واقع عمل المرأة في العالم العربي مثير للقلق.. هكذا يعتقد خليل حيدر
زاوية الكتابكتب يناير 30, 2014, 1:07 ص 1896 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / النساء.. قادمات!
خليل علي حيدر
تُشير كتب تاريخ الفن عادة الى الرسوم على جدران الكهوف من العصر الحجري القديم في دول عدة، بينها فرنسا واسبانيا، باعتبارها أولى ابداعات الانسان الفنية، كما افترض الكثيرون ان من رسمها كان بعض الرجال الموهوبين، وقيل الكثير في تفسيره وأسباب رسمها على هذه الجدران في تلك العصور السحيقة، غير ان البحوث التاريخية أثبتت اليوم فيما يبدو، ان المرأة كانت مظلومة في هذا المجال.ذلك ان موقع «ناشونال جيوجرافيك» أورد أخيرا كما جاء في الصحف، ان عالم الآثار في جامعة بنسلفانيا «دين سنو»، قد درس بصمات الأيدي على هذه الجدران لمدة عشر سنوات، ولاحظ ان آثار اليدين قرب رسوم الحيوانات وغيرها من الأشياء في هذه «الجداريات»، تتطابق مع وصف يدي المرأة، كما وُجدت آثار لليدين في كهوف عدة، حيث كان الرسام يضع يده على الجدار وينفخ الطلاء فوقها. وقال «سنو» ان أبحاثه «تشير الى ان %75 من عينات رسوم الأيدي كانت لنساء، ما يتناقض مع الاعتقاد السائد بأن رجال الكهف هم من وضعوا تلك الرسوم، لأن معظمها كانت لحيوانات يتم اصطيادها، وهو نشاط كان من اختصاص الرجل في المجتمعات القائمة على الصيد» (الحياة 2013/10/14).
والأرجح في اعتقادي كذلك، ان نساء الكهوف هن اللواتي كن يقمن بتقطيع لحوم تلك الحيوانات.واعداد طعام العشاء! أشارت الصحف هذا العام كذلك ان الرجال في دراسة حديثة، أكثر من يغش في مجال البحوث العلمية مقارنة بالنساء. وتقول القبس الكويتية، 2013/1/29، أن باحثين أمريكيين قاموا بتفحص 228 بحثاً علمياً، تضمنها تقرير مكتب رقابة مصداقية البحوث التابعة للحكومة الأمريكية ما بين 2010-1994. «وتبين من خلال الدراسة ان الرجال يتفوقون على النساء في الغش في مختلف الفئات سواء تعلق الأمر بطلبة الدكتوراه او الطلبة او فئة خريجي الجامعات».
وفي مجال تفسير هذا الانحراف الذكوري، قال الباحثون «اكثر مخاطرة من النساء، وهذا يمكن ان نعزوه الى ميل الرجل للمنافسة فيما تخاف النساء من العقوبات».
وتعم المجتمعات الغنية في الغرب، تقول الصحافية الأمريكية «ليزاموندي»، ظاهرة زواج نساء مستوى تعليمهن يفوق مستوى تعليم الزوج أو القرين.«ففي الولايات المتحدة تبلغ هذه الزيجات %28، نظير %19 للزيجات التي يفوق فيها مستوى تعليم الرجل مستوى تعليم النساء، بموجب احصاء 2007.ويحاول الرجال في اليابان وكوريا الجنوبية، التملص من هذا التفاوت، ويشترطون على وكالات التزويج اختيار زوجات لا يتفوقن عليهم.وتبحث الوكالات عن الزوجات المرغوبات في بلدان آسيوية فقيرة». (الحياة 2013/6/26).
كانت الطرفة الرائجة في الماضي ان تقول الزوجة لزوجها: «الحياة اخذ وعطاء. انت تعطي وانا آخذ»! ولا شك ان الصورة بدأت في التحول اليوم وقد عرّفت افتتاحية صحيفة «التايمز» اللندنية قبل قرن ونصف تقريباً، عام 1868، الزواج فقالت انه «سلطة من جهة، وانقياد من جهة اخرى». وتساءلت الصحيفة المحافظة آنذاك: «اذا امتلكت الزوجة ثروة استطاعت التصرف بها، فما الذي يحول دون ان تذهب حيث تشاء، وان تفعل ما يحلو لها».
وتقول الصحافية الأمريكية «موندي» نفسها، ان العقد بين الرجل والمرأة على وشك الانهيار: «فاليوم %58 من الحائزين على شهادة جامعية في نهاية المرحلة الأولى هن من الجامعيات، وهن يبلغن نصف المتدربين في مكاتب المحاماة و%56 من طلاب الطب، وكن %25 من هؤلاء في ستينات القرن الماضي.وكانت الأميرة ديانا أقل تعليماً من زوجها الأمير تشارلز، وأما دوقة كامبردج «كايت ميدلتون»، فقد تكون أول ملكة جامعية في تاريخ العرش البريطاني».
وتشير الأرقام المتداولة الى ان النساء يشكلن نسبة متنامية من أثرياء العالم، سواء كان مصدر ثروتها عملها أو ميراث أو من الطلاق.وتقول «رزان عدنان» في تقرير صحافي: «عندما أطلقت مجلة فوربس الأمريكية قائمة أثرياء العالم لسنة 2012، بلغ عدد الثريات في العالم 21 امرأة، يساوي مجموع صافي ثرواتهن 248.6 مليار دولار.ولا تُعد ثروة النساء المتزايدة ظاهرة غربية بحتة، اذ وفقاً لما تقوله نشرة بلومبيرج، فان ثلث أثرياء الصين من النساء، كما تضم 11 امرأة في قائمة أغنى 20 امرأة في العالم صنعت ثروتها بنفسها.ووفقاً لمركز جامعة بوسطن عن الثروات والأعمال الخيرية، فان النساء سيرثن %70 من انتقال الثروات عبر الأجيال التي تبلغ 41 تريليون دولار، والمتوقع في الأعوام الأربعين المقبلة.غير ان الطريق طويل جداً قبل ان تحقق النساء المساواة بالكامل مع الرجل.اذ بحسب بيانات صادرة عن البنك الدولي في تقرير التنمية العالمية لعام 2012، وجد ان النساء يمثلن %40 من القوة العاملة على مستوى الدول، ولكنهن يستحوذن على %1 من ثروات العالم.وقال البنك الدولي «ان النساء يشكلن حالياً أكثر من نصف طلبة الجامعات في العالم».وتظهر الاحصائيات في التقرير نفسه ان النساء الثريات ضعف الرجال في الميل الى التبرع ودعم الأعمال الخيرية.وتقول دراسة الثروات الصادرة عن مؤسسة باركليز عام 2009، ان النساء في الولايات المتحدة يتبرعن كمعدل وسطي بنسبة %3.5 من ثرواتهن الى الجمعيات الخيرية، بينما يتبرع الرجال بنحو %1.8». (القبس 2013/3/15).
ويلفت الباحث الفرنسي دي شوتير الانظار الى بعض ما يعيق نساء «العالم الثالث» من اللحاق بالبلدان المتقدمة: «فالنساء والفتيات هن راعيات الاطفال والمسنين والمرضى، وهن يتولين مجاناً بالإضافة الى هذا الضرب من الرعاية، اعباء منزلية كبيرة، على غرار الطبخ والتنظيف وجلب المياه وجمع الحطب. وهذه الانشطة غير مسددة الاتعاب على الرغم من ان قيمتها توازي %63 من الناتج المحلي في الهند وتنزانيا. وتولي النساء هذه الاعمال يساهم في تضييع الاناث فرصاً كبيرة، منها التحصيل العلمي والانتقال الى الاسواق لبيع المنتجات وغيرها من الانشطة الواعدة بعوائد اقتصادية.ويحصل بعض النساء اللواتي يُدرن المزارع العائلية على مساعدات من الأزواج الغائبين، لكنها لا تذلل المشكلات الاقتصادية التي يواجهنها.ولا يخفى ان الصلة وثيقة بين تحصيل الإناث العلمي وتغير مكانتهن الاجتماعية والاقتصادية، وبين زيادة الانفاق على الغذاء وتحسن العناية بصحة الأطفال وارتفاع انتاج المزارع». (الحياة 2013/3/20).
وجاء في تقرير آخر عن مؤتمر يسلط الضوء على الفرص والتحديات التي تواجه النساء، ان هناك علاقة مباشرة بين الفجوة بين الجنسين في دولة ما، وقدرة هذه الدولة التنافسية، «لأن تنافسية الدولة تعتمد على كيفية استفادتها من النساء، اللاتي يمثلن نصف موارد الدولة».وجاء فيه كذلك ان «آيسلندا» حصلت على المركز الأول عالمياً في تضييق الفجوة بين الجنسين للعام الخامس على التوالي، على الرغم من ان النساء فيها تتقاضى رواتب أدنى من الرجال بنسبة %10، وأن %21 فقط يشاركن في مجلس ادارة الشركات، وأن الثلث يواجهن العنف الدائم على أساس الجنس.
وأضاف التقرير نفسه، الشرق الأوسط، 2013/11/3 ان 68 دولة أظهرت تقدماً في تقرير الفجوة بين الجنسين على مستوى العالم.«ولسوء الحظ، فان منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لم تحقق أي تقدم في أي من هذه المجالات ولا تزال في ذيل القائمة.اذ لايزال الشرق الأوسط المنطقة التي تشهد أدنى تمثيل للنساء في السياسة وصنع القرار.وعلى الرغم من الدور الكبير الذي لعبته المرأة في التنمية الوطنية الحالية في «قطر»، على سبيل المثال، الا أنها لا تزال في المرتبة الـ 115 نظراً لعدم وجود نائبات في البرلمان أو شغلهن مناصب وزارية».
وتوضح الكاتبة الاقتصادية «ذكاء الخالدي» في مقال لها، أنه على الرغم من انتهاء العقد الأول من هذا القرن، لا تزال بعض الجهات في العالم العربي، تناقش جدوى عمل المرأة! ويعتبر هؤلاء ان من الأنفع للمجتمع والأسرة ان تكتفي المرأة بادارة البيت أو العمل في مجالات محدودة تليق بطبيعتها، كالتعليم على سبيل المثال، ورغم كل ما قيل في مؤتمر الأمم المتحدة حول المرأة في بكين سنة 1995، والدعوة الى «تمكين المرأة ورفع أنواع التمييز ضدها»، فإن الكثير من الدول العربية اما لم تتبن استراتيجيات وسياسات من هذا النوع، أو تتبناها ظاهرياً فقط، أي من دون تنفيذ، أو ينفذها جزئياً أو بدأت تنفيذها ثم تراجعت عن ذلك بسياسات معاكسة، أو تتبناها في مجالات معينة كالتعليم وناقضتها في مجالات أخرى، خصوصاً في العمل والسماح لها باحتلال مواقع اتخاذ القرار. وتشير الباحثة الاقتصادية الى نداء متكرر في مجال عمل المرأة، حيث «يلاحظ بخاصة أنه كلما تفاقمت مشكلة البطالة في وقت ما، كلما تعالت الأصوات التي تعتبر ان السبب هو دخول المرأة الى سوق العمل». (الحياة 2013/2/25).
ومن المؤسف، كما كتبنا مراراً، ان هذه القوى والشخصيات المعارضة لعمل المرأة يتجنبون في الوقت نفسه الخوض في تكاليف الحياة اليوم، وتزايد مصاريف السكن والغذاء والتعليم والمواصلات وغيرها، وبخاصة بالنسبة لعامة الشعب وللطبقات المتوسطة.وصار لزاماً في معظم البلدان العربية ان يعمل الزوجان بدوام كامل لتأمين مصاريف الحياة. والملفت للنظر في دول الخليج وغيرها، أن بعض هؤلاء من ملاك العمارات السكنية والشقق المعروضة للايجار بأعلى الأسعار. ولا أدري من سيكون قادراً على دفع هذه الايجارات وحده، ثم الانفاق على بقية مصاريف المعيشة!.
ثم ان الكثير من هؤلاء يعارض تشغيل الذكور في مجالات معالجة المرأة ويطالب بزيادة عدد الطبيبات والممرضات، الى جانب المدرسات والعاملات في الخدمة الاجتماعية. ولكن كيف يمكن التحكم بعمل النساء او دراستهن في مجال، ومنعهن من ذلك في مجال آخر؟! وسط كل هذه الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها دولنا، ووعدت الالتزام بها؟
ان واقع عمل المرأة في العالم العربي مثير للقلق الى اقصى حد، وقد تحدثت الكاتبة «ايمان عطية» باسهاب عن هذه المشكلة في صحيفة فايننشال تايمز، (القبس 2012/6/2)، وبينت عطية ان %25 فقط من النساء ممن هن في سن العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشاركن في سوق العمل، سواء كن موظفات او يبحثن عن وظيفة وعلى الرغم من ان المنطقة خطت خطوات كبيرة في مجال محو الأمية وتعليم الاناث، حيث تتساوى معدلات الالتحاق بالمدارس تقريباً بين الجنسين، الا ان معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل هي الأدنى في العالم.
القيود بانتظار المرأة في كل المجتمعات العربية: أنماط الاستعباد الاقتصادي نفسها التي تواجه المرأة في السعودية التي تتسم بالمحافظة، تنطبق بالقدر ذاته في بلدان يفترض بها انها عالمية الطابع مثل لبنان، او ذات قوانين ليبرالية مثل تونس.
مشكلة عمل المرأة الكبرى الى جانب هذا، قلة الفرص في القطاع الخاص اذ يعتبر القطاع الحكومي اكبر صاحب عمل للنساء في العالم العربي، حيث ينظر الى ظروفه وممارساته على أنها مناسبة للعائلة وفي مصر مثلاً، يوفر القطاع الحكومي %56 من الوظائف للنساء في المناطق الحضرية او المدن.
ويقول المحللون ان الاعتماد المغالي فيه على القطاع العام أدى الى تفاقم وضع عدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل، لا سيما ان العديد من النساء يتخرجن من كليات العلوم الانسانية ذات الاستخدام المحدود خارج القطاع العام، فما حاجة القطاع الخاص الى خريجي الجغرافيا والتاريخ والشريعة وغيرها؟
من جانب ثان، تطلب بعض الشركات من النساء العمل لساعات متأخرة من الليل او السفر، وهو امر غير مقبول اجتماعياً، وفي بعض الشركات الخاصة الصغيرة، حيث معظم الموظفين من الرجال، تجد المرأة نفسها معرضة للتحرش الجنسي، وكما اشرنا بالنسبة لعمل المرأة في دول العالم الثالث، فإن %80 من العمالة الزراعية في المكليات الصغيرة في اليمن، تدار من قبل نساء يعملن دون اجر لإعالة عائلاتهن.
تعليقات