عن الصحوة الحكومية المباركة!.. يكتب وليد الرجيب
زاوية الكتابكتب سبتمبر 21, 2013, 12:42 ص 1075 مشاهدات 0
الراي
أصبوحة / الصحوة الحكومية المباركة
وليد الرجيب
دعتني افتتاحية «الراي» أمس (20 سبتمبر) الجاري، التي كتبها الأستاذ جاسم بودي تحت عنوان «دعاة الزمن الرذيل» إلى التفكّر بالعقود الماضية عندما سادت مقولة «الصحوة الإسلامية» و«الصحوة الدينية»، وبروز تيار سياسي إسلامي معادٍ للحريات الشخصية وحريات الرأي والتعبير، مغيراً من طبيعة مجتمعاتنا المنفتحة خالطاً الدين الحنيف بالمورثات الثقافية المتخلفة، مما شوه وجه الإسلام الجميل والمتسامح ومحاولاً إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء.
ونتذكر في فترات سابقة تحطيم إعلانات المسرحيات وتفجير محلات بيع التسجيلات المسموعة والمرئية، وفرض وصاية جائرة على المجتمع ومؤسساته وبالأخص التعليمية، تاركاً الفرصة لانتشار الخرافة والإرهاب الفكري، ودافعاً الناس لانتهاج سلوك النفاق الديني الاجتماعي.
فغاب عن ساحتنا مشايخ العلم والتسامح الديني، وصعد على منابر المساجد خطباء وأئمة قليلي العلم متشددي الرأي متطرفي النزعة، فأصبح لكل شاب ملتحٍ غر لقب شيخ يتبعه مريدون ويمارس سلطته وإمرته عليهم.
فعندما زرت القاهرة العام الماضي التي تعتبر مركز التنوير العربي بعد أن غادرتها بعد التخرج من الدراسة في سبعينات القرن الماضي، والتي كنت أجد فيها أي كتاب أدبي أو فكري أو فلسفي، دُهشت من تغيّر المظاهر المجتمعية المستنيرة إلى مظاهر وهابية واختفت كتب التنوير وانتشرت الكتب الإسلامية المتشددة المليئة بالفتاوى الغريبة، وأصبحت اللحية والثوب القصير مقدستين بحد ذاتهما، كما اختفى الفكر العلمي ليحل محله خرافات وأكاذيب بعيدة عن الدين الحنيف، لدرجة أن البسطاء صدقوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من الرئيس محمد مرسي أن يأمه بالصلاة، وأن جبريل عليه السلام نزل في ميدان رابعة العدوية دعماً للإخوان ومعركتهم الإسلامية ضد الكفر، ورغم أنه أمر لا يصدقه عقل ولا يقره ضمير مؤمن إلا أنه انطلى على بسطاء الناس تحت مقولة «الصحوة الدينية».
ونحن لا نبرئ حكوماتنا وأنظمتنا العربية من المساهمة في هذا التجهيل وسطوة الأفكار المتخلفة، من خلال الدعم اللامحدود لهذه الجماعات لمواجهة القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية منذ عهد السادات الذي لقب بـ «الرئيس المؤمن» إلى صدام حسين الذي ادعى أنه يتحدر من نسل الرسول الأكرم، لكننا أيضاً لا نبرئ لا المجتمعات التي رضخت للإرهاب الفكري ولا القوى الوطنية التي تناحرت تاركة الساحة السياسية لهم.
ونتذكر أيضاً في الكويت التي كانت منارة عربية للفكر والثقافة، كيف كان أخوتنا العرب خاصة من دول الخليج ينتظرون معرض الكتاب في الكويت لينهلوا من الكتب المستنيرة التي كانت ممنوعة في بلدانهم، قبل أن يأتي نواب الصحوة الدينية ليمارسوا هذا الإرهاب الفكري على الحكومة نفسها، ليتحول معرض الكويت للكتاب إلى سوق شعبي يبيع كتب الطبخ وتفسير الأحلام، ما دفع كثير من دور النشر إلى الإحجام عن المشاركة في المعرض، بل تحول المواطن الكويتي إلى معارض كتب الرياض والإمارات ودول الخليج الأخرى لاقتناء الكتب الممنوعة في الكويت.
ورغم أننا لاحظنا بعض الانفراج في المعرضين السابقين جعلنا نشعر بأن هناك «صحوة حكومية» ضد نهج السيطرة الفكرية للإسلام المتشدد، إلا أن هذه السيطرة يبدو أنها اُستبدلت بسيطرة سلطوية حكومية ضد الإبداعات ذات المنحى السياسي، خاصة بعد منع رواية «مدى» للكاتبة الكويتية رانيا السعد التي لم يكن بها شيء خادش للحياء أو مثير للفتنة، لتؤكد لنا الحكومة أننا لم نتحرر من النهج البوليسي القمعي ومحاربة الرأي المعارض.
ورغم أن الناس بدأت تشعر أخيراً بالخلاص من الوصاية الدينية على الفكر والثقافة، إلا أنه حسب المؤشرات أُدخل الناس ضمن دوامة نهج قد يبدو أشد قسوة وتشدداً وتخلفاً عن متطلبات العصر، وهو نهج مصادرة حق حرية الرأي والتعبير على عكس ما جاء بمواد الدستور.
تعليقات