تطور الإنفاق على الرواتب والأجور بقلم سعود جليدان

الاقتصاد الآن

1261 مشاهدات 0

ارشيف

شهدت مستويات ومعدلات الإنفاق المالي على الباب الأول من الميزانية المخصص لرواتب وأجور العاملين في الدولة نمواً جيداً خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد ارتفعت تلك المخصصات من 48.4 مليار ريال في عام 1982م إلى نحو 111.5 مليار ريال في عام 2002. ومثّل هذا الارتفاع نمواً سنوياً كانت نسبته 4.3 في المائة خلال فترة الـ 20 عاماً الممتدة بين عام 1982 وعام 2002. وتصاعدت مستويات ومعدلات إنفاق الباب الأول بقوة خلال السنوات العشر الماضية، حيث وصل الإنفاق على الرواتب والأجور إلى 316.7 مليار ريال في عام 2012. وجاءت هذه الزيادة بسبب رفع الرواتب وزيادة التوظيف وإصلاح أوضاع الكثير من العاملين في الدولة.

وقد رفعت الرواتب مرتين خلال فترة السنوات العشر الماضية وبنسب مقدراها 15 في المائة، أي أن مجموع الزيادة في سلم الرواتب وصل إلى 32.3 في المائة من مستوياتها منذ عشر سنوات. وقد شهدت فترة السنوات العشر الماضية نمواً أقوى في الصرف على الأجور والرواتب، حيث ارتفع بمعدل سنوي بلغت نسبته 11 في المائة.

وكان لزيادة سلم الرواتب دور بارز في زيادة معدلات نمو الصرف على الباب الأول، ولكن وحتى في حالة استبعاد الزيادات في سلم الرواتب فإن معدل نمو الإنفاق على الرواتب سيكون في حدود 8 في المائة سنوياً خلال الفترة، وهذا راجع إلى زيادة مستويات التوظيف وارتفاع متوسطات الرواتب بشكل عام وإصلاح أوضاع بعض العاملين في الدولة والتعديلات على رواتب بعض كوادر الفئات العاملة. ويجب الإشارة هنا إلى أن رواتب المتقاعدين من منسوبي الدولة أو ممن تغطيهم التأمينات الاجتماعية ليست مشمولة في ميزانية الدولة، حيث تقوم المؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية بدفعها من إيراداتها. وتدفع الدولة للمؤسسة العامة للتقاعد اشتراكات تقاعد منسوبي الدولة والتي تستثمرها المصلحة وتدفع مخصصات المتقاعدين من إيراداتها الخاصة بها. ولا تتحمل الدولة أيضاً معاشات وتعويضات مستفيدي التأمينات الاجتماعية والشركات العامة كشركة أرامكو أو الخطوط السعودية.

ولا تقتصر استفادة منسوبي الدولة على المبالغ المرصودة في الباب الأول من الميزانية، ولكن توجد نفقات أخرى ضمن الباب الثاني تنفق لمصلحة الموظفين كبدلات أو مكافآت، كالنفقات السفرية أو الانتدابات. ويشمل إنفاق الباب الثاني الصرف على التحويلات مثل مكافآت الطلبة والمبتعثين والتحويلات للعائلات، كما يشمل هذا الباب النفقات المخصصة للصرف على الدعم والسلع والخدمات التي ينتفع بها المواطنون سواءً كانوا موظفين أو طلبة أو محتاجين أو عاطلين عن العمل أو عائلات. وقد ارتفعت نفقات الباب الثاني من الميزانية من نحو 56 مليار ريال في عام 2002 إلى نحو 220 مليار ريال في عام 2012.

أي أنها تضاعفت بنحو أربع مرات خلال عشر سنوات ''بلغ معدل الزيادة السنوية 14.7 في المائة''. وقد جاءت هذه الزيادة الكبيرة بسبب ارتفاع الإنفاق على بدلات الموظفين وعلى استحداث برامج جديدة كبرامج دعم البطالة ودعم توظيف العمالة السعودية وبرامج الابتعاث وزيادة عدد الطلبة الجامعيين وزيادة مخصصات الضمان الاجتماعي.

إن إجمالي الإنفاق على منسوبي الدولة من مدنيين وعسكريين سواءً كان على شكل رواتب أو منافع مرتفع ويتصاعد باستمرار. ويتجاوز الإنفاق على التحويلات إلى الأسر والدعم ورواتب ومنافع منسوبي الدولة في الوقت الحالي نصف ميزانية الدولة. ومن المتوقع أن يستمر النمو القوي في الإنفاق على رواتب منسوبي الدولة في السنوات القادمة، كما أن من المتوقع أن يستمر نمو التحويلات إلى الأسر بل أعتقد أن وتيرتها ستزداد نظراً للتوجهات الحالية لاستحداث برامج جديدة. وسيزداد الطلب على خدمات الدولة بسبب النمو السكاني القوي وبسبب استحداث خدمات جديدة ورفع مستوى الخدمات الحالية. وإذا ما استمرت معدلات الزيادة الحالية في الصرف على الرواتب والأجور بسبب الحاجة لتوظيف المزيد من المواطنين للحد من معدلات البطالة ولتقديم المزيد من خدمات الدولة، فإن مخصصات النفقات على الأجور والتحويلات والدعم ستتضاعف خلال تسع سنوات.

وفي المقابل ليس من المتوقع أن تنمو إيرادات الدولة خلال السنوات المقبلة بنسب نمو هذه النفقات نفسها. بل إن هناك مخاطر حقيقية من إمكانية تراجعها، ولهذا ستزداد الضغوط على الإنفاق الحكومي، وسيتلاشى الفائض المالي الكبير المحقق خلال السنوات القليلة الماضية، وقد يختفي في غضون سنتين أو ثلاث. وهناك مخاطر بعودته في أي وقت وذلك في حالة تراجع سعر النفط إلى أقل من 90 دولاراً للبرميل. وسيتراجع الإنفاق على المشاريع في حالة عودة العجوزات المالية، وقد يخفض بقوة مما يؤثر سلباً في مسار تنمية هذا البلد الكريم. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه لفترة من الزمن فستبدأ الدولة بخفض الإنفاق على المشاريع ثم ستستنفد احتياطياتها المالية وقد تلجأ للاستدانة من جديد وذلك للوفاء بالتزاماتها المتمثلة في الرواتب والفوائد.

ولا أعتقد أن الغيورين على هذه البلاد المباركة يودون أن يتم استنفاد الاحتياطيات المالية والتي ينبغي على النقيض من ذلك زيادتها واستثمارها لمصلحة الأجيال المقبلة، ولا أعتقد كذلك أن أي شخص يود أن تعود مستويات المديونية الحكومية إلى الارتفاع من جديد بعدما أمضينا عدة سنوات في سدادها. ولهذا لا بد من أخذ الحيطة مقدماً والسيطرة على نمو النفقات الحكومية وتحديد معدلات معقولة لنموها حتى يمكن التعامل مع الظروف الطارئة بيسر واستدامة تنمية بلاد الحرمين والمحافظة على الأقل على مستويات رفاهية المعيشة الجيدة نفسها التي ننعم بها في الوقت الحالي.

الآن - العربية

تعليقات

اكتب تعليقك