'تعيسة'.. جعفر رجب واصفاً الأمة العربية والإسلامية

زاوية الكتاب

كتب 1722 مشاهدات 0


الراي

تحت الحزام  /  أموات ولا تشعرون

جعفر رجب

 

هل نحن قوم نعيش في الماضي؟ ونعود كعادة الشعوب المهزومة الى الدفاتر القديمة بحثا عن نصر في معركة، وزعيم يحمل سيفا يقطر بالدم، وشاعر يلقي بمعلقاته على جمهور جائع يبحث عن خبز وملح؟
لا، نحن لا نذهب للماضي، بل التاريخ بكل جلالة قدره يأتي الينا صاغرا، نحن «ما لنا خلق» حتى العودة للماضي، بل الماضي يتعب نفسه ويأتي الينا، يطرق بابنا، يدخل بيتنا، ويجلس في فناء دارنا، ولهذا لا تتفاجأ عندما تدخل البيت، وتجد عنترة بن شداد متفاخراً يردد على مسامعك «هلا سالت الخيل يابنة مالك، ان كانت جاهلة بما لم تعلم»، وترد عليه وهل هذا خيل أم وكالة رويترز للانباء؟ ويردد ابو فراس الحمداني «ونحن اناس لا توسط بيننا، لنا الصدر دون العالمين او القبر» وتقول له «طبعا القبر» يا ابو الفرس، فنحن قوم حتى في القبر نعاني من ضيقته فما بالك بالعالم الفسيح.
تشاهد هارون الرشيد وهو جالس في زاوية المنزل وينظر للسماء ويتابع السحب ويردد مبتسما مزهوا «اينما تولي فخراجك لي»، وينادي عمر بن عبد العزيز وهو واقف فوق سطح المنزل «انثروا القمح فوق رؤوس الجبال كي لا يقال جاع طير في بلادي» وتتخيل انك في حلم، وهي حقيقة، فناء الدار مليء برجالات الماضي، يخطبون ويتحدثون ويتفاخرون بالماضي، وقد احضروا معهم الخدم والعبيد والجواري والغلمان... كلهم حاضرون ونحن مثل كل الاقوام المهزومة، قوم يصورون خلف الزعماء، وقوم خلف الشعراء، والبقية خلف الجواري والقيان.
صدقوني ليس خيالا، لاحظوا جيدا الوجه من حولكم، والافكار التي تدور حول رؤوسكم، لاشك انهم في الماضي، لعلهم اخترعوا جهازا «للانتقال عبر الزمن» ومنهم من وصل الينا، والا يمكن ان يكون هؤلاء الذين نراهم كل يوم يخطبون في الفضائيات، ونقرأ لهم في الصحف قوم من هذا العصر، ولا افكارهم لها علاقة بالواقع، ان مذهبهم التمذهب ولا شيء غيره، وبدلا من أن يعيشوا مع العالم الواسع يريدون من العالم ان يعيشوا في حفرهم الكئيبة المليئة بديدان عمياء!
لا يوجد حولنا ما هو مبشر بالخير، بل حتى الماضي الذي نستدعيه غبي وتافه، لا نحضر الا الدم والكراهية، نمجد قتلة الحلاج، وحارقي كتب ابن رشد، وعلماء البلاط الذين يبكون الوالي بمواعظهم ويخرجون محملين بألف ألف دينار من بيت مال المسلمين.
ملايين الشهداء ذهبوا ضحية هذه الامة التعيسة، الآلاف يموتون يوميا، نحرا وتفجيرا وكيماويا، دون ان تتقدم هذه الامة خطوة، او تتعلم حكمة، او تعتبر بعبرة، وكما ان هؤلاء الشهداء احياء ولكن لا تشعرون، كذلك هذه الامة... اموات ولكن لا يشعرون!

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك