إنتاج النفط الصخري.. هل هو 'قولد رَشْ' جديد؟

الاقتصاد الآن

2311 مشاهدات 0

عثمان الخويطر

ما أشبه الليلة بالبارحة! ولعل البعض قد سمعوا أو قرأوا عن حمى البحث عن الذهب في الولايات المتحدة قبل 165 عامًا، وهو Gold Rush ما كان يعرف ''بالاندفاع نحو مناجم الذهب'' عندما كانت الحشود من المستوطنين الأمريكيين الجدد تتدافع في اتجاه مواقع مناجم الذهب في الغرب الأمريكي. فانتعشت المنطقة اقتصاديًّا لفترة قصيرة وأنشئت القرى والمدن، وظن أهلها أن الحال سوف يدوم دوام الدهر. وما هو إلا أقل من عقد واحد حتى نفد الذهب، وهو المصدر الرئيس للدخل آنذاك، فتفرق القوم وهجروا أرض المناجم إلى الولايات المجاورة، وتركوا وراءهم الخراب والأطلال.

وما نشاهده اليوم من اندفاع ''محموم'' نحو إنتاج النفط والغاز الصخريين، لا يختلف كثيرًا عن الهجرة إلى مناجم الذهب. فذاك ذهب أصفر وهذا ذهب أسود. والفوضى هي كما هي، لا نظام ولا تنظيم. وكانت مكونات الاندفاع الأول آلاف الأفراد. ومكونات الاندفاع الثاني آلاف الشركات. وكل شركة أو مجموعة تعمل لمصالحها الخاصة، فلا تعاون بينها لا فني ولا استراتيجي ولا حتى وطني. وبعكس هجرة الذهب قصيرة العمر، فإن إنتاج النفط الصخري سيدوم عدة عقود حتى نضوبه. وفوضى الإنتاج هي ما تسبب في انخفاض أسعار الغاز هناك إلى ما دون الدولارين للوحدة، عندما تزاحمت الشركات المنتِجة دون تخطيط أو تنظيم واضطرتهم ''عقود التأجير'' لبيع الغاز بأقل من قيمة التكلِفة، فتسبب ذلك في وقوع خسائر كبيرة لبعض الشركات، ما حدا ببعضها إلى الانتقال إلى إنتاج النفط الصخري، بدلاً من الغاز، انتظارًا لعودة الأسعار إلى مستوى أكثر قبولاً.

ومن المفارقات أن الإنتاج النفطي في أمريكا خلال الستينيات والسبعينيات كان تحت إشراف الهيئات الحكومية، وكانت تقنن الإنتاج، حيث لا تسمح بإنتاج أكثر مما تتحمله السوق النفطية، حتى لو أدى ذلك إلى إغلاق الآبار بعض أيام الأسبوع. ومثل هذا الإشراف الحكومي لا وجود له اليوم. ولذلك فالفوضى الإنتاجية هي سيدة الموقف.

ومن الواضح أن إنتاج النفط والغاز الصخريين لم يكن وليد تخطيط استراتيجي بهدف الاستغناء عن توريد نفط العرب، كما يظهر أحيانًا من الخطابات الرسمية لمرشحي الرئاسة هناك، بل هي عملية تجارية بحتة وبامتياز. فعندما وصلت الأسعار النفطية إلى مستواها الحالي، وجد المستثمرون أن إنتاج النفط والغاز الصخريين، على صعوبة العملية وارتفاع التكلِفة أصبح مربحًا إلى حدِّ ما. وما يهم الإدارة الأمريكية في الدرجة الأولى هو خلق مئات الآلاف من الوظائف للمواطنين، وهو ما حصل فعلاً. وليس سرًّا أن الحكومات، الفيدرالية والمحلية، تتغاضى الآن عن تطبيق بعض نظم تلوث البيئة، من باب تشجيع انتعاش الاقتصاد وإيجاد مزيد من الوظائف الجديدة.

وبما أن الدافع الرئيس لإنتاج النفوط الصخرية هو الربح والكسب المالي، فمن الطبيعي أن نتوقع مستقبلا زيادة كميات الإنتاج مع تصاعد أسعار برميل النفط. ولم يكن حينئذ مفاجئاً الاتجاه إلى إنتاج المصادر الأكبر تكلفة من النفط الصخري، وهو النفط الصخري الموجود بكميات كبيرة في جبال ولاية كلورادو الأمريكية، وأماكن أخرى حول العالم. وعلى الرغم من أن إنتاج النفط الصخري عالي التكلفة إلا أنه لا يتطلب أجهزة حفر ولا معدات تكسير هيدروليكي، نظرًا لوجوده فوق أو قريبا من سطح الأرض. وعملية الإنتاج تبدأ بتجميع المواد الصخرية ونقلها إلى معامل التقطير التي هي عبارة عن أفران مفرغة من الأكسجين وعالية الحرارة من أجل استخلاص المادة العضوية وتحويلها إلى مادة سائلة. ولأن عملية التجميع تجري على السطح فهي عادة تشمل مساحات كبيرة تغطي منطقة واسعة، ما يجعلها غير صالحة للتوطين ومناظرها ''مقززة'' وغير مريحة. وتتميز عملية إنتاج النفط الصخري بأنها تستهلك طاقة كبيرة خلال عملية التقطير.

ومن الظواهر اللافتة للانتباه فيما يتعلق بالإنتاج الحالي للنفط الصخري في الولايات المتحدة، غياب شبه تام لتطبيق الطرق العلمية لاختيار مواقع آبار الإنتاج، لتفادي فرص تضييع المال والمجهود. فقد ذكرت التقارير أن 40 في المائة من الآبار، التي يتم حفرها يكون إنتاجها غير اقتصادي، بسبب عشوائية اختيار مكان الحفر والمنافسة الشديدة بين شركات الإنتاج المتجاورة، إضافة إلى احتمال حدوث خلل في عملية توجيه التكسير الهيدروليكي، الذي قد يؤدي إلى إفشال العملية أو التقليل من كفاءتها، ومن ثم إنتاجها.

وفي أغلب الأحوال لا يكون هناك مسح ''سيزموزي'' حديث يوضح تركيبة الطبقات الحاملة للنفط والغاز ويساعد على اختيار المكان المثالي للحفر الأفقي. وبما أن منح حقوق استثمار الثروة النفطية لشركات الإنتاج في أمريكا يتم عن طريق مالك الأرض، فمن الطبيعي أن يكون تركيز الشركة المنتِجَة على الاستغلال الأمثل لسطح القطعة المستأجَرَة وليس على الطبقات السفلى من الحقل، ويترك النتائج للحظ. وبسبب هذه العشوائية والنتائج غير المضمونة، نجد أن طرق الإنتاج نفسها تتم هي الأخرى بطرق تغلب عليها رغبة الكسب السريع وعدم التقيد بضوابط التلوث البيئي.

ففي معظم الحالات يتم تجميع الإنتاج، قبل شحنه إلى مرافق التكرير، في صهاريج عادية قريبة من بئر الإنتاج تسمح للغازات الذائبة في النفط بالتسرب إلى الخارج والاختلاط مع الهواء ومنها غازات مسرطنة وغاز الميثان الذي يتسرب إلى الغلاف الجوي. ومن أجل تخفيض تكاليف الحفر الباهظة، استطاعوا تقليص مدة حفر البئر الأفقية، التي يصل عمقها إلى أكثر من ثلاثة آلاف متر خلال تسعة أيام فقط، وهو إنجاز متميز. ولكن هذا لا يدل على أن عملية الحفر تتقيد بجميع متطلبات الحفر الآمن والسليم.

وإذا كان هناك عيوب أو ثغرات في العملية، فلن تظهر آثارها السلبية قبل عدة عقود. وعندما تهبط كمية إنتاج البئر إلى مستوى غير اقتصادي، ينتقل التأجير إلى مستثمر صغير يستطيع التعامل مع إنتاج متواضع قد لا يتعدى بضعة براميل في اليوم.

ونود أن نؤكد أن الأرباح من إنتاج النفط والغاز الصخريين في الوقت الحاضر ليست عند المستوى المرغوب، بل من الممكن أن نقول عنها إنها متواضعة. ومع الارتفاع المتوقع للأسعار النفطية خلال السنوات القادمة، فسوف تكون جدواها الاقتصادية في مستوى أفضل، مما سيدفع بالإنتاج إلى مستويات جديدة قد تكون أكثر من ضعف الإنتاج الحالي البالغ مليون و500 ألف برميل. وإن كان ذلك يتطلب حفر عشرات الآلاف من الآبار الجديدة. ولكنه في الوقت نفسه، سوف أيضا يوفر أعدادًا كبيرة من الوظائف المحلية، وهو ما تطمح إليه الإدارة الحكومية. ومهما كان من الفوائد المالية التي تجنيها الشركات والأفراد وخزانة الدولة، فإن الخاسر الأكبر من هذه العمليات المكثفة هي البيئة.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

الاقتصادية

تعليقات

اكتب تعليقك