عن صناعة الكراهية!.. يكتب ناصر المطيري

زاوية الكتاب

كتب 700 مشاهدات 0


النهار

خارج التغطية  /  من يغذي خطاب الكراهية؟

ناصر المطيري

 

تخرج علينا بين حين وآخر بعض الأصوات الناعقة أو الناهقة -لافرق -تبث مافي جوفها من غل وكراهية للآخر، أشخاص في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا، جاهليون عنصريون حاقدون يصنفون المجتمع وأبناء الوطن الواحد، يوزعون صكوك الولاء والوطنية حسب أهوائهم الحقيرة وللأسف لارادع لهم ولامانع.
لقد حاول البشر طوال التاريخ تحدي النزوع الى الكراهية سواء بالقوة أو بالقانون أو بالنصيحة أو بحسن الأخلاق، أو عن طريق اشاعة المشاعر الايجابية كالحب والصدق والشفقة والتكاتف، الا أن الحقيرين والوقحين وضعفاء النفوس موجودون في مجتمعات تغذي ميولهم العدوانية الكثير من المشارب كالجهل والتسلط أو المصالح التي تقوم بتغذية خطاب الكراهية وتوزيعه على الآخرين دون رادع. التحولات الديمقراطية في البلاد المختلفة غذت خطاب الكراهية بهذه الدرجة أو بتلك، في هذا المجتمع أو ذاك، وقد أحدث التنافس الذي هو سمة من سمات الديمقراطية ارتفاعا في خطاب الكراهية، خاصة في المجتمعات التي لم تحدد قانونا واضحا لمساحة التنافس بين الأفراد والجماعات. في بلاد أخرى يقنن التنافس الديموقراطي وتوضع له شروط وآليات تمنعه من الوصول الى الكراهية الفظة.
جوهر الديموقراطية هو التسامح وقبول الآخر وهو جوهر أخلاقي بالدرجة الأولى، يتمثل بالحوار الحضاري الذي يؤمن بأن الحقيقة لا يمتلكها أحد، تتوصل المجتمعات الى الحقيقة النسبية في القضايا المطروحة بالنقاش الحر من خلال أخلاقيات المناقشة، كما أن الديموقراطية تعلي الكرامة الانسانية وتضعها موضعاً متقدماً، والكراهية تحط منها. لقد اصبح اليوم هناك ما يسمى بـ «صناعة الكراهية» وهي صناعة تتدخل فيها الحرب القولية والافتراء على التاريخ بل وتزييفه بين الجماعات المختلفة، وما ان تدخل الكراهية في مجتمع حتى تمزقه إربا والى شيع وجماعات متنافرة ومتضادة.
ومنذ أن تجرأ الانسان على تزييف التاريخ واتسعت مساحة الكراهية باسم الدين تارة والقومية تارة أخرى والوطن تارة ثالثة، وأكثر حروب الكراهية هي التي ترتكب باسم الدين، فقد دخل البروتستنت والكاثوليك في حروب دموية بالغة القسوة حتى تكرست الكراهية بين الاجتهادين وامتدت لعصور طويلة، وهي أيضا اليوم تستخدم لتمزيق الشعوب في منطقتنا العربية من خلال تقسيم سياسي وطائفي يبث سمومه بين الناس ويشيع بين الجهلاء والمستفيدين سياسيا. يزداد الأمر سوءا في الاستخدام السلبي لوسائل الاتصال الحديثة وخاصة ما يسمى الاعلام الجديد الممتد عبر الانترنت والذي يستخدمه البعض استخداما سلبيا للغاية من أجل بث شعور الكراهية ونبذ الآخر المختلف بل واطلاق الاشاعات التي تساعد على توسيع رقعة الكراهية بين الناس.
من هنا فان التسامح الذي حضت عليه القيم الكبرى والدين الاسلامي أصبح مسألة جوهرية في حياتنا السياسية والثقافية، بل أصبح حاجة ماسة وضرورة حياتية فهي فرض عين لا فرض كفاية، فقد تبين لكل عاقل أن التسلط والكراهية والاستكبار والقاء الآخر وادعاء الأفضل، كلها أشكال من الكراهية أوصلت البشرية الى تصرف قريب من الحيوانية وأسالت أنهراً من الدم على مر التاريخ وهدمت أوطاناً وأبادت حضارات.

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك