هل فشلت الرأسمالية الغربية؟ بقلم أمين ساعاتي

الاقتصاد الآن

940 مشاهدات 0

من الارشيف

في الأسبوع الماضي نشرت صحيفة ''الاقتصادية'' مقالاً لافتاً لرومان فريدمان ومايكل جولدبرج بعنوان: ''هل فشلت الرأسمالية''، استعرض المقال سلسلة من الانتكاسات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي منذ سقوط بنك ليمان براذرز في عام 2007 وحتى الآن.

والحقيقة أن الاقتصاد الدولي بدأ يعاني مشكلات الاقتصاد الأمريكي منذ زمن بعيد، ولكن منذ أن تسلم الرئيس جورج دبليو بوش مقاليد الإدارة الأمريكية في عام 2001، روجت إدارة الرئيس بوش لنظرية ملتون فريدمان صاحب مدرسة شيكاغو التي كانت تدعو إلى اقتصاد السوق وحتمية توفير الحرية الكاملة للاقتصاد دون أي تدخل يذكر من الحكومات.

ومنذ هذا التاريخ تكالبت الضغوط على الاقتصاد العالمي بسبب أزمات الاقتصاد الأمريكي.

ولقد بنيت توجهات مدرسة شيكاغو على فرضية أن سلطة الدولة ضعفت، نتيجة انتقال مركز ثقل القرار إلى الأسواق العالمية الواسعة التي تتطلب وجود شركات عملاقة تكون مصدر التوازن الجديد في العالم، وعليه يصبح الاقتصاد وليست السياسة هو صانع الأحداث في العالم على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والإنسانية، وهي الأفكار التي عبر عنها فرانسيس فوكوياما في أوائل التسعينيات في كتابه عن نهاية التاريخ، وأغرق العالم منذ ذلك الحين بكم هائل من الدراسات والمقالات والمؤتمرات والندوات التي تؤكد وحدانية السوق الذي تحول فيما بعد إلى ما يشبه العقيدة التي لا تقبل الشك أو النقاش.

ولقد استخدمت هذه الشركات عدة آليات لإحكام سيطرتها الاقتصادية والسياسية، ومنها التكنولوجيا والحجم الكبير ثم حقوق الملكية كشكل قانوني لحماية الاحتكار، بدعم من منظمة التجارة العالمية التي استخدمت استخداماً سيئاً في إطار دعم نظرية السوق.

وفي هذا الإطار أصبحت نظرية السوق شعاراً تتغنى به كل الدول في وسائل إعلامها وتعلقه وساماً على صدرها، كما كانت تعلق على صدرها شعار الديمقراطية الذي لا يزال شعاراً محنطاً منذ 80 عاماً وحتى الآن.

ولكن كانت الولايات المتحدة التى تعد الرأس المدبب للرأسمالية الغربية تعاني مشاكلات اقتصادية مدمرة، ولعل من أخطر هذه المشكلات هي مشكلة الموازنة الفيدرالية العامة التي باتت لا تتهدد الاقتصاد الأمريكي فقط، بل أصبحت تتهدد الاقتصاد العالمي الذي ما زال ينتظر من جناحي المشكلة - البيت الأبيض والحزب الجمهوري - أن يتوصلا إلى رفع سقف الدين الحكومي الذي بلغ 16,7 تريليون دولار.

وبسبب هذا الدين فإن الولايات المتحدة تتكبد خسائر متراكمة ومتسارعة منذ وقف الحكومة الفيدرالية أعمالها بشكل جزئي بنحو ربع مليون دولار في كل دقيقة، و12.5 مليون دولار كل ساعة، أي 300 مليون دولار يوميًا، وذلك منذ الأول من تشرين الأول (أكتوبر) 2013، أي منذ أن أغلقت الحكومة الفيدرالية الأمريكية بعض مكاتبها وأوقفت أنشطتها غير الرئيسة، وسرحت 800 ألف موظف فيدرالي إلى منازلهم. كذلك الاستمرار في توقف عمل الحكومة الأمريكية سيمثل ضغطاً على مستويات الثقة، سواء بالنسبة للمستثمرين أو المستهلكين الأمريكيين، كما سيؤثر تبعاً لذلك في الإنفاق من قبل قطاع الأعمال والمستهلك النهائي على حد سواء.

وتشير مراكز الدراسات إلى أن النمو الاقتصادي للولايات المتحدة سيتقلص بواقع 0.2 في المائة في كل أسبوع تعلق فيه الحكومة الأمريكية أعمالها، ما يعني أن الولايات المتحدة يمكن أن تسجل نمواً اقتصادياً بنسبة 1.6 في المائة بدلاً من 2.2 في المائة خلال الربع الأخير من العام الحالي، إذا استمرت الأزمة لثلاثة أسابيع فقط، وهي المدة نفسها التي استغرقتها أزمة الموازنة في عام 1996.

وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تكبدت خسائر قدرت بنحو 1.4 مليار دولار في عام 1996، بسبب أزمة موازنة مشابهة أدت إلى توقف 800 ألف موظف عن العمل، وتعطل جزئي في أعمال الحكومة الفيدرالية الأمريكية.

إن الخسائر الفعلية للاقتصاد الأمريكي تفوق الخسائر المباشرة بكثير، حيث إنه لم يتم احتساب العبء الاقتصادي والاجتماعي لتوقف 800 ألف موظف عن العمل، كذلك لم يتم احتساب الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد عندما يعود هؤلاء الموظفون إلى أعمالهم ويضطر كل منهم إلى قضاء مدة طويلة في إنجاز الأعمال المتراكمة والمؤجلة، التي كان من المفترض أن تتم خلال فترة التعطل.

إن المشكلة هي أن الحكومة تتعطل أعمالها في الربع الأخير من العام، وهي الفترة التي عادة ما يتم فيها تحسين الأداء في محاولة من قبل المؤسسات لاستباق نهاية الفترة المالية، وهو ما يمكن أن يضاعف من التأثيرات السلبية في الاقتصاد الأمريكي.

ويذهب فريدمان وجولدبرج بعيداً إلى القول إن الهيئات التنظيمية والمصرفيين ووكالات التصنيف، تتحمل قدراً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة، ولكن شبه الانهيار هذا لم يكن فشلاً للرأسمالية بقدر ما كان فشلاً ناجماً عن فهم النماذج الاقتصادية المعاصرة لدور الأسواق المالية وطريقة عملها، ولعله من المفيد أن نتذكر التصريح الذي أدلى به رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق ألان جرينسبان، الذي قال فيه إنه وجد خللاً في الأيديولوجية التي تزعم أن المصلحة الذاتية من شأنها أن تحمي المجتمع من تجاوزات النظام المالي.

وما زال الاقتصاد العالمي يحبس أنفاسه انتظارا للحظات الانفراج والتوافق بين البيت الأبيض والكونجرس على رفع سقف الدين!

الآن - العربية

تعليقات

اكتب تعليقك