قراءة في تعيين الجنرال بترايوس قائدا لعمليات العسكرية في الشرق الأوسط

عربي و دولي

812 مشاهدات 0


قبل عشرة أشهر نشرت صحيفة نيويورك تايمز The New York     
Times  إعلانا من قبل  الجماعات  المناهضة للحرب في العراق ، وكان عنوانه:
 General Petraeus or General Betray Us?
 وقد رافق ذلك ضجة كبرى ، بناء على تفسير الكونغرس للعنوان أعلاه .وصوت 72 عضوا مقابل 25 يدينون فيه جماعة MoveOn.org's  المناهضة للحرب التي دفعت ثمن الاعلان، كما يشجبون في الوقت نفسه النيويورك تايمز على نشرها للإعلان . لأن التلاعب في اسم الجنرال من  Petraeus الى  كلمة  Betray Us قد حرف المعنى بشكل مشين حيث ان معنى الكلمة الاخيرة هو الجنرال يخوننا. فكيف غرر الجنرال بهم ؟
لقد كانت حرب تحرير العراق كما طبخت في واشنطن فسحة قصيرة تطبق فيها عقيدة الصدمة والترويع  'shock and awe.' لإخافة جنود صدام بالقوة النارية الرهيبة ثم ينتهي كل شي. لكن الجنرال بترايوس لازال هناك منذ خمس سنوات في النزهة التي قيل أنها سوف تكون قصيرة. ونزاهته المهنية صارت  محل شك لأنه  أصبح يقول  ما يريد صقور واشنطن سماعة، وهذا ما جعله يصل إلى اعلي منصب في العراق، وهو قيادة القوات كلها هناك، بعد الجنرال وليام فالون الذي استقال بعدما اعتبر معارضا لسياسة الرئيس جورج بوش العسكرية، ولعل ما جعل المنظمات المناهضة للحرب تستشيط غضبا هو قراره الذي أوصى فيه بزيادة القوات بدل سحبها أو التقليل من عددها  كما كان متوقعا  .
الجديد في موضوع الجنرال الذي وصفته النيويورك تايمز بأنه يخدع/يغرر/ يضلل/ يخون جاء كصدمة أخرى للمراقبين ، حين ثبت مجلس الشيوخ الأميركي تعيينه كقائد لكل العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، لتضم أفغانستان ، والملف الإيراني  من الناحية العسكرية .
فمن هو  مهندس إستراتيجية زيادة عدد القوات الأميركية في العراق؟
وكيف سيتعامل مع الملف النووي الإيراني ؟
في يناير 1991م وأثناء غزو صدام للكويت  قال لي ضابط أميركي 'أنه يحمد الله أن الرئيس رونالد ريغان قد استنفذ حقه في سنوات الرئاسة  الأميركية وأن جورج بوش الأب هو الرئيس الحالي '  ثم أضاف مجيبا الدهشة التي ارتسمت على وجهي ' 'ريغان راعي بقر مندفع ولو كان موجودا لما انتظر حشد القوات ليكتمل، بل كان قد زج بنا نقاتل الحرس الجمهوري منذ الثالث من أغسطس1990م حتى وإن لم نكن مستعدين .
الجنرال ديفيد بترايوس  راع بقر من صنف آخر ، ففي 1991م وأثناء حضوره تدريب على رماية البندقية، تعثر جندي بالقرب منه فانطلقت رصاصة من بندقيته M16   لتستقر الطلقة في صدر بترايوس، وبعد خمسة أيام فقط، ولكي يثبت أنه عنيد  قوي الشكيمة، قام بعمل تمرين الضغط بالذراعين  خمسين مرة دون توقف لكي يتم خروجه من المستشفى الذي اعتبر أن بقاءه فيه إهانة لتاريخه العسكري .  لم يشارك بترايوس في حرب تحرير الكويت ولم يقاتل من قبل ، بل إن حرب تحرير العراق 2003م  كانت هي أول مشاركاته القتالية ، كقائد للفرقة 101 المحمولة جواً، حيث تعرض شخصيا لنيران المقاومة العراقية في معارك كربلاء والحلة . وللقضاء على المقاومة ، أوصى بتوسيع رقعة الوجود العسكري  الأميركي فلقي أذنا صاغية في واشنطن ، وبدأ الطرفان يمهدان السبيل للأخرى فسميت عملية التوسع العسكري  (نظام بترايوس)  ، كما قام بتعيين صقور الجيش الأميركي من الضباط كمستشارين له في منصبه كقائد لمسرح عمليات العراق .
إن من الإنصاف القول أن راعي البقر المندفع  هذا حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة برنستون التي لا تقبل إلا النابهين  في تخصص العلاقات العامة. كما يقول سجله العسكري أنه أول دفعته في  كلية القيادة والأركان العليا ، وقد عمل معلما في كلية وست بوينت العسكرية التي تخرج منه ، كما عمل مع قادة كبار حيث كان مدير مكتب قائد  فرقة المشاة الآلية 24.
يبلغ هذا الجنرال الهولندي الأب  من العمر 55 عاما ، وهو شاب بالمقارنة مع  من سبقه من شاغلي منصب  قائد كل العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وفيما يخص الملف النووي الإيراني، ينتابنا القلق من  طموح الأجيال الشابة المتعجل لتحقيق حضوره في سجل التاريخ العسكري، خصوصا أن بترايوس يرى نفسه كالجنرال مكارثي بطل احتلال اليابان الذي كان مؤهلا  من الناحيتين العسكرية والسياسية. وجل ما نخشاه أن يزين لصقور واشنطن إمكانية مهاجمة إيران اعتمادا على  عقيدة الصدمة والترويع  'shock and awe.' لإنجاز نجاح سريع يخدم طموح الطرفين، وهما الحزب الجمهوري والجنرال الذي يرى نفسه مؤهلا لمناصب أخرى قد تكون الرئاسة أحدها ، إذا لم يصطدم بالكونغرس كما حدث لقدوته مكارثر.
عندما يتسلم منصبه بصفة رسمية في الخريف القادم سوف يكون  الجنرال دافيد بترايوس   General David Howell Petraeus  هو أقوى رجل في الشرق الأوسط . فهل نرحب به بنفس التفاؤل الذي لمسناه عندما رحب الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف موريل بتثبيت بترايوس في منصبه الجديد قائلا: 'من أجل إقامة شرق أوسط أكثر استقرار وأمنا'.
هل يتحقق الاستقرار والأمن أم يغدر بنا Petraeus  أو Betray Us   لا فرق ،فكما يقال لكل من اسمه نصيب ؟

 

فايز الفارسي - الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك