إنقاذ الأسد بضربة محدودة

زاوية الكتاب

مأساة الشعب السوري يمكن أن يفاقمها ضرب النظام، ولكن كيف؟

كتب 3472 مشاهدات 0


  أمران يبدوان من الأمور المتفق عليها: إن تخلت أمريكا عن فكرة ضرب الأسد تنفيذا لتهديد اوباما بالخط الأحمر حين يستخدم الكيماوي، أو إن ضربت الأسد ضربة تأديبية محدودة لا تقلب موازين القوى وتطيح بالنظام، فهي في الحالتين قد عاونت النظام وقوته على المعارضة وأعطته ضوءا أخضر جديد لارتكاب المزيد من المجازر ضد شعبه.
  ففي حال تخلي أمريكا عن توجيه ضربة للأسد بحجة رفض الكونغرس أو عدم الحصول على تفويض دولي، سيظهر الأسد منتصرا وسيدعي أنه قادر على حشد قوى عالمية مؤيدة له أفشلت الهجوم الأمريكي، وسيربك معارضيه ويعطي مؤيديه دفعة معنوية هامة افتقدوا لها منذ أكثر من سنتين. كما سيظهر الرئيس الأمريكي اوباما أكثر ضعفا أمام منتقديه ومعارضيه كرئيس ضعيف يتخبط ويقول ولا يفعل.
 أما الأسوأ من التخلي عن ضرب الأسد، فهو ضربه ضربة 'تأديبية' تفي بغرض تهديد 'الخط الأحمر'، ولكنها تقوي النظام الذي سيستوعب الضربة ويعمل على تحويلها لنصر 'مبين' ضد أمريكا وإسرائيل وأعداء الأمة والعرب وفي سبيل فلسطين إلى آخر الاسطوانة المعهودة. وستعطي لجيشه ومؤيديه دفعة جديدة من الأمل بالتشبث بالسلطة والإيغال بدماء السوريين.
  المعارضون لضرب الأسد فريقان:
 فريق معارض للأسد ويرى أن تدخل أمريكا -إن تدخلت- ما هو إلا محاولة لإجهاض الانتصار الذي يحققه المجاهدون على الأرض واقتراب ساعة الحسم، ومن ثم فالضربة بالنسبة لهم هي لإنقاذ الأسد وليست لإسقاطه.
 بينما يرى الفريق المؤيد للأسد والمعارض لضربه، بأن أمريكا تحاول أن تنقذ الجماعات الإرهابية بعدما حقق 'الجيش العربي السوري' انتصارات هائلة ويكاد يقضي عليها وما تدخل أمريكا إلا مساعدة للإرهاب والإرهابيين، وهي تهدف لتدمير سوريا ولتعمل بها ما عملته بالعراق بعد إسقاط صدام مثيرة الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي ومتسببة بمأساة للإنسان السوري.
لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث بسوريا بعد سقوط الأسد بعدما تعمد الأسد خلط الأوراق وتحويل الثورة لاقتتال طائفي انجر له حزب الله الشيعي الطائفي وجماعات شيعية وسنية طائفية كانوا جميعا وقودا لسعير أهداف النظام بتدويل القضية وخلط الحابل بالنابل ودفع المحايدين للخوف من المجهول وتفضيل النظام على اعتبار أنه أفضل الشرور.
  تسبب النظام بمقتل أكثر من 100 ألف إنسان، وهو رقم معلن ولكن كثير من المراقبين يشككون بهذا الرقم ويظنونه أكثر من ذلك بكثير، أما عدد المعتقلين والجرحى فلا حصر لهم في الظروف الحالية، كما يعيش ثلث الشعب السوري اليوم لاجئا بين لجوء داخلي وخارجي (مليونا لاجئ بالخارج وأربعة ملايين نازح بالداخل) وتذكر مصادر الأمم المتحدة أن هناك لاجيء سوري كل 15 ثانية، وأن عدد اللاجئين بازدياد مهول، ويعد اللاجئون السوريون الأكبر في تاريخ البشرية -نسبة وتناسبا- في فترة زمنية قصيرة نسبيا، ويعيشون ظروفا مزرية من العوز والذل والاستغلال والمهانة في أي بلد يلجأون إليه.
   ويعيش من بقي بسوريا حالة من القهر والخوف وانعدام وسائل الحياة الطبيعية، والاعتقالات والاختطاف والاختفاء والانتهاكات الجنسية والاغتصاب والترويع بأشكال مختلفة، وانقطاع الخدمات وتوقف الدراسة والتعليم وضيق العيش الذي بلغ حد ظهور سوق سوداء للخبز بدمشق نفسها، واختفاء المواد الاستهلاكية الأولية وتضخم اقتصادي بلغ 200% وتدهور لصرف الليرة السورية وصل أكثر من 300 ليرة للدولار في حين كان بحدود 42 ليرة قبل اندلاع الثورة. كما تشرذم التعايش السوري وشهد الاقتتال أشكالا قبيحة من التصفيات الطائفية التي تجعل من الحرب الأهلية واقعا معاشا، وهذا هو ما يريده الأسد: إما الأسد، أو نحرق البلد!
 لا أحد يتوهم أن إسقاط الأسد أو ضربه سينهي ليل سوريا المدلهم بين عشية وضحاها، فلقد عمل النظام بنجاح طيلة سنين على خلق معادلة 'أنا أو الطوفان'، لكن الحالة المأساوية التي وصل إليها الإنسان السوري تدفع الواحد لتساؤل اليائس:
 أما والحال كما هو اليوم، فما الذي يمكن أن ينتج ويكون أكثر سوءا للشعب السوري لو تدخل المجتمع الدولي أو قادت أمريكا تحالفا لضرب الأسد وإزالة نظامه؟

كتب سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك