب مارس 5, 2014, 2:09 م 3335 مشاهدات 0
كتبت الإعلامية ريم الميع مقالا مع حلول الذكرى السادسة على رحيل النائب والوزير الأسبق أحمد الربعي، تنشره أدناه والتعليق لكم:
عندما تقلب صفحة اليوم ، الأربعاء 5 مارس 2014 ، تكون قد مرت ست سنوات على رحيل أحمد الربعي المتوفى يوم الأربعاء 5 مارس 2008 … تكون الأرض دارت كامل استدارتها ، في ستة سنوات ، لتعيدنا الى اربعاء رحيل الربعي ، وللربعي مع الأربعاء أربعائيات!
****
الكتابة عن أحمد الربعي ، كتابة عن تاريخ المنطقة ، بتحولاتها وتبدلاتها وثوراتها ، أراد أن يحدث الثورات يميناً وشمالاً وفي داخله الثورة وهو لا يدري …!
من صرخة الولادة الى حشرجة الموت عاش الربعي حياة قال عنها وهو على فراش المرض ” … “عشت 57 سنة حلوين… وإذا في عمري زيادة زين على زين…”
بين مشهدي موت وميلاد مضت حياته
سيرة احمد الربعي تبدأ وتنتهي بين مشهدين رئيسين يلخصان لحظتي الموت والميلاد
المشهد الأول :
الزمان : الثاني عشر من ديسمبر 1949
المكان : منزل بسيط في حي المرقاب
الحدث : ترزق أسرة متواضعة بمولود ذكر يمتلئ البيت بصوت بكائه ويملأ البيت بهجة وتيمنا وبشرا ويقرر والداه تسميته احمد نسبة إلى الشيخ احمد الجابر
المشهد الأخير :
الزمان : الخامس من مارس 2008
المكان : منزل بسيط في ضاحية قرطبة السكنية
الحدث : تتقاطر النسوة متشحات بالسواد لتأدية واجب العزاء للسيدة لمياء العبدالكريم بوفاة زوجها وتتساءل المعزيات عن سبب ازدحام مجلس العزاء فيأتيها الجواب : انه عزاء الربعي
وبين المشهدين ، مسيرة حياة ، 59 عاماً ، سكن فيها الخيمة وفنادق الخمس نجوم ، حمل السلاح وجمل الحقيبة الوزارية ، لبس البشت ولبس بزة المسجونين
بين ثلاث سجون ، عاش سجيناً متنقلاً أو هارباً أو مطارداً ، شكلت السجون الثلاث محطات ثلاث رئيسية في سيرته ومسيرته ، وان لم تتعديان الستة سنوات من سنوات عمره الذي قارب الستين لكنها أثرت فيه أبلغ الأثر
***
ولأحمد الربعي مع الهروب أسرار وأسرار وكلمة السر “توّه هنيه”
هو الذي كان طيلة حياته في حركة دائمة ومستمرة ، رغم ان مشيته تفتقر إلى الرشاقة ، كما يقول صديقه الراحل سليمان الفهد ” لأنه لا يحب الراحة فهو في حركة دائبة ومستمرة لا تكف عن الطيران والصعلكة في الدواوين والمدن والناس فهو موجود وغائب في كل مكان في الوقت نفسه ، هب انك تريد الاتصال به هاتفياً أو شخصياً واذا فعلتها فلا تعجب لو قال لك أهل بيته وزملاؤه في الصحيفة والجامعة وأصحابه في كافة الأماكن التي يرتادها بأن بوقتيبة كان لتوه هنا وغادر المكان قبل قليل !
كيف ومتى مر على كل هذه الأمكنة لابد في الأمر سراً لأن عبارة “توّه كان هنا وغادر منذ قليل” هي اللحن المميز الذي يلعلع به كافة من تسألهم عنه !
أما المرحوم محمد مساعد الصالح فيقول عنه “كنت طول عملنا في الوطن “أعاير” الربعي بشراء حبل لأربطه على الكرسي فهو لا يستقر في مكان واحد ، وأحياناً أحياناً أتفق معه على ان يكون معي عند زيارة سفير لنا ، وفي الموعد المحدد لا أراه وأسأل عنه عنه فأجده عند أبو يمن – صاحب مقهى المطبعة – لهذا تعجبت عندما علمت أنه قبل كرسي وزارة التربية فقد كنت أعرف عنه صعوبة جلوسه على الكرسي ، وفعلاً كنت أراقبه في مجلس الأمة حيث انه الوزير الوحيد الذي لا يستقر مكانه وكثيراً ما يذهب الى منصة رئيس مجلس الأمة للتشاور معه ، فأحمد الربعي لا يحب الاستقرار في مكان واحد بل هو سريع الحركة”
خلال توليه وزارة النربية قال عنه مرافقه الشخصي انه كاد ان يفقد وظيفته في حماية الشخصيات بسببه ، كان يختفي في مكان ويظهر في مكان فجأة ، كيف؟ ربما يفصح ذلك صديقه أحمد الجبر ” عندما كان يشعر انه مراقباً من أمن الدولة وغيرها كان يقول لي خذ مفتاح سيارتي واتجه بها شمالاً نحو الجهراء وعندما انطلق ويتأكد من مطاردة الجهات المكلفة بلاحقته لي يمتطي سيارتي ليتجة جنوباً نحو الأحمدي دون أن يلاحقه أحد”
الربعي الهارب ، استاذ جامعي ، وكاتب ، وسياسي ، ووزير ، ونائب ، له رواية رحل قبل ان يرويها : حكاية المناضل الذي خرج من السجون ليرتدي بشت الوزارة
ثلاث سجون عربية تنقل بينها الربعي ، الكويت ، عمّان عُمان .. منها هرب وفيها سجن!
هنا الكويت ، هنا البداية ، في وطنه الأول وسجنه الأول … والأخير
هنا ، ولادته ، دراسته ، مرضه ، الذي على أثره نقل للعلاج في في ولاية بوسطن الاميركية – نفس الولاية التي قصدها للدراسة قبل ثلاثين عاما- ثم عاد لوطنه قبل وفاته
***
مثلما الإنسان ابن بيئته كان الربعي دائما ابن مرحلته
***
محليا ، ولد في مرحلة التحولات الاقتصادية المتسارعة التي حولت الفقر المدقع إلى غنى فاحش بعد تصدير أول شحنة نفط من الكويت في العام 1946 في عهد أمير الكويت العاشر المغفور له الشيخ احمد الجابر الصباح الذي حكم الكويت في في الفترة من 1921 إلى 1950
كان جزءا من الحراك السياسي العام في الكويت وكان تطور أفكاره يسابق تطور الحياة السياسية الكويتية منذ إعلان الدستور في العام 1961 وحصول أول انتخابات نيابية في تاريخ الكويت في العام 1963 العام ثم وفاة المغفور له الشيخ عبد الله السالم في العام 1965 فانتقال الحكم إلى حاكم الكويت الثاني عشر المغفور له الشيخ صباح السالم في الفترة من 1965 إلى 1977
في المرحلة الثانوية التحق تنظيميا بحركة القوميين العرب وتتلمذ على يدي جورج حبش والدكتور احمد الخطيب فانضم إلى نادي الاستقلال – تأسس في العام 1962 وتم حله في العام 1976- لدى دراسته الداخلية في ثانوية الشويخ التي تحولت فور تخرجه منها إلى جامعة الشويخ ليدرس الفلسفة وكان فصله في الثانوية هو نفس فصله في الجامعة ففور تخرجه من ثانوية الشويخ تحولت إلى جامعة الشويخ التي افتتحت رسميا في العام 1966 باعتبارها جامعة الكويت و كان من أول الدفعات فيها
و في السنة الجامعية الأولى تطور وعيه السياسي من الانضمام إلى التنظيمات السياسية إلى الانشقاق عنها و تأسيس تنظيمات جديدة ففي العام 1967خاضت القوى الوطنية الانتخابات النيابية بقوائم موحدة في كل الدوائر تقريبا لكن الأحداث تسارعت بعد انتخابات 25 يناير1976 إذ إحاطتها بعض الملابسات من حيث التلاعب ببعض نتائج الانتخابات ثم نكسة 5 يونيو1967 ما أدى إلى انقسام حركة القوميين العرب في الكويت إلى ثلاثة تنظيمات سياسية هي : الحركة الثورية الشعبية التي كان الربعي احد قياداتها البارزين والتجمع الوطني بزعامة جاسم القطامي ومجموعة د• أحمد الخطيب والتي يطلق عليها القيادة التاريخية والتي اتخذت لنفسها تسمية حركة التقدميين الديمقراطيين الكويتيين
وكانت “الحركة الثورية الشعبية” تعقد اجتماعاتها الأولى إما على ساحل منطقة الدوحة شمالي الكويت أو في الدوار الفاصل بين شارعي دمشق والدائري الثالث بين الفيحاء والنزهة والروضة وتعبر عن طموح الشباب المتحمس الذي صدمته هزيمة1967 بتبني موضوعات اليسار والماركسية اللينينية نظريا وكفاحيا من خلال أسلوب الكفاح المسلح بطريقة أرادت من خلالها أن تؤكد إفلاس برنامج القوى الوطنية الكلاسيكية وعجزها بسبب تذبذب قياداتها وتضم الحركة إضافة إلى الربعي والديين عبد اللطيف الدعيج و عامر التميمي و حسين اليوحه الذي كان اكبر المجموعة سنا
ابرز ماقامت به الحركة توزيع منشورات سياسية وممارسة احتجاجات عنيفة على زيارة شاه إيران للكويت تمثلت في زرع قنابل صوتية على الطريق الرئيسية التي كان سيسلكها الشاه إذ ألقيت القنابل في منهول أمام منزل وزير الداخلية آنذاك الشيخ سعد العبدالله وأمام مبنى السفارة الإيرانية في الكويت ثم القيام بعمليات تفجير مماثلة استهدفت مجلس الأمة في الذكرى الثانية لانتخابات 25 يناير 1967
تم اعتقال عدد من أفراد المجموعة ومحاكمة أفرادها وقياداتها البالغ عددها 22 متهما تمت إدانة 11 منهم بينهم الربعي وتنقل الكاتبة نوريه السداني عن أمير الكويت الراحل المغفور له الشيخ صباح السالم قوله لها ” منذ لحظات خرج آباؤهم – يقصد آباء المعتقلين – كانوا يتوسطون لأبنائهم كي أخرجهم من السجن فقلت لهم تأكدوا بأنني عندما أضع رأسي على المخدة بالليل اشعر بالأسى واشعر بأنهم كأبنائي وأنا أتخيلهم في السجن ” وهكذا صدر عفو أميري عن كل أفراد المجموعة المعتقلين في فبراير1970 … ما عدا الربعي الذي حكم عليه غيابيا بعد ان هرب من الاعتقال في العام 1969 بصفته المتهم الهارب … وتمنى قبل رحيله ” إلا يتأثر شبابنا بتجربتنا فالعنف لا يؤدي إلى حل بل إلى تأزيم الأوضاع”
5 مارس 2014
تعليقات