ناصر المطيري يتساءل: هل ما حدث في العراق لا يكفي للعظة والاعتبار؟!
زاوية الكتابكتب نوفمبر 18, 2013, 1:04 ص 961 مشاهدات 0
النهار
خارج التغطية / الصراع المذهبي والموقف السياسي
ناصر المطيري
إن تراثنا وتاريخنا العربي والإسلامي مليء بالكراهية والبغضاء بين أتباع الطوائف والمذاهب والملل والنّحل، وهذه الأرضية من الخلاف والنزاع تظل خافته وكامنة. إلا أن هذا التراث الخلافي، لا يعمل ويثار ويفعّل ويتم تحريكه، إلا بتأثير القرار السياسي، الذي يتحكم في مسألة إثارة التوتر والتشنج المذهبي، والدفع بها إلى درجة الفتن. أما إذا ارتأت القوى والأطراف السياسية المتصارعة والمتقاتلة أن هذه الفتن ليست في صالحها أو من مصلحتها، فإنها سوف تضع حدًّا لها، وتسعى إلى الاتفاق فيما بينها على وضع حل لإخماد أوار الفتنة، ووضع الحلول المناسبة لحلها، والتخفيف من حالة التوتر المذهبي، والميل إلى ضبط الأوضاع حتى لا تنزلق إلى مستويات يصعب التحكم بها أو السيطرة عليها.
لذلك فانه حين تكون العلاقة بين أتباع المذاهب توافقية وطبيعية، فإن تقارب الآراء السياسية والبرامج الاجتماعية، والتوافق في المصالح، سيكون هو المؤثر في تشكيل التحالفات والتجمعات، بغض النظر عن الانتماء المذهبي والاختلافات العقائدية، ففي أتباع المذهب الواحد، هناك تنوع في الاتجاهات السياسية، واختلاف في المدارس الفكرية، وتضارب بين مصالح الفئات لهذه الجماعة أو تلك.
إلا أن هناك من يوظف الدين في إذكاء النزاع الطائفي، وفي إذكاء أواره، وصب الزيت على النار، باسم الدفاع عن العقيدة والمذهب، وذلك من أجل أهداف ومصالح سياسية، لذلك فإن مسألة العنف الطائفي مرتبطة ومحكومة بالقرار السياسي أكثر مما هي مرتبطة بالحالة الأهلية الشعبية ذات الخلفيات الدينية المذهبية والطائفية من الأمراض المزمنة التي تنخر في جسد الأمة وتفتك بها، ولا يلبث هذا الوباء المتوحش أن يخبو، حتى يعاود الظهور مرة أخرى بشكل شرس، نتيجة لأسباب ذاتية أو لأسباب موضوعية، مما يؤدي إلى إنهاك جسد الأمة وضعضعته. ومع هذا الإنهاك والضعف، ما زالت هذه الأمة تتعرض إلى المزيد من عمليات الفتك والإبادة والتشويه، بسبب عدم الورع عن استعمال سلاح الطائفية المدمر، والاستخدام السيئ والمفرط لها، من خلال التحريض المذهبي والطائفي، إلى العمل على تغذية حالات الإقصاء والنبذ والتخويف والتشكيك وغيرها من أسلحة فتاكة مزقت حاضر الأمة وضيَّعت مستقبلها.
ان مشكلة الطائفية في مجتمعات الأمة يصنعها ويمدها عنصران رئيسان، الأول سياسي، والثاني ديني. ويتمثل العنصر الأول في اعتماد سياسة التمييز الطائفي بين المواطنين، وتشجيع حالات الصراع المذهبي لأغراض سياسية، بينما يتمثل العنصر الآخر في نهج الخطاب الديني حين يعتمد التعبئة المذهبية، بالتركيز على نقاط الخلاف، والاستدعاء الدائم للتاريخ والتراث من أجل تغذية المشاعر المذهبية، والتحريض ضد الآخر، ومما يثير القلق أن هذين العنصرين، يعملان اليوم بشكل محموم لتأجيج الصراع الطائفي في أكثر من موقع في ساحة الأمة، وهنا نتساءل: هل ما حدث في العراق لا يكفي للعظة والاعتبار؟
تعليقات