إرادة الشعب غابت بالمقترحات

زاوية الكتاب

أحمد العنزي يقدم ملاحظاته على مسودة مشروع الإئتلاف للإصلاح السياسي

كتب 2407 مشاهدات 0


في هذا المقال 'المسودة' سنحاول مناقشة وتحليل مشروع ائتلاف المعارضة  لا من موقع الناشط السياسي بل من موقع الراصد والقارئ لثقافتنا السياسية عموما. لذلك سنحاول أن نقدم ملاحظاتنا في محورين: الأول ملاحظات أو إشكالات عامة والثاني إشكالات جوهرية.

ملاحظات عامة:
- بمجرد أن يقدم ائتلاف المعارضة مشروعاً سياسياً فهذا يُعد برأينا تطوراً نوعياً في فكرنا السياسي, وبغض النظر عن أسبابه التي قد تعود للضغط الشبابي والشعبي الذي تغذيه خطاب وقيم ثورات الربيع العربي, فأهمية وجود المشاريع السياسية المكتوبة تكمن في أنها تجعل من خطابنا السياسي - ولأول مره- لا خطاباً أو شعارات مُرسله بل خطاب له أرضية وذو معنى وقابل للحوار والأخذ والرد ويفسح المجال لأن يدلي الجميع بدلوهم.

- من أهم التساؤلات التي قد يطرح المراقب المحايد هي: من يمثل هذا المشروع؟ فكلنا يعرف أن حركة حدم والتيار التقدمي وقبلهما حزب الأمة قد قدموا مشاريعهم السياسية قبل مشروع الائتلاف؟ كما ان مسار الحركة الدستورية (حدس) وإعلانها بأنها ستشارك في العملية السياسية من خلال الانتخابات المقبلة حتى لو كانت وفق الصوت الواحد الذي يرفضه أعضاء الائتلاف, ليؤكد أن حدس تشق طريقاً آخر ومختلف عن الائتلاف؟  والأمر ذاته ينطبق على الحركة السلفية المنقسمة على ذاتها الى أقسام عدة, فمنها من هو عنصر في الائتلاف ومنها من يقف على النقيض؟ إذن يمثل مَـن هذا المشروع الذي يبدو أنه وُلد تيماً؟ ولحل هذا الإشكال 'التنظيمي' وأمام هذه التجاذبات السياسية, نعتقد كان من الأجدر لائتلاف المعارضة أن يُضفي على نفسه ' هويه سياسية' محددة كأن يعلن عن نفسه كحزب سياسي لا سيما أن أفكار ورؤى ومصالح مؤسسيه متطابقة ومشتركة الى حد كبير ؟ ان هذه التساؤلات هي تساؤلات مستحقه لسبب مبدئي وجوهري وهو أن الشعب من حقه معرفة مقدمو المشروع ومن ثم المشاركة في مشروعه السياسي ما يعني أيضا رفض كل أشكال التفرد والوصاية.

- صحيح أن المشروع هو مشروع إصلاحي سياسي كويتي كما أراد له واضعوه إلا أننا لا يمكن عزل الكويت عن محيطها الإقليمي والعربي.  فالمنطقة العربية بأسرها تمر بمخاض عسير المتمثل في ثورات الربيع العربي ضد الأنظمة التقليدية سواء الشمولية أو الأبوية الأسرية التي تستبعد شعوبها من القرار السياسي, ويبدو أن هذه الثورات لن تهدأ ولن تستثني أي نظام عربي بما فيه النظام الكويتي إن لم يبادر في الاصلاح بذاته ومن الداخل. فالأحداث تتسارع وها هي  تقترب من منطقة الجزيرة العربية بانتفاضة أهالي الأنبار والرمادي ضد الطغيان الذي عاشته الأمة ردحاً من الزمن. لذلك نعتقد بأن من يضع مشروعاً سياسياً لا يضع في اعتباره ما يحدث حولنا من أحداث متسارعة فهو ' كمن يؤذن في مالطا' بل قد لا يجد الوقت لتنفيذ مشروعه فيما لو اقتربت رياح التغيير أكثر فأكثر؟ وعندها ستكون مطالبات الحكومة البرلمانية شيئاً من الماضي!
- من الغريب حقا أن المشروع لم يتعرض لأهم قضية يعانيها الشعب الكويتي بأكمله والكويتيين البدون على وجه الخصوص, فعدم تطرق المشروع لمأساة البدون - لا من قريب ولا من بعيد- يُعد عملاً مُخلا ولا أخلاقياً بالدرجة الأولى فكيف تصمت المعارضة عن مأساة عمرها عُقود ويعاني منها جزء كبير من المجتمع الكويتي يقدر بـ (160 الف نسمة) وهو ما يجعل مشروع المعارضة متطابقاً مع التصور السلطوي والإقصاء ضد هذه الفئة وذلك بصمته عن هذه المأساة.

ملاحظات أو إشكالات جوهرية:

ان المتفحص المتجرد والموضوعي  لدستور 62 , ظروف نشأته ومضمونة الداخلي, سيصل لاستنتاج ثلاث عناصر رئيسية حكمت عليه بالفشل وعلى نظامنا السياسي بالتراجع, وهذه العناصر هي: الأولى خصوصية أو فئوية دستور 62 أي أنه دستور مرتبط - من حيث النشأة - بجماعة معينة دون سواها, والثانية أبوية دستور أي أنه جاء ليكرس مفهوم الدولة الأبوية التي تناهض النظام الديمقراطي, وأخيرا صوريته أي أنه دستور أجوف غير مُنتج؟ وسنفصل القول قليلا في هذه العناصر.
- دستور نخبوي: ان مشروع ائتلاف المعارضة الاصلاحي والذي جعل من دستور 62 مرجعيةً له, لم يضع في اعتباره حقيقة تاريخية لم تعُد خافيه على أحد, وهي ان الشعب الكويتي لم يضع هذا الدستور أصلا؟ فالشعب - بمعناه الواسع والحي - لم يكن طرفاً أصيلا في دستور 62 , بل وضعه 'الآباء المؤسسون' كما وصفهم المشروع, وهؤلاء الآباء هم في الحقيقة التجار الذين دخلوا في صراع طويل ومرير مع الأسرة الحاكمة - وخصوصا في حقبة الخمسينيات أي قُبيل ظهور الدستور - حول سُبل صرف العائدات النفطية وما يرتبط بها من 'مكاسب' خاصة بالبناء والإعمار والاستحواذ على البنوك وإنشاء الشركات الكبرى, ونتج عن هذا الصراع نوع من التسوية تمثلت في 'وثيقة' أو دستور 62 الذي يحكم وينظم العلاقة لا بين الحاكم والشعب بل بين اسرة الحكم والقوى الاقتصادية بالدرجة الأولى مستبعدا بذلك الشعب عن معادلة السلطة برمتها؟ وهو ما أنتج لنا في نهاية المطاف دستوراً مشوها وبرلماناً صورياً ليست له أي قيمة أو إرادة حقيقيه لأنه يجرد النائب 'المعارض' من 'حق' المشاركة الحقيقية والفعالة في الحكم.  

- أبوية نظامنا السياسي: لقد تكررت في مشروع الائتلاف عبارات غير دقيقة تستدعي الوقوف عندها ووضعها في سياقها الموضوعي الصحيح, مثل عبارة : (إن الإطار الديمقراطي الذي كفله الدستور قد تم تمزيقه). وهي عبارة تجرنا لمسألة 'أبوية نظامنا السياسي'. فالحقيقة أن دستور        62لم ينتج لنا نظاماً ديمقراطياً كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية, بل ان الباحث الحاذق والناقد المتجرد لتاريخنا السياسي وتناقضاته وتفاصيل الصراع فيه يدرك جيداً أن الكويت لم تعرف في تاريخها السياسي برمته معنى الديمقراطية. فطبيعة نظامنا السياسي هو نظام أبوي يقوم على قطبي الحاكم/الرعية. أي في مثل هذه الأنظمة يكون الحاكم هو المركز وأب لجميع السلطات وهو السلطة العليا التي لا تعلوها أي سلطة! بل ان الشعب لا يسمى في الأنظمة الأبوية شعباً بالمعنى الحقيقي أي 'مواطنين' بل هم أبناء أو رعية تتبع الحاكم وأهواءه, وغني عن البيان أن مثل هذه الأنظمة – التي عادة ما تكون مطلقة شمولية - تقف على نقيض النظام الديمقراطي الذي يقلب معادلة السلطة ويجعل من الشعب هم المركز بوصفهم مواطنين لهم حقوقاً لا تختلف عن حقوق الحاكم وأولها حقهم في التداول السلمي للسلطة السياسية.

- صورية الدستور: وكنتيجة لما سبق بيانه يصبح دستور 62 والذي يعتبره مشروع المعارضة مرجعاً له, دستوراً صورياً بامتياز, أي انه دستور أجوف غير منتج وغير متطور ولا يمكن تعديله بالوسائل التي حددها هذا الدستور. فالحقيقة أن الدستور قد أغلق الباب نهائيا أمام الاصلاح والتغيير الجاد, فبما أن الإصلاح السياسي المنشود يحتاج لتعديل دستوري والتعديل لا يتم إلا بالموافقة النهائية للأمير - وهي شرط ضروري كما نص على ذلك الدستور ذاته- فهذا يعني ان الإصلاح مرتبط بإرادة فرد لا بإرادة الشعب حتى لو كان كل نواب البرلمان معارضين راديكاليين ومن دعاة 'تغيير الدستور بأكمله'. لقد غاب عن مشروع الائتلاف ان الدستور الحقيقي لا يأتي كمنحه فالمنحة مرتبطة بمانحها! بل ترتبط بحق أصيل لدى الشعوب وهو حق الشعب في تقرير مصيره واختيار نظامه السياسي, والشعب الذي لا يستطيع من حيث المبدأ أن يقرر مصيره فكيف سيعدل دستور لم يضعه؟ وغني عن البيان ان هذا الحق الأصيل أي حق الأمة في تقرير مصيرها قد نسفه دستور السلطة وحلفاؤها من القوى الاقتصادية والمستفيدين منها! وهم في الغالب من صغار التجار وأدواتهم السياسية؟!
ان نظامنا السياسي – وفق مرئية دستور 62- يجعل الحديث عن الديمقراطية والبرلمان وطبيعة الصراع في علاقات السلطة حديثاً ليس ذو معنى. ومن هنا يتحتم علينا التفكير مجددا في 'إرادتنا المسلوبة' فلا معارضة حقيقية دون إرادة حقيقية, أي علينا إعادة النظر في مفهومنا للمعارضة أولا. من الجلي أن مشروع الائتلاف لم يعكس بشكل حقيقي مشروعاً لمعارضة حقيقية تكون 'نداً' للسلطة لا تابعا لها, وهذا ما جعل البعض يصفه بأنه 'مشروع العودة' للمشاركة في الانتخابات أو ورقة للتفاوض الخجول. فالمعارضة الحقيقية لا تفكر 'داخل' الخطاب السياسي الذي تدشنه وتكرسه السلطة في ثقافتنا السياسية وأهم عنصر في 'خطاب السلطة' هذا, هو العودة لدستور 62 كرهان ومرجعية للعمل السياسي وبالتالي الإصلاح, لذلك نعتقد بأن المعارضة - ولكي تكون كذلك - عليها أن تفكر أولا وقبل كل شيء 'خارج' هذا الخطاب السلطوي وتقدم تصورها بمعزل عن دائرة الصراع بين الأسرة والتجار وخارج سياق الدولة الأبوية, وأن تؤمن إيمانا ثابتاً بأنها يجب أن تكون طرفاً حقيقيا في دستور حقيقي لا نخبوي يكون الشعب طرفا أصيلا فيه, وطرفاً في معادلة سياسية تصنعها بذاتها لا أن تكون أداةً في نزاع سياسي مصلحي.
والإيمان الحقيقي بمفهوم المعارضة باعتبارها ندا للسلطة يتطلب من ائتلاف المعارضة – أو غيرها - الانطلاق لبناء مشروع حقيقي يحاكي الشارع والبسطاء وهمومهم اليومية التي تتعثر بسبب فساد نظامنا السياسي الغير منتج أصلا. لذلك فأول مشروع للمعارضة الحقيقية يبدأ باستعادة الإرادة الشعبية المفقودة وجعلها بيد الشعب لا بيد أسرة أو حزب اغتصب السلطة بطرق غير ديمقراطية, وغياب هذا التصور عن معارضتنا يحيلها لمعارضة سلطوية أو وظيفية تفكر وتتناغم وتنسجم مع أسس نظامنا السياسي الأبوي الرعوي وتعمل لخدمة مصالح أقطاب الصراع السياسي التقليدي.
كل ذلك يستدعي من المعارضة التي تحمل لواء التغيير الحقيقي أن تعيد النظر في دستور 62 بحيث تصبح العلاقة الدستورية بين الحاكم والشعب هي علاقة حاكم بمواطنين لا حاكم برعية! أي أن تعيد النظر في العلاقة بين الحاكم المحكوم وفق منظور ديمقراطي شعبي يجعل من الشعب قادرا على اختيار ولي العهد ورئيس حكومته بالطريقة التي يختارها الشعب.  بمعنى آخر الانطلاق من مشروع سياسي يبدأ بصياغة دستور شعبي حقيقي يعيد الاعتبار والكرامة والحرية للناس من خلال إعادة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وإعطاء الشعب السلطة العليا في قراراته وتحديد خياراته. فعلى سبيل المثال لا الحصر نقول بأن التعديل المقترح في مشروع الائتلاف على المادة 56 من الدستور مازال يدور في فلك السلطة فهي تعطي الأمير حق تعيين رئيس مجلس الوزراء ويبدو أن هذا التعديل المقترح لا يؤمن بإرادة الشعب وحقه الأصيل في انتخاب رئيس مجلس الوزراء إما عن طريق تشكيل الحكومة من الاغلبية البرلمانية مباشرة أو انتخاب الرئيس انتخابا حرا مباشرا عن طريق صناديق الاقتراع, وهو ما يعني أن تعيين الأمير لرئيس الوزراء وفق منظور 'حق الشعب في تقرير مصيره' هو في الحقيقة تحصيل حاصل, لكن هذا التعديل المقترح في مشروع ائتلاف المعارضة يعود القهقري للنظام السياسي التقليدي الأبوي وما يؤكد ذلك هو تشديده على عبارة ' بعد المشاورات التقليدية؟!' فالنظام الديمقراطي الكامل لا يعتد بالطريقة 'العشائرية' في تشكيل الحكومات ومثل هذه المشاورات يحسمها الشعب داخل برلمانه لا خارجه؟
ختاماً نقول قد يتساءل البعض : كيف نصل لكل ذلك؟ الحقيقة ان مشروع الائتلاف رسم بشكل غير مباشر الطريق لتحقيق مشروعه وهو العودة لمجلس الأمة! نعتقد بأن الخيارات مازالت مفتوحة ويمكن التفكير بطرق لم تُطرح بعد لتنفيذ مشروع سياسي 'حقيقي' وأهمها إقامة 'مؤتمر شعبي' يشارك الجميع في تحديد مساره ومواضيعه ويتحمل الجميع نتائجه بحيث 'تنتزع' من خلاله 'الإرادة الشعبية المسلوبة' وتعاد رسم العلاقة السلطوية من جديد؟

الأثنين الموافق 6 يناير 2013 م

د.أحـمـد عـقـلـه الـعـنـزي

الآن - رأي / د.أحمد عقلة العنزي

تعليقات

اكتب تعليقك