العرب أصبحوا عالة ودمية في آن واحد.. هكذا يعتقد المقاطع

زاوية الكتاب

كتب 879 مشاهدات 0


القبس

الديوانية  /  بين لعبة الأمم.. والانتهازية السياسية الداخلية

أ.د محمد عبد المحسن المقاطع

 

لا أجد تعبيراً عن أحوالنا كعرب ومسلمين أجمل من بيت بليغ للإمام الشافعي رحمة الله عليه:

«نعيب زماننا والعيب فينا..

وما لزماننا عيب سوانا».

فالتمعن الثاقب في أحوالنا وشؤوننا وحياتنا يؤكد صدق هذا الوصف علينا.

فعلى مستوى العالم، أصبحنا عالة ودمية في آن واحد، فنحن اليوم عالة لكوننا ننام ونصحو ولا نقدم شيئا، فنأكل أطعمة مستوردة ونشرب قهوة مصنوعة لنا، ونستخدم أدوات ونركب سيارات وقطارات وطائرات صنعها الغرب، ونستخدم حواسب آلية وهواتف نقالة يتنافس الغرب والشرق بتصديرها لنا، وبكل أسف نختلف ونتنافر وننتظر الغرب ليصلح بيننا، وتُذبح بعض شعوبنا وتُغزى بعض دولنا ويهدد أمنها وتنفصل دولة عن أخرى أو تتوحد مع أخرى، وننتظر الفرج والدفاع والحماية والمباركة من الغرب، لأننا أصبحنا لا نملك شيئا من أمورنا، لكوننا صرنا عالة على الغير وعلى الغرب تحديدا بإرادتنا أو إرادتهم.

وصرنا دمية في مشاهد لعبة الأمم، لأننا صرنا دولا وحكاما لا نملك قرارنا، ففي أهم قضية محورية، وهي فلسطين، أصبحنا نتنازع بشأنها وندعم فصيلا ضد الآخر بدلا من إجبارهم على التوحد، ونتسول الحلول السياسية لها ونقبل الإهانة من المحتل الصهيوني، إرضاء لهذا أو ذاك، وندعم حاكماً ونعترف بدولة حسبما يملى علينا، نشيد بديموقراطية الغرب واحترامه لحقوق الإنسان لمواطنيه فقط، وفي المقابل نتوافق مع الغرب على شجب الديموقراطية في دولنا أو الانقلاب عليها حينما تلوح بوادرها، نخوض حروبا فيما بيننا نيابة عنهم أو بترتيبهم، حتى صار بأسنا شديدا بيننا، فنهدم ما عمرنا وندمر ما شيدنا، ثم ننشئ صناديق تمويل إعادة إعمار ما هدمنا ودمرنا بايدينا أو بايديهم، تتضامن بعض أنظمتنا في تسلطها على شعوبها حتى تتساقط بتدخل من الغرب بعد شعوره بالحرج من بشاعة جرائم النظام، وها قد تمادى طاغية الشام بجرائمه البشعة والابادات الجماعية، فتنبهنا متأخرين وتداعينا مترددين، وصار الأمر الآن بيد الغرب ورهن قراره، وهكذا صرنا مثل حطب الشطرنج أو «الدامة» تحركنا لعبة الأمم التي نحن وقود لها ودمى تتحكم بها.

وعلى الرغم من حالة التردي الرثة لدولنا، وعلى الرغم من ضرورة وعي شعوبنا، وعلى الرغم من التسلط الذي تمارسه بعض الأنظمة، وعلى الرغم من أهمية تداعي القوى الشعبية الواعية وقياداتها، على الرغم من كل ذلك فإن الأمر المحزن أن تكون الانتهازية السياسية هي ما يتسيد المشاهد السياسية المحلية، فقد صار التسابق للسلطة هدفا بسببه تم التخلي من قبل معظم التيارات السياسية عن المبادئ، مثل حماية الحريات والدفاع عنها، والقبول بالقبض والممارسات القمعية لإقصاء المنافس، ونسي هؤلاء أن الحكومات التي يباركون أعمالها على غرمائهم أو خصومهم السياسيين ــ بضيق أفق أو حزبية منحازة ــ ستلاحقهم وسيؤكلون يوم أكل الثور الأبيض، كما يقال بالمثل المعروف، وقد تم التوسع بطروحات التخوين وتجريد الناس من وطنيتهم، وتوجيه تهم معلبة وتصديقها ودعمها من الخصوم السياسيين، وذلك كله بدوافع الموقف المسبق، الذي أعمته الخصومة السياسية والتعصب الحزبي أو الفكري، وصار هؤلاء في خندق واحد مع أبواق ودمى الأنظمة، فصارت الانتهازية السياسية لبلوغ السلطة بغير طريق صناديق الاقتراع وبالحرية المتساوية لكل الغرماء، فالدفاع عن حرية هو أن أواجه الظلم لسماع الرأي الآخر، فإلى أين نحن ماضون بين لعبة الامم والانتهازية السياسية؟

اللهم إني بلّغت.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك