جعفر رجب يكتب: لا أعتقد أننا سنتوقف عن ممارسة غبائنا!

زاوية الكتاب

كتب 1864 مشاهدات 0


الراي

تحت الحزام  /  'سبايدرماننا' خير من 'باتمانكم'

جعفر رجب

 

ألا نشعر بالغباء عندما نحارب من أجل عقيدة لا يعرفها ولا يؤمن بها الا نحن، ونريد من الاخرين ان يؤمنوا بها والإقرار بعقيدتنا واحترام مقدساتنا، رغم اننا خلقنا قدسيتها، وبنينا حولها اضرحة وهمية، ونقاتل من اجل ان نثبت ان اوهامنا اكثر صدقا وحقيقة من أوهام غيرنا!
الا نشعر بالغباء ونحن نبرر كراهيتنا وحقدنا لمن هو مختلف عنا، ونبرر قبولنا لقتلهم، وتفجيرهم، وقطع رؤوسهم، وقد نمارس القتل ايضا ضد من لايؤمنون بما نؤمن به من عقيدة سمحاء تدعو للسلام!
ألا نشعر بالغباء ونحن نصنع لانفسنا فتاة وهمية جميلة، نضع لها اسما عذبا، ونرسم ملامحها في اذهاننا، ونؤلف قصصا خيالية بيننا وبينها، نجلس تحت الاشجار، ونشرب من انهار العسل، ونتبادل القبلات... ثم نطالب الجميع بالاعتراف بانها الاجمل في الكون، والا اعلنا الحرب عليهم، وحللنا دماءهم، دفاعا عن محبوبتنا! 
الا نشعر بالغباء ونحن نرسم بطولات وابطالا خياليين في دفاتر ذاكرتنا الخاوية، او رسمها لنا السالفون من قومنا، حولوا بشرا يحملون الشرور مثل غيرهم الى انصاف آلهة، ثم نأتي بعد الف عام لندافع عنهم، ونضحي من اجلهم، الا نشعر بالحماقة ونحن نقرأ كتب «سبايدر مان» ثم ندافع عنه ونحارب من اجله، ونكفر الاخرين من اجله، ونقتل بعضنا من اجله، ونشن الحروب والغزوات ضد من يؤمنون بـ «باتمان» منقذا للبشرية، نقاتلهم بزعم ان «سبايدرمان» اشد قوة، واعمق اخلاقا، واعلى حكمة من «باتمان»!
الا نشعر بالغباء ونحن نتبع اقوال وافعال الحمقى، ونتصورها حكما ربانية، ونظريات علمية، ومسلمات عقلية، وهي لا ترتقي حتى للخرافات والشعوذات الساذجة، نسمع بلاهات تزينها الكلمات المقفات، ونظنها انوارا الهية، ونقاتل بحماسة حتى اكثر من صاحب البلاهات، متصورين ان جمع المريدين حوله اشارة الى الحق، دون ان نعي ان الاغاني الهابطة، والمسرحيات التافهة، والافلام السخيفة... الاكثر انتشارا، وخلف كل تافه القول، ألف ألف تافه يتبعه ويصدقه! 
الا نشعر اننا مثل «دون كيشوت» الذي تقمص دور المحارب وراح يصرخ «هناك الكائنات العملاقة، انها تلوح بوجوهنا...هيا لنقاتلها...» ثم يأتيك صوت من الخلف «يا سيدي انها ليست كائنات واتت في وسط الصحراء، انها ليست سوى ابار نفط تنفث نفطا ونارا... ومع ذلك نصر ان نؤمن بما نتوهم لا ما نراه»!
لا احد يريد ان يشعر بالغباء مما فعل وما آمن، فلا نريد ان نهدم كل سنين عمرنا ونهدم بيوتا طينية بنيناها على شاطئ البحر متخيلين انها القصور التي سنسكنها، لا نريد ان نعترف بغبائنا وسخافتنا، فكم هو مريح الايمان بـ«هبل واللات والعزى» التي آمن بها اجدادنا من قبل، وكم هو مريح ان نتمسك بقشة وهمية وسط طوفان المعرفة الحقة، في مقابل ان نغرق في عالم نجهله!
لا احد يريد ان يصدق ان غدا قد لا تشرق الشمس، ولا يعي ان شروق الشمس كل يوم لا يعني بالضرورة انها ستشرق غدا... كما ان غباءنا المستمر منذ ألف عام لايعني بالضرورة انها عبقرية ستستمر الى الابد... عفوا لقد اخطأت، يوما ما قد تتوقف الشمس عن الشروق، ولكني لا اعتقد اننا سنتوقف عن ممارسة غبائنا!

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك