حقيقة تحويلات الأجانب .. بقلم فهد الحويماني

الاقتصاد الآن

976 مشاهدات 0

من الارشيف

قراءة الأرقام الاقتصادية من زاوية واحدة تنتج عنها مفاهيم خاطئة في ذهن المتلقي، وربما يُتخذ بناء عليها قرارات مصيرية خاطئة، تؤدي في نهاية الأمر إلى نتائج سلبية معاكسة لما أريد منها. أحد هذه الأرقام الاقتصادية ما يعلن بين الحين والآخر عن تحويلات الأجانب في المملكة وكيف أنها في ازدياد من عام لآخر، وهي التي يُنظر إليها على أنها خسائر مالية بحق المملكة وأنها استنزاف لمقدرات الاقتصاد الوطني، ثم تتوالى الاقتراحات للعمل على الحد منها، ابتداء بمراقبة حسابات الأجانب، وانتهاء بمطالب شعبية لإبعاد العامل الأجنبي من البلاد.

الحقيقة هي أن التحويلات الأجنبية ليست إلا نتيجة حتمية تفرضها طبيعة الاقتصاد السعوديي وتركيبة سوق العمل فيه، وليس للأجنبي ذنب في ذلك، فهو لم يدخل إلى المملكة خفية ولا تسللاً، ولم يعمل في عمل لم يطلب منه العمل به. كلنا مسؤولون عن كثرة العمالة الأجنبية، سواء كأفراد في لهثنا خلف تأشيرات العمالة المنزلية، أو كقطاع خاص بحاجة إلى من يقوم بأعمال مؤسسته أو شركته، أو حتى كقطاع حكومي يستعين بالعمالة الأجنبية في شتى المجالات والمشاريع. فهل المشكلة تكمن في العامل الأجنبي نفسه أم أن المشكلة تكمن فينا؟ ثم هل هذه التحويلات المالية تأتي دون مردود لنا ولاقتصادنا، وتكون بالفعل خسائر مالية، أم أنها مبالغ 'بسيطة' مقابل ما ينتج عنها من فوائد كبيرة؟

يوجد في المملكة حالياً نحو 9,6 مليون يد عاملة، رجالاً وإناثاً، سعوديين وغير سعوديين، منهم نحو 8,5 مليون عامل في القطاع الخاص ونحو 1,1 مليون عامل في القطاع الحكومي. نسبة السعوديين في القطاع الخاص نحو 13 في المائة، ترتفع نسبتهم بشكل كبير في مهن المديرين ومديري الأعمال والمهن الكتابية، وتكون نسبتهم ضعيفة في المهن الفنية والهندسية، وضئيلة جداً في المهن الزراعية والهندسية المساعدة.

هذا يعني أن هناك وظائف كثيرة جداً في عدة مهن لا نجد سعوديين يعملون بها، الأمر الذي يثير جدلاً حاداً حول ما إذا كان سبب عدم إشغال السعوديين هذه الوظائف يعود لعدم رغبة السعوديين في هذه المهن، أم أن السبب يعود لوفرة العامل الأجنبي وتدني كلفته وربما لعلو كفاءته؟ بغض النظر عن السبب، الحقيقة التي أمامنا هي أن هناك نحو 7,3 مليون عامل أجنبي يقومون بأعمال مهمة يعتمد عليها الاقتصاد السعودي بشكل كبير، تشمل - حسب مسميات وزارة العمل - فئة الاختصاصيين والفنيين في المجالات العلمية والفنية والإنسانية، إلى جانب المهن الزراعية والعمليات الصناعية والكيميائية والصناعات الغذائية والمجالات الهندسية والخدمات. لا شك أن نسبة كبيرة من حجم تحويلات العمالة تأتي من رواتب هؤلاء العمال، وهو حق شرعي لهم، وهو السبب الذي جعلهم يقدمون على العمل لدينا. ولا ننسى كذلك أن الأنظمة لدينا لا تساعد ولا تشجع على قيام العامل الأجنبي بالصرف محلياً.

ولا شك أيضاً أن نسبة كبيرة من حجم التحويلات تأتي من أرباح إضافية للعامل، سواء بسبب ممارسة أكثر من عمل للعامل الواحد، أو نتيجة عائدات يجنيها العامل من خلال آلية التستر التجاري، وربما جزء صغير نتيجة أعمال مخالفة للقوانين. أين الخلل؟

أنا لا أقلل من أهمية السيطرة على انتشار العمالة الأجنبية وضبط آلية الاستقدام ودعم حركة التوطين، ولكن أحب أن أنوه إلى بعض النقاط المهمة، وهي أن أحد أهم أسباب انخفاض نسبة التضخم في المملكة يعود إلى العامل الأجنبي، سواء العامل بالتستر أو العامل بالراتب، وأي محاولات للإخلال بهذه التركيبة ستظهر نتائجها السلبية مباشرة على الأسعار وجودة الخدمات وتوافرها. وسبق أن كتبت مقالاً حول التضخم الناتج عن رفع رسوم العمالة، حيث ذكرت فيه أننا أمام تضخم في الأسعار غير مسبوق وعلينا التعامل مع هذه القضية بحذر شديد.

بالرغم مما يثار حول تضخم الأسعار في المملكة، إلا أن الحقيقة أن متوسط نسبة التضخم للخمس سنوات الماضية في المملكة يساوي 4,1 في المائة، وعند فحص الأرقام بعناية نجد أن أعلى نسب التضخم هي في مجالات ليس للعامل الأجنبي دور مباشر فيها، وهي 8,3 في المائة لقطاع المساكن و5,9 في المائة للمشروبات والأغذية. وبالمقابل، نجد أن نسب التضخم متدنية ومعقولة في المجالات المرتبطة بالعامل الأجنبي، حيث نجدها 3,3 في المائة في بند تأثيث وتجهيز المنازل وصيانتها، و0,65 في المائة للملابس والأحذية، و1,6 في المائة لمجال النقل.

إذاً علينا إدراك أن تحويلات الأجانب تأتي مقابل كم هائل من الخدمات والسلع والمنتجات التي نحصل عليها براحة تامة ومرونة عالية، قلما نجدها في أي دولة أخرى. ثم إذا كان الهدف الحد من هدر أموال البلاد، فعلينا إدراك أن حجم الواردات السعودية في عام 2012 بلغ 584 مليار ريال، أي نحو خمسة أضعاف حجم تحويلات الأجانب في العام نفسه. هذا يعني أننا كسعوديين مسؤولون عن تحويل ما يعادل خمسة أضعاف ما حوله الأجانب في العام الماضي، وهي أموال صرفت بالعملة الصعبة، ذهب نحو نصفها لأجهزة ومعدات وآلات متنوعة، وأهدرنا نحو 62 مليار ريال في رحلات سياحية. كما لا ننسى أن المساعدات الخارجية التي قدمتها المملكة للخارج في السنوات العشر الماضية بلغت 165 مليار ريال. بمعنى آخر، لو أننا قارنا ما نتحصل عليه من العمالة الأجنبية من سلع وخدمات وراحة ومرونة، مقابل ما يقومون بتحويله سنوياً لبلادهم، ومقارنة بما نقوم بصرفه في واردات - جزء كبير منها غير أساسي - وما نصرفه في سياحة خارجية، لوجدنا أننا فعلياً رابحون.

قضية تحويلات الأجانب السنوية ليست قضية عاطفية ولا هي قضية سيادية ولا هي قضية اجتماعية، بل هي نتيجة حتمية للتركيبة الاقتصادية في المملكة، وهي تأتي مقابل كم هائل من الفوائد الاقتصادية. وبالرغم من أنها بلا شك تؤثر على مسار حركة التوطين، إلا أنها ليست السبب في ضعف التوطين، بل إنها أتت لسد الفجوة الاقتصادية التي لم تستطع قرارات التوطين سدها. وفي رأيي معالجة مشكلة التوطين يجب أن تأتي بتدرج وبأولويات وعلى فترات زمنية لن تكون قصيرة.

الآن - العربية

تعليقات

اكتب تعليقك