دولة الرفاه علمت المواطن الاتكالية.. هكذا يعتقد وليد الرجيب

زاوية الكتاب

كتب 1089 مشاهدات 0


الراي

أصبوحة  /  الالتباس حول مفهوم دولة الرفاه

وليد الرجيب

 

عندما نشرت جريدة «الراي» مقالي «نعي دولة الرفاه» يوم السبت 2 نوفمبر الجاري، وردني كثير من التعليقات والاستفسارات وبعضه استنكر انتقادي لالغاء دولة الرفاه التي اعتبرها سبباً لعدم انتاجية المواطن، وشعوره بالدلال المفرط من الدولة «من المهد إلى اللحد» على حد تعبيره، التي أفقدت المواطن الكويتي «قيم العمل» وعلمته الاتكالية، بل ذهب أحد الإخوة الى التساؤل: «هل تريد من الكويتيين أن يعيشوا في أرجاء العواصم الأوروبية سواء للسياحة الباذخة أو للعلاج المزيف، ونترك الوافدين يقومون ببناء الكويت؟».
وقد كان من الواضح من تعليقات عدة سوء فهم لهذا المصطلح أو المفهوم، وهناك لبس في معنى «الرفاه الاجتماعي»، فدولة الرفاه مفهوم مترجم من اللغة الانكليزية Welfare state، ولا تعني الغنى أو البذخ، بل الأقرب الى هذا المفهوم هو «دولة الرعاية الاجتماعية»، حيث استفادت دولة الكويت في ستينات القرن الماضي من التوجه السائد في أوروبا والولايات المتحدة في تحمل الحكومات مسؤولياتها أمام مواطنيها في الصحة المجانية والتعليم المجاني والخدمات المجانية، مع ما يتطلبه ذلك من خطط تنموية مستدامة يكون محورها الانسان وسعادته ورخاءه، ودفعه للعمل والانتاج بفعالية من أجل نهضة بلاده.
وتم تبني هذا المفهوم وهذا التوجه بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت نتيجة للأزمة الرأسمالية العميقة «الكساد الكبير» عام 1929، وسببت الكثير من الأزمات الاجتماعية مثل الفقر والبطالة، وليس أفضل من مثال عكس معاناة الانسان الأوروبي والأميركي آن ذاك مثل رواية «عناقيد الغضب» للروائي الأميركي «جون شتاينبك»، اضافة الى خوف هذه الدول من أن تقوم فيها ثورات ضد النظام الرأسمالي، خاصة وأن الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت قدم نموذجاً ناجحاً للرعاية الاجتماعية ودولة الرفاه ولم يتأثر بهذه الأزمة الاقتصادية.
فتبنت دول أوروبا والولايات المتحدة «الكينزية» وهي السياسة الاقتصادية التي وضعها الاقتصادي كينز، وهي سياسة اقتصادية رأسمالية لكنها أقل توحشاً، أي اضطر رأسماليو هذه الدول الى التنازل عن بعض أطماعهم من أجل ارضاء شعوب هذه البلدان حفاظاً على استقرارها وخوفاً من ثورات تطالب بتطبيق الاشتراكية، وتم اعطاء هذا التوجه تسميات مثل «الرأسمالية الاجتماعية» وفكرها «الليبرالية الاجتماعية»، لكن أصحاب الشركات والمالكين لرؤوس الأموال لم يكونوا راضين عن هذه السياسة «دولة الرفاه»، فلم تستمر أكثر من ثلاثين عاماً، ليأتي «المحافظون الجدد» ويطبقوا سياسة النيوليبرالية التي تعتمد على انفتاح السوق والتخلي عن برامج الرعاية الاجتماعية، وتحميل المواطن وبالأخص محدود الدخل والعامل عبء الأزمات الرأسمالية، فتم انهاء دولة الرفاه وبيع كل شيء في قطاع الدولة الى القطاع الخاص، وصدرت التشريعات المنحازة لرأس المال وضد الطبقة العاملة ومحدودة الدخل وهذا أدى الى الأزمة الاقتصادية البنيوية عام 2008.
وقد لعبت سياسة دولة الرفاه دوراً مهماً في تطور أوروبا وأميركا، وخلقت شكلاً من أشكال الرضا النسبي بين أبناء الشعوب، واتسعت ما تسمى بـ«الطبقة الوسطى»، وقلّت وان كان بشكل محدود وشكلي الفوارق الطبقية الواسعة.
وبعض التعليقات التي وردتني اعتراضاً على موقفي من تفكيك دولة الرفاه، كانت تتصور بشكل بسيط أن الرفاه هنا مقصود به المجتمع ككل، وهذا من الأشياء المستحيلة في أنظمة طبقية بمصالح مختلفة بين الطبقات حتى في ظل دولة الرفاه، بل المقصود في الواقع هو مسؤولية الدولة تجاه شعبها وعدم تخلي القطاع العام عن دوره في التنمية والتعليم والرعاية الصحية والخدمات المتطورة، والحفاظ على ثروات الوطن النفطية وعدم التفريط فيها لصالح الشركات الخاصة والأجنبية من خلال السياسة الاقتصادية سيئة الذكر «الخصخصة».
ولنتذكر أن دولاً كانت تعتبر فقيرة مثل بعض دول أميركا اللاتينية وبعض دول آسيا، وكذلك اقليم كردستان العراق الذي يحصل على 10 في المئة فقط من عوائد النفط العراقي، كيف استطاع أن ينهض في سنوات قليلة ويبني الجامعات والمدارس والمستشفيات، ويقدم خدمات تعليمية وصحية مجانية لكل المراحل الدراسية ولجميع سكان الإقليم دون أن يمتلك المليارات التي تمتلكها دولة الكويت.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك