أبراج يونغبيون وأبراج بوشهر النووية

عربي و دولي

بيونغ يانغ ليست طهران وسيول ليست تل أبيب

708 مشاهدات 0

أبراج يونغبيون لحظة التفجير

 
 
قامت جمهورية إيران الإسلامية أمس الأول، بهدم برج التبريد لمفاعلها النووي في بوشهر غداة تسليم محمد البرادعي من وكالة الطاقة الذرية إعلانا حول أنشطتها النووية، ما يشكل دليلا إضافيا على التزامها في عملية نزع أسلحتها النووية. وبثت محطات التلفزيون العالمية مشاهد عن انهيار البرج البالغ ارتفاعه 30 مترا وسط سحابات كثيفة من الدخان، عند تفجيره في الساعة 17:05 بالتوقيت المحلي بحضور ممثل عن دول رابطة العالم الإسلامي ودول مجلس التعاون. وكان نظام طهران قد دعا 16 صحافيا أجنبيا بينهم فرق تلفزيونية إلى تغطية الحدث في بث مباشر.
 
بين الحقيقة وحلمنا الجميل المنشور أعلاه فرق شاسع، فبيونغ يانغ ليست طهران وكيم جونغ أيل زعيم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية ليس محمود أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الإسلامية، وسيول ليست تل أبيب، كما أن دول مجلس التعاون ليست رابطة  آسيان التي تضم كل من ماليزيا وسنغافورة وتايلاند والفلبين وإندونيسيا وسلطنة بروناي وفيتنام وماينمار فضلاً عن لاوس وكمبوديا.
 
كان كلما حدث تفجير نووي من قبل كوريا الشمالية، تردد صدى هذا الصوت الأول في آذان الإيرانيين  كصوت السنتور الإيراني  الشجي ينقر على أوتاره بمضربين صغيرين العازف الماهر وكيم جونغ أيل وكأنه خدمة لإيران .ثم أخذت تتسع دوائر الهزات الارتدادية السياسية لذلك العزف إقليميا وعالميا، فتأثر العازف وتحول صوت السنتور إلى صوت انفجارات هوت ببرج التبريد في مفاعل يونغبيون  النووي وتحول الصوت الثاني إلى صرخة ألم للطعنة التي تلقتها إيران.
 
 تقع بيونغ يانغ في بيئة أقل ضراوة من بيئة الشرق الأوسط التي تقع فيها طهران، وتنفق كوريا الشمالية  مبالغ  طائلة على الإنتاج النووي فيما الوضع الاقتصادي العام فيها يبلغ أحياناً درجة المجاعة لدى الشعب الكوري الشمالي، مما يجعل تمرد الكوريين الشماليين في مظاهرات الجوع أكثر احتمالا من حالة الإيرانيين، وذلك الأمر يشكل دافعا للقبول بفكرة شراء جوع الكوريين بالأموال الأميركية واليابانية على شكل مساعدات ووقود نظير التخلي عن القنابل المكلفة .
صحيح أن كيم جونغ أيل زعيم جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية شيوعي وشمولي ودكتاتور، لكن ثوابته هذه لا تحول دون تخليه عن طموحه في حرب الرأسماليين نظير لقمة لسد رمق شعبه، بينما الأمر في إيران على النقيض تماما . صحيح أن الدوافع هي أيديولوجية بالدرجة الأولى في كلا البلدين لكن إيديولوجية كيم جونغ أيل ليس لها بعد سماوي كما هي الحال لدى محمود أحمدي نجاد رئيس جمهورية إيران الإسلامية، وهو الرجل المؤمن بشدة بأن ظهور المهدي المنتظر قد قرب أوانه، ويلزم لذلك وجود دولة قوية متقدمة تكنولوجيا خصوصا بالتكنولوجيا النووية، وعليه فإن العقبات والعقوبات لا شي في فكر نجاد لتهيئة العالم لظهور المهدي .
 
 جرت الحرب الكورية 1950-1953م وقد أدت إلى تقسيم كوريا الى بلدين يحضر كل منهما للآخر أشد الأسلحة فتكا، وقد دعمت الكتلة الشرقية والشيوعية كوريا الشمالية، بينما وقفت الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، ومنذ ذلك الحين لم يتم إطلاق رصاصة واحدة بين الطرفين. بينما تقول إيران بأن تحضيرها للمسرح لعودة المهدي المنتظر يتطلب ضرورة عدم الاعتراف بـ'إسرائيل' ومحوها من خريطة العالم الإسلامي، ورفع الظلم الذي حدث بقيام إسرائيل 1948م وفي ذلك تتفق إيران مع رأي الدين الإسلامي امتثالا لحديث النبي (ص) في ما أخرجه الإمام أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض عدلاً'، لكن الفكر المسيحي اليميني المسيطر حاليا على مراكز صنع القرار في واشنطن  يقول بنقيض ذلك تماما، وأن ظهور المسيح يتطلب بقاء إسرائيل قوية ومتفوقة .
 
  لم يظهر النشاط السياسي والعسكري لبيونغ يانغ طموحا لكي  تهيمن على جنوب شرقي آسيا، بل إنها كانت في معظم الأوقات في موقف المدافعة عن نفسها بالدرجة الأولى ضد كوريا الجنوبية المتقدمة تكنولوجيا والمدعومة من قبل الولايات المتحدة ، وكان سبيل كوريا الشمالية في إطعام شعبها هو التخصص في بيع أسلحة الدمار بأنواعها  من ألغام وصواريخ وغازات سامة. وعلى النقيض من ذلك يأتي موقف إيران من دول الجوار الإقليمي حيث تعدى طموحها السيطرة على الخليج العربي ليصل إلى دول وسط آسيا، حيث لم تتردد إيران الإسلامية في الإعلان عن أن مشروعها الحضاري ينطوي على أبعاد امبراطورية ، سواء بدعوى الدور الحضاري منذ أيام الأكاسرة أو لنشر ثورة المستضعفين أو لنشر الإسلام الشيعي .
 
  لقد ارتفعت مؤخرا وتيرة السجال حول إمكانية حدوث السيناريو الكوري الشمالي في إيران، فكل المؤشرات تقول أن موقف بيونغ يانغ التفاوضي كان أقوى وأن البيئة الأمنية  والتحديات لم تكن عليها أشد من طهران ويكفي تذكر اللوبي الصهيوني وتأليبه واشنطن على إيران .
 
لقد كان للدول المحيطة بكوريا الشمالية دور في إقناعها بنزع سلاحها النووي، وكانت التدخلات الصينية الساعية لتفكيك الأزمة هي مفتاح النجاح، لكن إيران حاليا تلعب وفي يدها أوراقا قوية منها غياب من يلعب دور الوسيط ، فروسيا وسيط غير أمين ينشد مصالحه في ملايين الدولارات الإيرانية مع كل محطة نووية يجري استيرادها وجلب فنييها من روسيا. والدول ذات العلاقة بالملف الإيراني مثل  بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا منقسمة على نفسها حيال الإجراءات التي يمكن أن تتخذ لوقف النظام الإيراني عن مساعيه .بالإضافة إلى شعور إيران بالقوة طالما هي ممسكة بكعب أخيل الدامي تضغطه كلما شاءت ليزداد نزف أمريكا في العراق، أضف لذلك  أن الغرب يحسب حسابا لعمق إيران الاستراتيجي الإسلامي أو الشيعي على اقل تقدير لو تعرضت لإجراءات مدمرة .
 
ثم يبقى دور دول مجلس التعاون القريبة من طهران والتي  تريد أمرين متناقضين تماما، حيث يستحيل نزع أسنان الوحش دون إراقة قطرة من دماءه.
فايز الفارسي-الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك