خليل حيدر يكتب عن 'البشري' وطلب الغفران من 'الإخوان'
زاوية الكتابكتب يناير 9, 2014, 12:51 ص 661 مشاهدات 0
الوطن
أفكار وأضواء / 'طارق البشري'.. يطلب الغفران من 'الإخوان'
خليل علي حيدر
هاجم المستشار القانوني والاسلامي المصري المعروف «طارق البشري» في مقال له اخيرا الدستور المصري الجديد، المطروح للاستفتاء في 15 يناير 2014. وقد رد على هجوم البشري، القيادي الاخواني المنشق «ثروت الخرباوي» الذي كتب قائلا: «عندما قرأت اخيرا مقالا للمستشار طارق البشري يقول فيه: «الدستور المطلوب الاستفتاء عليه دستور لقيط، لأنه ناتج عن انقلاب عسكري»، ترحمت على زمن الرجال، ويالضيعة اشباه الرجال عندما يفسدون، بعد ان اخذوا من الدنيا كل ما يريدون». («الوطن» الكويتية، 2013/12/9).
كان «البشري» قد وضع عام 1972 كتابا بعنوان «الحركة السياسية في مصر: 1945 – 1952». كتبه وأعده عامي 1969 – 1970، وهو تاريخ لفترة ما بين انتهاء الحرب العالمية الثانية وثورة يوليو. تحدث «البشري» في هذا الكتاب الذي حوى خلاصة قراءاته وتجاربه وكتاباته عن هذه الفترة، وحلل بدأب مواقف السلطة الملكية والاحزاب والحركة الوطنية ومقدمات سقوط نظام الملك فاروق. ومن الاحزاب السياسية التي درس البشري دورها في هذه الاحداث جماعة «الاخوان المسلمين»، التي خصها بفصلين من الكتاب: فصل تناول فيه حزب الاخوان تحت قيادة المرشد حسن البنا، وفصل ثان بعد اغتياله، وتولي القاضي حسن اسماعيل الهضيبي قيادة جماعة الاخوان.
تحدث المؤلف طارق البشري في هذين الفصلين بقدرة واسهاب عن صعود حركة الاخوان وعوامل نجاحها وطبيعة تحالفاتها وتقربها من الملك ومعاداتها لحزب الوفد واشياء كثيرة اخرى، سنحاول عرضها باختصار للقارئ، المتابع اليوم لدراما هذه الجماعة والمرحلة المصيرية التي تمر بها، منذ ان اعتبرتها الحكومة المصرية اخيرا جماعة ارهابية، فمن الاهمية بمكان في اعتقادي ان نتعمق في دراسة وفهم هذه الجماعة التي لم تؤثر في مسار ثورتي مصر 1952 و2011 فحسب، بل لعبت دورا معروفا ومعرقلا في دول عربية واسلامية عديدة، وكان ظهورها بمثابة كارثة سياسية وثقافية على كل صعيد.
غير ان المفكر والمستشار «طارق البشري» تراجع منذ صدور هذا الكتاب عام 1970 عن الكثير من افكاره، والتحق بنماذج وسطية بين التيارين القومي العربي والاسلام السياسي، قبل ان يميل بنحو كامل صوب معسكر الجماعات الاسلامية وفكرها. وعندما اعاد طباعة كتابه المشار اليه، كتب له مقدمة جديدة عام 1983، اشاد فيها بدور الاسلاميين واطروحاتهم الثقافية في حماية العالم العربي مما اسماه بالغزو الثقافي، وما قاموا به في مجال «هويتنا وتميزنا وذاتنا الحضارية». وتساءل: «كيف نقاوم غازيا يصفي هويتنا وتميزنا عنه. كيف نقاوم ونحن لا نتميز عمن نقاومه، بله ان نرضى بالتبعية الفكرية والحضارية له. وكيف نقول اننا طلاب وحدة سياسية، ونحن نغفل عن النظام التشريعي الوحيد الذي يمكن ان يسهم في بناء هذه الوحدة». وقال: «لم يكن التيار الاسلامي اذا، تيارا شاردا ولا طارئا ولا وضعا يتجافى مع اصل آخر، انما كان هو الاصل، ثم بدأ التضييق يأخذ عليه السبل، وانطمرت سنوات قليلة ليعود من جديد».
وتراجع البشري عن حقيقة دامغة وضحها في الطبعة الاولى من الكتاب، وهي غموض افكار واهداف الاخوان، وان تنظيمهم لهذا يثير «القلق فيما عسى ان يسعى اليه أو تؤول اليه الامور، ان قويت شوكته وامسك بمقاليد الامور». وغفر للاخوان في هذا المجال ما تقدم من ذنبهم الفكري وغموض هدفهم.. وما تأخر، لوضوح موقفهم من قضية محورية قصّر في فهمها، كما يزعم البشري، العلمانيون وهي «الصراع العقائدي والحضاري بين الوافد والموروث»، وعدم تمييزهم «بين الاصول التاريخية والحضارية لبلادهم وبين ما ادخله الغزاة عليهم من قيم وفلسفات».
ومضى البشري ينفي عن الاخوان كل التهم التي وجهها هو أو غيره من خصومهم بهم، بما في ذلك «الرجعية» السياسية والاقتصادية. وقال الاصح ان يعتبر موقف الاخوان نوعا من «الراجعية»، أي «رفض الاصول الحضارية والعقائدية التي وفدت وشاعت. الراجعية هنا تعني المقاومة. مقاومة الاقتحام والغزو الحاصلين». ودافع البشري حتى عن سيد قطب في كتابه «معالم في الطريق»، الذي يتبرأ منه الكثير من الاخوان انفسهم: «لقد قيل ان سيد قطب في «معالم في الطريق» بلغ قمة الرجعية لأنه حكم على مجتمعنا كله بالجاهلية.. ان سيد قطب لم يغل في الرجعية، بل غلا في المقاومة، لأنه بذل مجهوده في ايضاح كيفية اعداد كتيبة الصدام للعودة للاسلام، وأبان في «لا إله إلا الله» معنى الانخلاع عن المجتمع الحاضر بكل قيمه ومؤسساته ورموزه. واذا كانت الجاهلية هي نظام ما قبل الاسلام، فإن سيد قطب عندما وصم المجتمع الحاضر بالجاهلية، يكون في تصوره قد نقل الدعوة ونظام الاسلام المدعو له، من الوراء الى الامام، من الماضي الى المستقبل، أي جعل الاسلام مستقبليا دعوة ونظاما.. سلفية الداعي للاسلام سلفية راجعية مقاومة، وهي ذات منظور مستقبلي». فهل يدخل مثل هذا التحليل أي عقل؟
ويقف البشري متأملا مناورات الاخوان بين الملك فاروق وحزب الوفد في ضوء فذلكة «الراجعية السلفية» التي يقدمها ضمن حيثيات اعادة تفسير تاريخ الاخوان فيقول: «يمكننا الآن ان نفهم خصومة الاخوان للتيارات السياسية التي لا تستقي اصلا من الاسلام، وانما تستقي من اسس الحضارة الوافدة، وقد يكون «الوفد» على رأس من يعاديهم الاخوان، لا لأنه الابعد عن الاسلام، ولا لأنه الاعظم اخذا من الغرب، ولكن لأنه الاكثر شعبية والاقوى في تحدِّيه لدعوة الاخوان».
واذا كان الاخوان قد عادوا حزب الوفد بشدة ودون هوادة، فإن الاخوان قد عادوا الشيوعيين كذلك. ويقدم البشري للاخوان المسلمين شديد اعتذاره عام 1983 لأنه في دراسة موقف الشيوعيين من الاخوان كان غافلا عن نقطة مهمة جدا، تُفسِّر في اعتقاده سبب عداء الشيوعيين للاخوان، ومن يكون غير اليهود، وهيمنتهم على الحركة الشيوعية!
يقول البشري: «كنت افهم بطبيعة الحال العداء بين الشيوعيين والاخوان، بسبب التناقض العقائدي بينهم. ورغم ذلك اعتمدت بعض مراجع الشيوعيين ضد الاخوان، واساغ لديَّ ذلك اني حاولت ضبط ما صادفني في تلك المراجع، بما كانت عليها مواقف غير الشيوعيين من القوى الوطنية وخاصة الوفد. على أني لم أكن فطنت وقتها الى الاهمية الفائقة للهيمنة اليهودية الاجنبية في التنظيمات الشيوعية، اهميتها في هذا الخصام اللدود بين الاخوان وبين الشيوعيين، واهميتها في توجيه حركة الصراع الشيوعي ضد الاخوان ومصر الفتاة خاصة، بدعوى محاربة الفاشية».
وبالطبع، لم يسأل المفكر الاسلامي والمستشار القانوني نفسه سؤالا بديهيا، من واقع ما يتضمنه تراث الاخوان المسلمين وسجلهم وخطورة اهدافهم، على أي مجتمع معاصر: هل ينبغي حتما ان تكون يهوديا أو صهيونيا، لكي تكون مدركا بعمق خطورة حزب كحزب الاخوان؟ وهل هذه «العقدة اليهودية» سبب في كراهية وعداء ملايين العرب وغير العرب للاخوان المسلمين في كل مكان؟
وحتى ان تجاوزنا هذه القضية، أفلا يبقى السؤال عن سبب اشادته بالدور المقاوم والتوعوي لسيد قطب وكتابه «معالم في الطريق»؟! أفلم يطالع من هو في مكانة طارق البشري ومقامه هذا الكتاب، الذي بات النص المقدس لكل التكفيريين والارهابيين اليوم، كما كان عام 1964 عندما صدر؟
واذا كان البشري مطلعا على تفاسير القرآن وكتب الصحاح وفقه المذاهب الاربعة، فهل يوافق على المفاهيم والاستنتاجات التي تضمنها الكتاب؟
الارجح في اعتقادي، ان اطراء البشري للاخوان المسلمين وتراجعه عن مضامين ومواقف الطبعة الاولى من كتابه، كان مجرد محاولة لطلب الصفح وقبوله في صفوف «الاسلام السياسي» وجماعاته، وما يفتح له ذلك من ابواب ومكانة اجتماعية وسياسية ومصلحية، شأنه في ذلك شأن بعض الآخرين مثل د.محمد عمارة والاستاذ فهمي هويدي ومجموعة كبيرة من «المفكرين».
غير ان الاستاذ البشري يثير في هذه «المقدمة – الاسترحام»، قضية صحيحة لا يريد ان يتعمق في اسبابها. يقول: «ان فحص الاخوان تاريخهم بعين النقد يفيدهم كما يفيد غيرهم. ويصوِّب نظرتهم الى وقائع التيارات الاخرى، حتى يمكن فرز الايجابي منها من السلبي».
ويقول: «ثمة اخطاء في مواقف الاخوان يمكن ان تكون مفهومة بل متوقعة». ولكنه بدلا من يحلل اخطاء الاخوان ومواقفهم وانزلاقاتهم، والتي يعترف الكثير من الاخوان انفسهم بها، نرى البشري يتذلل للاخوان، ويزايد في التبرير لكل الاخطاء والانحرافات فيقول: «ثمة اخطاء في مواقف الاخوان يمكن ان تكون مفهومة بل متوقعة. من اسبابها ان طبيعة الدعوة املت عليهم تصنيف القوى السياسية والاجتماعية تصنيفا مختلفا، ومنها حداثة عهد الاخوان بالعمل السياسي، ولم يكن المرشد قد جاوز الاربعين سنة 1964، وغالبية الاخوان دونه سنا. والتيار الاسلامي أُبقي بعيدا عن السياسة لمرحلة سابقة، وليس من معصوم الا الله سبحانه ورسوله». هل مثل هذا التحليل يقنع احدا؟
ويتوقف البشري اخيرا عند المرشد الثاني للاخوان، «حسن الهضيبي». ويقول ان الظروف التي تحملها الرجل «تكشف الى أي قدر كان يتحلى بالاخلاص والنزاهة والصلابة والقدرة الفذة على الصمود والمقاومة. لم يهن عزمه ولا لانَتْ قناتُه، ازاء كوارث لا يمكن المبالغة في وصفها. رجل ذو معدن عجيب، يبدأ نشاطه السياسي العملي في 1951 على رأس تنظيم خطير، بعد محنة التصفية الاولى التي جرت في سنة 1948، ثم لا يمضي اكثر من ثلاث سنوات حتى يخوض مع الجماعة المحنة الثانية المهولة سنة 1954».
ولا يخصص الاستاذ البشري أي جزء من هذه المقدمة لالقاء نظرة نقدية مثلا على تجربة الاخوان منذ عام 1928، وكان من الممكن والمعقول بالطبع ان يكتب الكثير في هذا الباب. ولكن الرجل كان يكتب مستجديا الغفران من الاخوان، فهل كان مثل هذا النقد يتناسب مع وضعه بعد رحيل عبدالناصر وصعود السادات وهيمنة الاخوان والاسلاميين؟
ولهذا اختتم المقدمة باستمرار التغزل في سجايا الاستاذ الجليل مرشد الاخوان الثاني، قائلا: «ان الاستاذ الهضيبي كان يتحلى بنزوع ديموقراطي اصيل، وكان لا يمانع في ان يكون لخصوم الاخوان السياسيين احزابهم، حتى بالنسبة للشيوعيين. كان له اسلوبه وتسماته الفكرية ورؤيته لنشاط الدعوة، وله وجهة سياسية واجتماعية تحتاج الى دراسة».
هل كان الاخوان المسلمون يوما قوة ديموقراطية يا استاذ طارق؟!
الدستور المصري المطروح للاستفتاء يقول البشري، «دستور لقيط»، جاء به انقلاب عسكري.
د.ثروت الخرباوي يتساءل: لماذا لم ير البشري الملايين التي خرجت ثائرة على الحكم الاخواني؟ ولماذا قبل ذلك، لم ير مئات الاخوان في بداية حكم الرئيس د.محمد مرسي وهم يحاصرون المحكمة الدستورية ليمنعوها عن مباشرة رسالتها القضائية؟ ولماذا اغمض عينيه عن الاخوان وهم يحاصرون مدينة الانتاج الاعلامي فلم يخط كلمة أو حرفا، «وهو ايضا الذي كان قد اشترك في مؤامرة اخوانية ضد مصر خالف من اجلها ثوابته القضائية والاخلاقية لا لشيء إلا لكي يرضى عنه المجلس العسكري بعد ان استدعوه بناء على طلب الاخوان ليقوم بتعديل دستور 1971 بعد ثورة يناير فارتكب في حق مصر اكبر جريمة».
ونستعرض في مقال قادم تاريخ الاخوان ومراحله، في كتاب طارق البشري.
تعليقات