الأموال الأجنبية تتدفق إلى الخليج
الاقتصاد الآنصافي التدفقات أكثر من 200 مليون دولار خلال 2013
نوفمبر 5, 2013, 11:10 م 903 مشاهدات 0
تتدفق الأموال الأجنبية على المناطق الأقل احتياجا اليها في الشرق الاوسط، اذ بدأت منطقة الخليج تصبح وجهة رئيسة لمستثمري المحافظ الدولية، بينما تحول القلاقل السياسية دون ضخ استثمارات في أنحاء أخرى بالمنطقة.
فعندما تفجرت الانتفاضات في مصر وتونس ودول عربية أخرى قبل أكثر من عامين بدا أن الربيع العربي سيأتي بتأثير مختلف كليا.
ومع الاطاحة بالحكام الفاسدين وتشكيل حكومات ديموقراطية تركز على رفع مستويات المعيشة بشرت الانتفاضات بفتح الاسواق أمام المزيد من التنافس وجذب استثمارات أجنبية جديدة في معظم دول شمال افريقيا وبلاد الشام.
وبدا أن منطقة الخليج التي نجحت في تفادي التغيرات السياسية الكبيرة تمثل فرصة أقل جاذبية بعد أن اتخذت الانظمة الملكية استعداداتها لمقاومة شبح الاضطرابات، وتخلت عن إصلاحات اقتصادية تنطوي على حساسية سياسية.
ولكن منذ عام 2011 وضعت الغالبية العظمى من المستثمرين ثقتها في الخليج. وتألقت أسواق الأسهم والسندات الخليجية لأسباب عدة من بينها تدفقات الاموال الاجنبية عليها، بينما عانت الاسواق المتأثرة بالربيع العربي.
وبرز هذا التناقض الاسبوع الماضي عندما رفعت «ستاندرد اند بورز داو جونز» لمؤشرات الاسواق تصنيف قطر والامارات العربية المتحدة الى وضع الاسواق الناشئة من الاسواق المبتدئة بعد قرار مماثل اخذته شركة «ام.اس.سي.اي» للمؤشرات في يونيو.
ومن المتوقع أن يؤدي ذلك الى جذب أموال أجنبية جديدة تقدر بمئات الملايين من الدولارات الى هذين السوقين، اذ يضع الخليج على الخريطة للمرة الأولى أمام بعض الصناديق الاجنبية التي تتابع عن كثب مؤشري «اس اند بي» و«ام.اس.سي.اي».
وقال مديرو صناديق لقمة «رويترز» للاستثمار في الشرق الاوسط ان التصنيفات الجديدة جاءت في اطار موجة يزيد فيها التفات المستثمرين الاجانب الى القطاعات غير النفطية في الاقتصادات الخليجية، وكذلك ثرواتها في مجال الطاقة.
وقال رئيس قسم استراتيجيات الاستثمار لدى مجموعة «ماسك» السعودية جون سفاكياناكيس «بدأت دول الخليج في جذب اهتمام المستثمرين الدوليين بعيدا عن مجال الغاز والنفط والهيدروكربونات»
ولم يعد يخفى على أحد أن السياسة تلعب دورا رئيسا، فالكثير من المستثمرين استهانوا بخطورة التوترات الطائفية التي كشفت عنها أحداث الربيع العربي، وقليل من توقعوا أنه بعد مرور عامين ونصف العام ستظل الحرب الاهلية دائرة في سورية وستفتقر مصر الى حكومة ديموقراطية بينما تفتقر ليبيا الى أي حكومة قادرة على بسط سلطتها.
في الوقت نفسه، كان أداء الحكومات الخليجية في الحفاظ على الاستقرار السياسي في بلادها أفضل مما توقعه الكثيرون، ذلك أن معظم برامج الانفاق الحكومية الضخمة الممولة بايرادات النفط نجحت في تحقيق السلام الاجتماعي.
وهناك عوامل أخرى لعبت دورا أيضا، فأزمة الديون التي شهدتها منطقة اليورو وحالة عدم اليقين التي اكتنفت السياسة الاقتصادية الاميركية انعكستا سلبا على الدول العربية التي تعاني من ضعف مركزها على ساحة التجارة الخارجية وتدهور أوضاعها المالية، بينما صبت في صالح تلك الدول التي تتمتع بفائض آمن في ميزان المعاملات الجارية والميزانية.
وأظهرت تقديرات شركة «ليبر» التابعة لـ «تومسون رويترز» أنه حتى مع خروج أموال من صناديق كثيرة بالاسواق الناشئة في الربع الثالث هذا العام شهدت الصناديق التي تقتصر على أسهم الشرق الاوسط (ومعظمها يركز على الخليج)، تدفقات صافية للربع الثالث على التوالي. ولم يحقق القطاع هذه المكاسب منذ 2007-2008.
وقالت «ليبر» انه في الاشهر التسعة الاولى من العام الحالي بلغ صافي التدفقات أكثر من 200 مليون دولار، بما يعادل 12.5 في المئة من أحدث قيمة للاصول الخاضعة للادارة.
وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة «تمبلتون» للاسواق الناشئة مارك موبيوس ان الاداء القوي للاقتصادات الخليجية في السنوات القليلة المنصرمة ساعد بعض المستثمرين الاجانب على فهم المنطقة بصورة أفضل والتمييز بين الاسواق.
وأضاف «يدرك الناس أن هناك اختلافا بين دبي وعمان أو البحرين وقطر على سبيل المثال... يمكنهم التمييز بينهم. وهذا مهم للغاية».
وكان نمو القطاع الخاص عاملا ثالثا ساهم في دعم الاسواق الخليجية، فالتوترات السياسية أضعفت الرغبة في اجراء اصلاحات اقتصادية جذرية بالشرق الاوسط وشمال افريقيا مثل تقليص برامج الدعم الحكومي الضخمة.
ومع التنوع التدريجي لاقتصادات الخليج بدأت تصبح أكثر جذبا للمستثمرين الاجانب وأكثر قدرة على مواجهة انخفاض أسعار النفط. وانكمش انتاج قطاع النفط السعودي 3.7 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني من 2013، ولكن القطاع الخاص غير النفطي نما بنسبة 4.2 في المئة، ما أثمر عن نمو الاقتصاد بنسبة 2.7 في المئة.
واشترى مستثمرون في بريطانيا 42 في المئة من حجم الاصدار البالغة قيمته 500 مليون دولار، تبعهم أوروبيون اخرون بنسبة 28 في المئة ثم مستثمرون اسيويون بنسبة 12 في المئة. وقبل عامين فقط كان من الممكن توقع شراء المستثمرين المحليين في الخليج لمعظم السندات المطروحة في أي اصدار من المنطقة في ظل عزوف الكثير من نظرائهم الاجانب.
وقد يتحول النمو التدريجي لاستثمارات المحافظ الاجنبية في الخليج الى موجة نمو عارمة في حال قررت السعودية فتح سوقها الاكبر في العالم العربي أمام الاستثمارات الاجنبية المباشرة بعد استعدادها للاصلاح على مدى عدة سنوات. وتقتصر استثمارات الاجانب حاليا على صفقات المبادلة وصناديق المؤشرات، ويعتقد أن حصتهم في سوق الاسهم لا تزيد على خمسة في المئة.
وقال سفاكياناكيس ان أي قرار بفتح السوق السعودية سيكون حساسا من الناحية السياسية نظرا لاحتمال النظر الى الاجانب على أنهم يستحوذون على جزء من ثروة الشركات في المملكة بشكل غير عادل.
وهناك قضية أخرى تتمثل في ما اذا كان بامكان الاسواق الخليجية ادراج ما يكفي من أصول الشركات لاشباع شهية المستثمرين الاجانب. وفي السعودية تسيطر الشركات العائلية على جزء كبير من الاقتصاد، بينما تمتلك الحكومة في قطر حصصا كبيرة غير قابلة للتداول في كثير من الشركات.
ويقول مسؤولون في البلدين انهم يريدون طرح المزيد من الاسهم للتداول، ولكن قد تتسبب الحساسيات السياسية في ابطاء وتيرة التقدم.
ورغم ذلك ومع دخول تصنيفات «ستاندرد اند بورز» و«ام.اس.سي.اي» الجديدة العام المقبل، فان موجة الصعود التي تشهدها استثمارات المحافظ الدولية في الخليج يمكن أن تستمر بعض الوقت.
وربما يتمثل التهديد الاكبر في أسعار النفط، فمن شأن أي انخفاض لخام برنت الى نحو 85 دولارا للبرميل - من نحو 105 دولارات حاليا - أن يبدأ في الضغط على الاوضاع المالية لدول الخليج في حين يدعم اقتصادات دول الربيع العربي المستوردة للنفط مثل مصر.
ويستبعد سفاكياناكيس أن تستقبل منطقة شمال افريقيا تدفقات كبيرة من الاموال الاجنبية دون تحقيق انفراجة سياسية.
وأضاف «السياسة هي التي تحدد طبيعة الظروف بهذه الدول. ومن دون اصلاح سياسي وتدشين عملية صنع قرار تقوم على الحلول الوسط، لن يكون هناك نمو اقتصادي أو اهتمام يذكر من المستثمرين الاجانب».
تعليقات