نعيش أزمنة لا ألوان لها.. صالح الشايجي مستنكراً

زاوية الكتاب

كتب 596 مشاهدات 0


الأنباء

بلا قناع  /  ولكن الإنسان جحود

صالح الشايجي

 

شاعت كثيرا مقولة «الزمن الجميل» والمقصود بها الزمن الذي مضى!

أي أن كل ماض هو جميل عندنا، وهذا يعني أنه حتى هذا الزمن الذي نعيشه ونحن كارهون له متذمرون منه سيصبح في زمن آت، زمنا جميلا!

اما الحقيقة فهي أننا نعيش أزمنة لا الوان لها تجملها، وليست مزينة بأدوات الزينة، فلا خدودها وردية ولا شفاهها مطلية بالأحمر ولا عيونها كحلاء، ولا هي مرشوشة بالعطور ولا مبخرة بالبخور.

والزمن الذي نعيشه ونلعنه ونترحم على سابقه، هو نفسه الزمن الذي في لاحق السنوات سوف نترحم عليه ونتذكر آيات الجمال فيه، ولسوف يجهد الشعراء في وصف محاسنه ويعجز البلغاء عن بلوغها، وستهدر المطابع الكثير من أحبار الترحم عليه.

هذه حقيقة يدركها الكل ويعيشونها كافة، ولكن الاعتراف بها يجرح كبرياءهم الإنسانية ويهزم فيهم غريزة الشكاية والتململ والتذمر وإيكال عجزهم وتقصيرهم إلى الزمن البريء الذي يعيشونه للتخلص من تقصيرهم في أداء الدور الإنساني المنوط بهم في خدمة الحياة التي هم أهلها وبنوها ومعمّروها.

ولكن عدم بلوغهم ذلك المبلغ هو الذي يسهل عليهم عملية التذمر والتململ والاكتفاء بلعن زمنهم الذي يعيشون والترحم على زمن كانوا عاشوه قبل عشر من السنين أو ثلاثين أو غير ذينك العددين.

والغريب والمذهل والذي يصدّق على ما أقول ويشهد عليه، هو أن يترحم البعض على زمن لم يعيشوه أصلا ولم يولدوا فيه ولم يكونوا فيه من الأحياء، بل كانوا في رحم الغيب دونهم ودون ذلك الزمن الذي يترحمون عليه ويبكون فقدانه عقود من سنين!

نذكر محاسن أزمنة وننسى مساوئها، متنكرين للزمن الذي نعيشه برغم محاسنه الكثر ورغد العيش فيه وما يوفر لنا من رفاهية، وسبل الراحة التي حققها التطور التكنولوجي وحداثة الآلة.

فمن منّا يريد أن يعود إلى زمن سكنى الخيام أو بيوت الطين وشرب الماء من الزير وجلبه من باطن الأرض بما يحوي من طين وملوثات، وشظف العيش وصعوبته آنذاك وقلة الموارد وعدم توافر الآلة ممثلة بالسيارة والطائرة والهاتف الذكي والتلفزيون والفضائيات وإلى آخر هذه القائمة التي لا تعد ولا تحصى من نعم زمننا الجميل الذي نعيشه ونلعنه، وليست من نعم زمن مضى نبكيه ونترحم عليه؟!

ولكنّ الإنسان جحود. 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك