النفط.. ومعزوفة الاستغناء عنه بقلم عثمان الخويطر

الاقتصاد الآن

1165 مشاهدات 0

نفط

هل لاحظتم كيف أن المجتمع الدولي بكل فئاته وطوائفه وبكل ما أوتي من وسائل يسعى جاهداً لاستنزاف الثروة النفطية الرخيصة المحدودة؟ ونحن مع الأسف نعينه على ذلك ونبارك له، على الرغم من أننا سنكون أول ضحايا تناقص المداخيل النفطية، ومن ثم نضوب هذه الثروة. والجميع يدركون أن نضوب النفط أمر حتمي، طال الزمن أم قصُر.

والكل يعلم أن تطوير أي نوع من بدائل مصادر الطاقة وتهيئته للاستخدام يستغرق عقوداً طويلة ويكون في حاجة إلى بنية تحتية جديدة ومكلفة للغاية. وليس خافياً على المجتمع الدولي أن البدائل المتجددة المعروفة لدينا اليوم بجميع أشكالها وأنواعها لن تكون بديلاً لجميع خصائص المشتقات النفطية التي عرفها العالم منذ اكتشاف المواد الهيدروكربونية قبل أكثر من قرن، من حيث كثافة الطاقة وسهولة النقل وتنوع استخداماتها. ومع ذلك، فلا تشعر أن هناك أدنى مستوى من الاهتمام العالمي، خصوصاً من الذين بيدهم اتخاذ القرارات المصيرية، بمستقبل إمدادات الطاقة بعد نضوب الجزء الأكبر من احتياطي النفط الرخيص.

ونحن هنا نخص ما يسمى بالنفط التقليدي متدني التكلفة، من نوع نفوط الخليج العربي، الذي يتواجد في الطبيعة على هيئة سائلة، وغالباً ما يكون تحت ضغط كبير يساعده على الجريان من المكامن الصخرية إلى فوهة البئر. أما ما يطلق عليه ''النفط غير التقليدي''، وهو الذي ترتفع تكلفة إنتاجه عشرة أضعاف النفط التقليدي، ومنه النفط الصخري والصخر النفطي، فلن نعتبره بديلاً للأخير لأسباب كثيرة، رغم ضخامة الاحتياطي الذي ربما يصل إلى ضعف المتبقي من النفط التقليدي.

وأهم المعوقات التي ترتبط بإنتاج النفط غير التقليدي هي ضآلة كمية الإنتاج إذا ما قورنت بالإنتاج التقليدي الذي في معظم الحالات يتدفق تلقائياًّ إلى السطح، مما يعني استحالة تعويض أي كمية من النفط الرخيص بكمية مماثلة من النفط الصخري والصخر النفطي والرمال النفطية. إضافة إلى كون إنتاج تلك النفوط غير التقليدية يسبب تلوثاً كبيراً للبيئة المحيطة بمرافق الإنتاج، وهو ما سيحد من التوسع في إنتاجه في المستقبل.

ومن المؤسف أن العالم اختار أن يبدأ باستهلاك نفطنا الرخيص، ومن ثم يتركوننا دون مصدر للدخل، وينصرفون إلى أنواع النفوط غير التقليدية الأخرى خارج بلادنا. والكثيرون يظنون أنه كان في مصلحتنا في الماضي الاعتماد كلياًّ على النفط التقليدي كمصدر للطاقة، ولكن ذلك ليس صحيحاً على الإطلاق. فقد اضطررنا، نحن منتجي الخليج، إلى إنتاج ما يزيد كثيراً على حاجتنا تلبية للطلب العالمي. وهذا غير صحِّي. إذ سنفقد قسمًا كبيراً من ثروتنا قبل أن يكون لدينا ما يعوض النقص في الدخل المالي.

لقد كنا نعيش في أرض شبه الجزيرة العربية خلال قرون طويلة على هبة السماء من المطر الشحيح، ثم وجدنا أنفسنا بطريق المصادفة نطفو ونبحر فوق بحيرات من النفط، أو الذهب الأسود كما يحلو للبعض أن يسميه. ولم يكن لدينا الوقت الكافي للتمعُّن والتفكير في طريقة استغلاله اقتصادياًّ، آخذين في الحسبان عمره القصير وتأثيره في حياتنا الجديدة. فقد انبهرنا باكتشاف النفط الذي نقل حياتنا في يوم وليلة من الفقر والعوز الشديد إلى مصاف الأمم الغنية دون أي جهد منا.

ونظراً لكوننا آنذاك غير مؤهلين عِلمياًّ وعَمليًّا لاستخراجه من مكامنه وتصديره إلى الأسواق العالمية، فقد اخترنا توكيل أمر ذلك إلى أيد أجنبية تمتلك الخبرة اللازمة للتعامل مع هذه الثروة الثمينة، ولكن بثمن باهظ دفعناه من جيوبنا ولسنوات طويلة. وماذا كانت النتيجة في أول الأمر؟ قاموا فحددوا الأسعار التي تناسب مصالح بلادهم الصناعية الآنية والمستقبلية ولا تتناسب مطلقاً مع القيمة الحقيقية لمادة قابلة للنضوب. واستغلوا الفرص المتاحة لهم آنذاك فجعلوا النفط الرخيص ومشتقاته المصدر الوحيد لتوليد الطاقة في العالم وأساساً لبناء النهضة الاقتصادية الحديثة. واخترنا نحن ودون إدراك منا أن يكون دورنا مرتبطا بتمويل الاقتصاد العالمي.

وحرصاً من الدول الكبيرة التي كانت تستغل ثروتنا الرخيصة الناضبة على عدم ترك أي فرصة قد تدق جرس الإنذار وتقود إلى أي محاولة للحد من كمية الإنتاج لمصلحة مستقبل أجيالنا، فقد ابتدعوا في وقت مبكر من عصر النفط مقولة أو شائعة عن إمكانية الاستغناء عن نفطنا إذا نحن اقتصدنا في إنتاجه. وهي فرية قد يكون قد صدقها البعض، بدليل أننا حتى هذا اليوم نسمع من مسؤولينا منْ يُردد المقولة نفسها، على الرغم من عدم وجود شواهد أو ثوابت علمية تشير إلى إمكانية تطوير مصدر جديد لتوليد الطاقة يحمل جميع المزايا التي تتمتع بها المشتقات النفطية. وإن كنا نحن نتمنى ظهور مصدر متجدد يكون رافداً للنفط ويخفف من استنزافه المفرط.

ولذلك فالتهويل الجديد من التطوير والتوسع الأخير في إنتاج النفط الصخري الأمريكي لا يقلقنا على الإطلاق. فنحن نعلم وندرك جيداً صعوبة ومحدودية كميات إنتاجه. فهو لا يمثل أي خطر على النفوط التقليدية. بل إن العكس هو الصحيح، فكون تكلِفة إنتاجه تفوق مستوى تكلفة نفوطنا أضعافاً كثيرة، فهذا ضمان لعدم إمكانية هبوط الأسعار عن مستواها الحالي، الذي هو قريب من تكلفة النفط الصخري. ولا بأس من إعادة مقولة سابقة لكاتب هذه السطور، وهي تصلح لكل زمان ومكان، ''إن خوفنا من نضوب نفطنا وليس من الاستغناء عنه''.

الآن - العربية

تعليقات

اكتب تعليقك