(دبلوماسية 'تحذير الرعايا' TRAVEL ADVISORY DIPLOMACY

عربي و دولي

تطويع السياسات المخالفة بحجج دبلوماسيات متنوعة

545 مشاهدات 0


     قبل عشرة أيام تقريبا حذرت بريطانيا والولايات المتحدة كل على حدة رعاياها من ارتفاع خطر الإرهاب إلى مستوى عالٍ في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت إن خطر حصول اعتداء إرهابي في المنطقة، بما فيها الإمارات، حقيقي فعلاً، داعية الرعايا للتنبه باستمرار. ولم يكن هناك من مسوغ لهذا التحذير إلا كلام غير دقيق حول فترة  إجازات الصيف والاستعدادات في الرابع من يوليو للاحتفال بالعيد الوطني الأمريكي.
إن شر الناس كما يقال هو من يصب الزيت على النار، ولا أشر منه إلا من يصب الزيت على النار دون أن يعلم ، وهذا ما نحاول تحاشيه في هذه الأسطر، فلا نسوق للرعب الذي تداولته عن جهل الكثير من وسائل الإعلام الخليجية، من باب أن 'ناقل الكفر ليس بكافر'. فدولة الإمارات العربية المتحدة واحة استقرار لم تتعرض لأعمال إرهابية كدول الخليج الأخرى، و تعيش الإمارات عزلة مريحة نمى فيها وترعرع اقتصاد مزدهر مما جعلها تجربة تحتذى و مجال فخر للعرب وأهل الخليج خاصة .
 يقول إرنست ساتو في  كتابه الدليل في الممارسة الدبلوماسية  'إن الدبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة' ويحتار المراقب لأمن الخليج في التوجهات الجديدة للدبلوماسية الأميركية والغربية بصورة عامة في المنطقة، حيث يبدو أنها قد استنفذت كافة الوسائل الدبلوماسية المعهودة في تعاملها معنا. فهل في منع حصول طالب خليج على الفيزا الدراسية بعد استيفاءه  لشروطها ذكاء ؟ وهل في منع عجوز خليجي من الحصول على فيزا للعلاج كياسة دبلوماسية؟ وهل في منع عضو برلماني خليجي من حضور مؤتمر في دولة غربية إدارة حسنة للعلاقات الرسمية مع بلده؟ ثم أتت الطامة الجديدة وهي التهويل بكبر حجم التهديد الإرهابي في دولة ما. وقد مرت التهويلات الغربية على الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، ثم الكويت فالبحرين وقطر ليأتي الدور حاليا على واحة الازدهار دولة الإمارات المتحدة .
إن  'دبلوماسية تحذير الرعايا' Travel advisory    Diplomacy of   _ إن جاز لنا تسجيل حق اختراع هذا الاسم_ هي كما يبدو مرحلة جديدة في العلاقات الدولية كما ترسمها واشنطن ولندن ، لكن لعبة (جاكم الذيب) أو Cry wolf   معروفة و مستهلكة وساذجة في التاريخ الإنساني، لكن استنفاذهم  لدبلوماسية البوارج الحربية Gunboat diplomacy ، ودبلوماسية مظلة الأمم المتحدة UN Diplomacy ، ودبلوماسية الدفاع عن حقوق الإنسان Human Rights Defense Diplomacy  و الدفاع عن البيئة Environmental          Diplomacy وغيرها من الذرائع التي تدثرت بها واشنطن للتدخل في شئون الخليج العربي ونفطه، كل تلك الدبلوماسيات نفذت فما كان لهم من طريق إلا بوصم دولة الإمارات العربية بعدم الاستقرار.
فلماذا الإمارات ولماذا الآن ؟
يعلم المتابع أن حيادية دول مجلس التعاون عامة في صراع الطموح النووي الإيراني  أمر لم يكن في حسبان دول الغرب التي تسن حرابها للانقضاض على طهران. كما يعلم المتابع لأمن المنطقة أيضا أن هناك  حربا ضروسا يقودها الدبلوماسيون على إطراف الخليج، ولم تكن الإمارات باستثناء من هذه الحرب الصامتة حيث يقود (عادل اسادينيا)  قنصل إيران في دبي معركة دبلوماسية وحرب علاقات عامة يحسب له فيها النجاح، حيث استطاع إقناع الإماراتيين  بجعل قضية الجزر مسألة متأخرة في أجندة العلاقات الإماراتية الإيرانية، وبأن  الإمارات بما فيها من 4000 مشروع اقتصادي إيراني، هي  ميناء إيران الأول ليس في الحرب فقط كما جرى إبان حرب السنوات الثمانية مع العراق، بل وحتى في السلم في زمن الجمارك المرتفعة وزمن المناطق الحرة وزمن الحصار على إيران من الأمم المتحدة نتيجة طموحها النووي، ولم تكن 'دبلوماسية تحذير الرعايا' إلا رسالة لحكام الإمارات للتضييق على عادل اسادينيا وفريقه .
وهناك من يذهب إلى أنها محاولة لتحجيم الإمارات التي أخذت مؤخرا في إظهار نشاط سياسي جديد على عكس الحقبة الماضية المريحة، وأن هناك تحرك على أصعدة عدة في العراق ولبنان وفي مد يد للفرنسيين وغيرهم في نشاط يشبه التوسع الدبلوماسي القطري .
ولأن نظرية المؤامرة  تهمة جاهزة للتخفيف من أهمية تحليلات العرب التي تقودهم دوما  إلى أن للبريطانيين او الأمريكان مصلحة غير ظاهرة في مجريات الأحداث، فقد ترددنا قبل القول بأن هناك مشروع أمني بريطاني أو أمريكي متعثر للدولتين، بل إن فيه مصـلحـة و عـقود كبيرة و حـتى يمـر المشـروع لابـد مـن إثارة الذعـر من خطر الإرهاب .
 
إن نجاح البريطانيين والأمريكان في حفظ حياة رعاياهم كنتيجة للتحذيرات التي تبثها سفاراتهم، هو للأسف نجاح للتوسع في تطبيق دبلوماسية 'تحذير الرعايا'، Diplomacy of Travel Advisory  وسوف تتوسع الدول الكبرى في استخدام هذه الدبلوماسية للضغط على الدول والأنظمة التي لا تجاريها في توجهاتها السياسية، ومما يؤسف له أن تطبيقها قد سبق وأن نجح في بلدان عربية خارج دول مجلس التعاون، حيث اخضع هذا الابتزاز جمهورية مصر العربية ولبنان لرغبات الدول الكبرى خصوصا إن دبلوماسية 'تحذير الرعايا' لا تطبق إلا في الصيف وفي البلدان التي يعتمد اقتصادها بدرجة ما على السياحة وعلى الاستثمارات الأجنبية. فهل يتأثر مهرجان صيف دبي بدبلوماسية 'تحذير الرعايا' الفجة ؟ وهل نترك  بارومتر الأمن بيد غير أمينة ؟
الإجابة ملك الأشهر القادمة...
فايز الفارسي - الدوحة

تعليقات

اكتب تعليقك