الإسلام المتشدد والحكومات الضعيفة!.. بقلم وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 603 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  منع الأموات من دخول الكويت

وليد الرجيب

 

في البداية كنت أظنها نكتة أطلقها المغردون في «تويتر»، القصد منها السخرية والنيل من النائب الفاضل محمد الجبري، لكن عندما رأيت الخبر قد انتشر في وسائل الإعلام العربية، بحثت أكثر فوجدت فيديو يتناول فيه النائب الجبري هذا الموضوع، وهو بالتأكيد مصدر أكيد مثبت بالصوت والصورة.
تحدث النائب الفاضل عن معلومات وصلته حول إقامة ندوة أو أمسية للشاعر والفيلسوف مولانا جلال الدين الرومي في أحد الفنادق، وأنه تحدث مع وزير الإعلام ووزير الداخلية ووزير الأوقاف لوقف مثل هذه الأمسيات التي تعلم الرقص وطقوساً تخالف عاداتنا وتقاليدنا وثوابتنا الشرعية.
دهشت من ضعف الثقافة لدى أعضاء مجلسنا خصوصاً ما أفرزه مجلس الصوت الواحد من عناصر ليس لديها اطلاع أو أفق ثقافي، وحتى إن كان قصد الجبري الأمسية بحد ذاتها، فجلال الدين الرومي فقيه إسلامي توفي قبل أكثر من سبعة قرون، وتتلمذ في الشريعة والفقه على يد والده ثم على يد الترمذي ثم نهل علوم الدين في دمشق على يد علماء الإسلام، وفي نهايات حياته أملى خبرته الشرعية على أحد تلاميذه عن طريق الشعر والقصة هادفاً إلى إيصال الإسلام وعلومه بطريقة يفهمها الإنسان البسيط، وتوفي عام 1273م وهو يلهج بالشهادتين.
لكن حادثة النائب الجبري لم تكن الأولى، بل تكررت من النواب الإسلاميين في التسعينات، فكلنا نذكر أنهم طالبوا في تسعينات القرن الماضي بمنع دخول الشاعر العراقي معروف الرصافي رغم أنه توفي عام 1945، لكنهم بالفعل استطاعوا منع دخول العديد من الفلاسفة والمثقفين الذين يخالفونهم بالرأي، إضافة إلى منع الكثير من الكتب أثناء معارض الكتاب السنوية، رغم أن المملكة العربية السعودية سمحت بهذه الكتب في معارضها، وللأسف رضخت الحكومة وما زالت ترضخ لضغوطاتهم وإرهابهم الفكري وتخلفهم الثقافي والاجتماعي، وقد كان النائب الفاضل يستطيع التثبت من المعلومة عن طريق الانترنت في هاتفه حيث تزخر الشبكة العنكبوتية بكثير من المعلومات عن حياة وسيرة جلال الدين الرومي، قبل أن يعرّض نفسه لسخرية المجتمع ووسائل الإعلام العربية التي ربما تنقل عنها وسائل الإعلام الغربية.
وتنظر الأوساط الثقافية الغربية إلى جلال الدين الرومي بكثير من التقدير لعلومه وشعره الأخلاقي والديني، حتى ان البعض تعرف على الإسلام بشكل أفضل عن طريق كتابات جلال الدين، كما نشرت الروائية التركية أخيراً «إليف شافاق» رواية حول جلال الدين الرومي نالت شهرة واسعة وترجمت إلى عدة لغات منها العربية اسمها «قواعد العشق الأربعون»، وصدرت رواية للكاتبة الإيرانية ذات المكانة الأدبية والثقافية الرفيعة «سميرة قدس» عن جلال الدين الرومي وعلاقته بالتبريزي اسمها «كيميا خاتون» تُرجمت إلى الإنجليزية وستترجم إلى العربية، وهي برأيي أفضل من رواية شافاق.
يقول جلال الدين الرومي لمن لايفهم علمه وطريقته في حب الله تعالى ورسوله الكريم: «أنا عبد القرآن ما حييت، أنا غبار قدم محمد صلى الله عليه وسلم، فمن نقل عني غير ذلك فأنا متألم منه ومتألم من ذلك القول».
أنا أظن أن بعض إسلاميي هذا العصر وخاصة الإسلام السياسي ذوو أفق ضيق في فهم الإسلام الصحيح، فهم متشددون ومتشنجون ومعادون لكل من يخالف أفكارهم الإسلامية السياسية، ويهاجمون بعنف وألفاظ لا تليق بمسلم، بل كان علماء الدين في الكويت سابقاً مثل الشيخ عبد العزيز الرشيد والشيخ يوسف بن عيسى القناعي والشيخ عبدالله النوري والشيخ الأثري، أكثر علماً وفقهاً وتسامحاً، ففي كتاب القناعي «مقتطفات» يبين هذا الشيخ الجليل مدى حبه للشعر والموسيقى بل كتب بعض الأشعار، كما كان علماؤنا في الماضي يدعون بالحكمة والموعظة الحسنة ويقارعون الحجة بالحجة وبالعلوم الشرعية السليمة، ولا يشتمون مخالفيهم ويكرّهون الناس بالدين الإسلامي الحنيف.
لكني لا أضع كل اللوم على الإسلاميين السياسيين المتشددين، الذين خلقوا لنا إسلاماً جديداً يختلف عما تعلمناه، جارّين بذلك مجتمعاتنا إلى الخلف من خلال السلوك البعيد عن الإسلام الصحيح، بل أضع اللوم على الحكومات الضعيفة التي تنصاع في كل مرة إلى إرهابهم الفكري وتخلفهم الثقافي الاجتماعي تحت شعار «عاداتنا وتقاليدنا وثوابتنا الشرعية»، حتى تحولنا من منارة للفكر والثقافة والحرية إلى مجتمع متخلف ومنغلق.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك